تقارير

المبادرات الخيرية في رمضان.. اليمنيون يواجهون الظروف الاقتصادية بالتكافل والتراحم

23/03/2025, 09:09:54
المصدر : قناة بلقيس - فاطمة العنسي

كان رمضان أصعب الشهور عليه، يسمع أصوات العائلات وهي تجتمع حول موائد الإفطار، ويشم روائح الطعام تتسلل من النوافذ، لكنه كان يكتفي بالنظر إلى سقف غرفته منتظرًا أذان المغرب، دون أن يجد ما يفطر عليه.

في إحدى ليالي رمضان الجاري، وبينما يجلس منهكًا، سمع طرقًا خفيفًا على بابه، لم يعتد أن يزوره أحد، فنهض متثاقلًا، وعندما فتح الباب، وجد شابًا يحمل أكياسًا تحوي وجبة طعام كاملة وابتسامة صادقة على وجهه، قائلًا: “يا عم حسن، هذا إفطار لك من أهل الخير”.

نظر عم حسن إلى الطعام أمامه، امتلأت عيناه بالدموع، واختنق صوته بين الشكر والدعاء، جلس على الأرض، وبدأ بتناول الطعام ببطء، كأنه يذوق الحياة لأول مرة منذ سنوات. لم يكن الإفطار مجرد وجبة، بل كان رسالة: “بالتكافل والتراحم نعيش”.

في تلك الليلة، نام العم حسن، الذي يعيش وسط منزل متواضع في حي “الضبوعة العليا” في مدينة تعز، كما يقول لـ”بلقيس نت”، بقلب ممتلئ بالدعاء لمن أعادوا إليه الشعور بالاهتمام، ولمن جعله يشعر بأن رمضان شهر رحمة وتكافل.

من مشروع منزلي إلى مبادرة إنسانية واسعة

بدأت م.ع (فضلت عدم ذكر اسمها) مشروعها المنزلي بإعداد وبيع وجبات طعام معينة للزبائن، لكنها، رغم انشغالها، كانت تقدم وجبة أو وجبتين يوميًا للمحتاجين والفقراء. ورغم ارتفاع الأسعار، حرصت على أن تكون الوجبات كريمة وكمياتها كبيرة.

ومع حلول شهر رمضان، قررت م.ع إيقاف مشروعها التجاري تمامًا والتفرغ لطهي الطعام مجانًا للفقراء، بهدف نيل الأجر وتعريف الناس بجودة طعامها. أعلنت عن مبادرتها على “فيسبوك”، وسرعان ما لاقت رواجًا واسعًا، حيث بدأ فاعلو الخير بالتبرع بالمواد الغذائية، فيما تولت هي عملية الطهي والتوزيع دون مقابل.

توسّع المبادرة.. من وجبات مطهية إلى سلال غذائية

مع ازدياد الطلب، لاحظت أن بعض الأسر لا تكفيها وجبة واحدة، فبدأت بتوزيع المواد الغذائية غير المطهية لمن يستطيعون الطهي، خاصة الأسر الكبيرة، فيما واصلت تقديم الوجبات الجاهزة لكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والعاجزين عن الطهي لعدم توفر الغاز أو القدرة الجسدية.

تقول م.ع لـ”بلقيس نت”: “تم استهداف الأسر في أماكن متعددة، وبالتعاون مع ناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي، تم الوصول إلى شريحة أوسع من المحتاجين. وزعتُ برفقة فريقي 40 سلة غذائية، بتكلفة تقدر بنحو 100 ألف ريال للسلة الواحدة”. وبرغم الجهد الكبير، أصرت على النزول بنفسها لمشاهدة فرحة الناس والتأكد من وصول المساعدات لمستحقيها، معتبرة أن أموال المتبرعين أمانة لديها.

مشروع إفطار الصائم فتح آفاقًا جديدة، حيث بدأ الناس بالتوجه إليها لتقديم زكاتهم وصدقاتهم، سواء كانوا من الأصدقاء، العائلات، أو حتى متبرعين مجهولين. في بداية رمضان، كانت تستهدف بين 20 إلى 30 أسرة يوميًا، لكن مع تزايد أعداد المتبرعين، ارتفع العدد إلى 60 أسرة يوميًا.

كما تولت تنفيذ مشاريع كفارة إطعام مسكين، حيث تم تقديم الطعام لـ60 مسكينًا، شملت فئات مثل الأرامل، الفقراء، ذوي الاحتياجات الخاصة، المهمشين، العجزة، والأيتام. ومع نهاية رمضان، توسعت المبادرة لتشمل كسوة العيد وتوزيع المزيد من السلال الغذائية للأسر المحتاجة.

من أبرز أهداف م.ع كانت مساعدة الأسر المتعففة، التي لا تستطيع طلب المساعدة حتى في أشد ظروفها. كما نظّمت إفطارًا جماعيًا للرجال في تعز، قدمت خلاله أطباقًا متنوعة مثل بنت الصحن، الكبسة، والشفوت، مما ساهم في زيادة انتشار المبادرة. ونتيجة لذلك، وصل صداها إلى التجار الكبار في المحافظة، مما ساعد في توسيع نطاق المبادرة بشكل أكبر.

