تقارير
الكتاب المدرسي.. نقص في المدارس ورواج في أرصفة الشوارع
قناة بلقيس - خاص - هشام سرحان
رياض أحمد (8 أعوام) -طالب في الصف الثالث الابتدائي بمدرسه 'بلال بن رباح' وسط مدينة تعز- تسلّم في النصف الأول من العام الدراسي الحالي بعض الكتب من الجزء الأول، في حين لم يتلقَّ أي كتب في النصف الثاني، ما اضطر والده إلى شرائها من إحدى البسطات، كما يقول لموقع "بلقيس".
مرام عبد الإله (11 عاماً) -طالبة في الصف السادس الابتدائي- تعاني أيضاً من عدم توفّر الكتب في مدرستها الواقعة وسط المدينة، وذلك إلى جانب شقيقتها منار (13 عاماً )، التي تدرس في الصف السابع بالمدرسة نفسها.
مرام ومنار بحثتا عن الكتب لدى جيرانهما وزميلاتهما المتقدّمات عليهما في الدرسة، لكنهما لم تحصلا على جميع المواد، ما استدعى تدخل والدهما الذي لجأ إلى شراء ما ينقصهما، رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة.
يفتقر الطلبة في المدارس الحكومية بالمدينة الواقعة جنوب غرب البلاد والخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بشكل ملحوظ للكتب، وهي معظلة مزمنة أوجدتها الحرب وفاقمها التخاذل الرسمي عن طبع الكتاب المدرسي وتوفيره بكميات كافية ولجميع المدارس.
يلفت معلّم اللغة العربية، الناشط الأربعيني عبد الواسع الفاتكي، في حديثه لموقع "بلقيس"، إلى وجود عجز ملحوظ في الكتب بمعظم المدارس الحكومية في المحافظة، وهي مشكلة تشتد مع بداية كل فصل دراسي، فيما تتضاءل في المدارس الخاصة التي تقوم بطباعة المنهج على نفقة الدارسين فيها.
يوضح الفاتكي: "يتفاوت العجز من مادة إلى أخرى، فهناك مواد يتوفّر لها جزء من الكتب، ويتأخّر توزيع أخرى، أو تنعدم بشكل تام، ككتب اللغة العربية والتربية الإسلامية".
- رواج على الرصيف
في المقابل، تنتعش ظاهرة الاتجار بالكتب المدرسية في السوق السوداء، وتتوفّر فيها بكثرة، كما تشهد رواجاً في البسطات وبعض المكتبات المنتشرة في الشوارع، ويتزايد الإقبال عليها بشكل ملحوظ، يذكر مواطنون وباعة لموقع "بلقيس".
يعرِض الأربعيني علي ناصر في بسطته الواقعة في أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة كتباً متنوّعة، تغطّي مختلف المستويات الدراسية، ويتباهى بذلك، فيما يشير إلى أنه جلبها عن طريق المقايضة مع طلبة أو من مطابع.
يبيع ناصر -كغيره من الباعة- الكتاب الواحد ب1000 ريال، أو 1200 ريال، أو 1500 ريال، وهي أسعار قد تتضاعف حسب نوع وحجم الكُتب. يقول لموقع بلقيس: "إن الإقبال عليّها جيد".
إلى ذلك، يتساءل مواطنون وناشطون عن المصادر التي يجلب منها الباعة تلك الكتب، ويتكهنون بأنها مسرّبة من بعض المدارس ومخازن مكتب التربية والتعليم في المحافظة وفروعه في المديريات، كما يعتبرون ذلك مظهراً من مظاهر الفساد، ويحمّلون السلطات المحلية والتربوية في المحافظة مسؤولية ذلك.
يثير الأمر توجّس مكتب التربية والتعليم في المحافظة، الذي نفّذ -أواخر يناير من العام 2021- بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية حملة لملاحقة باعة الكتب، وإيقاف عدد منهم، وإحالتهم إلى الجهات المختصة للتحقيق معهم حول كيفية جلبهم للكتب، والأشخاص والجهات التي يتعاملون معها.