“اليوم كان مختلفًا.. شعرت أنني لست وحدي”

“منذ الصباح، كنت أفكر: ماذا سأفطر اليوم؟ لم يكن لدي شيء سوى بقايا خبز يابس وبعض الماء. مررتُ بجانب البيوت، أشم روائح الطعام تتصاعد مع اقتراب موعد الإفطار، وأحاول أن ألهي نفسي عن الجوع.

لكن فجأة، سمعت صوتًا يناديني باسمي، التفتُّ لأجد شابة تحمل أكياسًا من الطعام، ابتسمت وقالت: “هذا لك، إفطار رمضان، كل عام وأنت بخير”. للحظة، لم أصدق، مددت يدي المرتجفة، أخذت الكيس، وفتحته، فوجدت أرزًا، دجاجًا، وشوربة دافئة، بل وحتى بعض التمر والعصير”.

هكذا تذكر محمد مجيد (اسم مستعار) شعوره عندما قامت إحدى المبادرات الخيرية بتقديم وجبة إفطار له.

ويتابع لـ”بلقيس نت”: “لم أتمالك نفسي، دموعي نزلت قبل أن أتناول أول لقمة. شعرت أنني إنسان، أن هناك من يفكر بي حتى وإن كنت لا أطلب شيئًا. جلست على الرصيف، رفعت يدي إلى السماء، ودعوت لمن أرسل لي هذه النعمة. اليوم لم أشعر بالجوع فقط، بل شعرت بالكرامة والاهتمام. منذ أول أيام رمضان وأنا أتلقى وجبتي يوميًا، وأدعو داخلي: اللهم اجزهم خيرًا، فقد أحيوا الأمل في قلبي”.

مبادرة “إثر”.. جهود إنسانية مستمرة لإطعام المحتاجين

تُعد مبادرة إثر، التي تشرف عليها الناشطة جيهان الشرعبي، نموذجًا للعمل الخيري المستدام في محافظة تعز، حيث تسعى إلى تقديم الدعم الغذائي للأسر المحتاجة والفقراء في الشوارع، بتمويل من فاعلي الخير.

توضح جيهان أن عملية الطبخ تتم بمساعدة شقيقتها، وفي حال تحضير كميات كبيرة، تستعين بعدد من الفتيات لمساندتها. وتتنوع أعداد الوجبات المطهية يوميًا ما بين 100 إلى 200 وجبة، وفقًا للميزانية المتاحة.

وتقول جيهان الشرعبي لـ”بلقيس نت”: “لدينا برنامج خاص بالمبادرة، وهو توزيع أسبوعي كل جمعة، حيث يتم استهداف 180 أسرة بوجبات جافة، بالإضافة إلى تحضير وتوزيع أكثر من 100 وجبة مطبوخة للفقراء في الشوارع”.

وتتابع: “خلال الشهر الكريم، تم توزيع التمور في مناطق بتعز وتهامة، حتى شملت المبادرة غزة والسودان، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب في الأحياء الأكثر احتياجًا يوميًا، وتعبئة خزانات السبيل بمياه الشرب الصالحة”.

بحسب القائمين على المبادرة، فإن النشاط الخيري ارتفع هذا العام، ففي وقت كانت المبادرة تستهدف العام الماضي من 30 إلى 60 وجبة إفطار، أصبحت تستهدف من 150 إلى 180 وجبة لكل أسرة.

مع حلول رمضان المبارك، تحولت العديد من المبادرات الخيرية إلى حركات واسعة النطاق، مستفيدة من قوة وسائل التواصل الاجتماعي. وبدعم فاعلي الخير، عززت جهودها قيم التكافل الاجتماعي، وتركت أثرًا عميقًا في حياة الكثيرين، ويؤكد العاملون عليها أن العطاء الحقيقي لا حدود له.

تقارير

اقتصاد اليمن يترنح.. الريال يفقد قيمته في ظل عقوبات متصاعدة وجولة حرب منتظرة

يتواصل الانهيار الاقتصادي في اليمن مع تفاقم الأزمات المتداخلة والمركبة والعقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على النظام المالي في اليمن، الأمر الذي انعكس على كل مناحي الحياة واستقرار الأوضاع في اليمن بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن ثم تفاقم المعاناة المعيشية للسكان.

تقارير

على وقع الضربات الأمريكية.. غروندبرغ يبحث في مسقط سبل إنقاذ الحوثيين

على وقع الضربات الأمريكية المتوالية للقدرات الحوثية العسكرية، واستهداف قيادات من المليشيا، لا يزال مصيرهم قيد التعتيم، أجرى مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في العاصمة العمانية مسقط، مباحثات مع مسؤولين عُمانيين وقيادات حوثية.

تقارير

السيناريو الأخطر.. ماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي؟

مع اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي، فإن الوقت حاليا ليس في مصلحة اليمن أو الدول العربية في مواجهة هذا التحدي، فالجميع مطالبون الآن بتحديد موقف استباقي، قبل أن يصبح الوضع أكثر تعقيدا وتصعب معالجته، فإيران ماضية في تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.