يربط مهتمون بين افتقار المدارس للكتب ورواجها في الأسواق، وينوّهون لرحلة البحث التي يقوم بها المحتاجون لها، ويؤمنونها بطرق مختلفة، بينها الاستعارة، والشراء أو اللجوء إلى بدائل أخرى مجهدة وأقلّ كُلفة.
- بدائل
يتردد المواطن عبده أحمد (59 عاماً) -منذ عدة أعوام- على بسطات بيع الكتب، ويشتري منها كُتبا جديدة أو مستعملة، أو نسخاً مصوّرة، وذلك لعدد من أطفاله الذين لم يتسلموها من مدارسهم منذ اندلاع الحرب في العام 2015، كما يقول لموقع "بلقيس".
يستهجن اقتصار دور المدارس على تسلّم رسوم دراسية مضاعفة، وتنصّلها عن مسؤولية توزيع الكُتب، التي يثقل شراؤها كاهل أولياء الأمور، وذلك خلافاً لسنوات ما قبل الحرب، التي كان يدفع فيها الطالب أو الطالبة رسوما متواضعة، ويتسلّم كتبه كاملة.
يذكر لموقع "بلقيس": "لم أوفّر -خلال هذا العام- سوى كتاب أو كتابين لكل واحد من أطفالي، ولذلك لجأت لبدائل متواضعة، بينها تداول الكتب بين أولادي وبناتي، فالذي يتعدّى صف دراسي معيّن يترك الكُتب للذي يليه، كما يترك دفاتر الحصص والواجبات ليتم المذاكرة منها، نيابة عن الكُتب الناقصة".
يحاول سد الفجوة التي خلّفها غياب الكُتب من خلال قِيام ابنته، التي تدرس في المرحلة الإعدادية، بشرح الدروس لأشقائها وشقيقاتها الدارسين في المرحلة الابتدائية، ومراجعتها لهم من كراسات ودفاتر مكتوبة بخط اليد، كما يقوم هو أيضاً بمساعدتها في ذلك، ويترك ما استعصى عليه لجيرانه من المعلّمين وطلاب الجامعات.
يؤثّر غياب المنهج على سير العملية التعليمية، إذْ يصعب على المعلم تحضير الدروس، ويصعب على الطلبة المذاكرة وحل الواجبات في المنزل، وهو ما يدفع المدرّس محمد مهيوب (49 عاماً) إلى كتابة جميع الدروس على السبورة، لينقلها جميع طلابه.
يرى مهيوب أن ذلك ليس بديلاً عن الكتاب المدرسي غير المتوفر، الذي يتطلب تدخلا رسميا عاجلا لتوفيره، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تسريب كميات منه للبيع في السوق السوداء.
- تطمين وتشخيص
مصدر رسمي يُقر بوجود عجز كبير في الكتب بجميع المدارس، وذلك بنسبة 90%، كما ينوّه إلى أن الكُتب، التي تُباع في الأسواق، مطبوعة منذ ما قبل العام 2015، كما أن طباعة بعضها غير رسمية.
وتقدّر احتياجات المحافظة من الكتاب المدرسي -بجزأيه الأول والثاني- بستة ملايين وخمسمائة واثنين وخمسين ألفا وثلاثمائة وأربعة عشر كتابا، حسب ما ذكره المصدر.
وقال مدير الإعلام التربوي، محمود طاهر، لموقع "بلقيس": "إن مكتب التربية في المحافظة تسلّم -العام الماضي- 615 ألف كتاب من الجزء الأول، وهي مخصصة للطلاب والطالبات من الصف الأول وحتى الثالث الابتدائي، فيما لم يتسلّم كتب الصفوف الدراسية من رابع ابتدائي وحتى ثالث ثانوي.
وأوضح أن الكميات المستلمة من مطابع الكتاب في العاصمة المؤقتة (عدن) تغطّي 10% تقريباً من حجم الاحتياج الفعلي. وقد تم توزيعها على جميع مدارس تعز بأعداد متواضعة ونِسب بسيطة، كما تأتي عقب انقطاع تام، حيث لم يتسلّم مكتب التربية -خلال العامين 2019 و2020- أي كتاب.