تقارير
المخدرات كسلاح إستراتيجي لإيران: من سوريا ولبنان إلى مليشيات الحوثي
ليس سلوك الحوثيين في اليمن بمعزل عن تجربة أقرانهم في "محور الممانعة = المماتعة"، فحزب الله اللبناني ونظام الأسد قدّما النموذج الأخطر لاستخدام المخدرات بوصفها ذراعًا هجومية ذات طابع مزدوج: تمويل عملياتهم، وتفكيك خصومهم.
أولًا: مقارنة حزب الله ونظام الأسد في تجارة المخدرات
استخدم كل من حزب الله ونظام الأسد الساقط الكبتاغون المُصنّع محليًا في معامل خاصة داخل سوريا، وقاما بإنشاء طرق تهريب عبر الحدود البرية إلى الأردن ولبنان، وعبر الموانئ السورية نحو الخليج وأوروبا. بينما ينشط حزب الله في إنتاج الحشيش وترويج الكبتاغون لتمويل عملياته وضرب خصومه الطائفيين، اعتمد نظام الأسد الساقط، بعد انهيار اقتصاده، على تصنيع الكبتاغون وتصديره بوسائل أكثر تنظيمًا. في الحالتين، تتكامل الأدوار ضمن شبكة إيرانية واحدة.
الدوافع تختلف شكلًا وتتفق مضمونًا: حزب الله يسعى إلى تمويل أنشطته بعد العقوبات الدولية وتفكيك المجتمعات السنية، بينما يسعى نظام الأسد إلى دعم الاقتصاد المنهار وتمويل أجهزته الأمنية والعسكرية.
أما العلاقة بإيران، فهي مباشرة ووثيقة في حالة حزب الله، وجزء من بنية تمويل "الحرس الثوري"، بينما تأخذ طابع التحالف السياسي العسكري مع نظام الأسد ضمن منظومة المحور الإيراني.
(راجع: تقرير معهد واشنطن 2023، وتقرير نيويورك تايمز 2022 عن تجارة الكبتاغون في سوريا).
ثانيًا: نقل النموذج الإيراني إلى الحوثيين
منذ 2019، بدأ الحرس الثوري الإيراني و"الوحدة 190" المكلّفة بتمويل أذرعه الخارجية، العمل على نقل "النموذج السوري -اللبناني" إلى الساحة اليمنية. وقد أشارت تقارير أمنية سعودية وخليجية (2023) إلى تدريب عناصر حوثية في الضاحية الجنوبية لبيروت على تقنيات التصنيع والتغليف والتمويه.
كما جرى تحويل ميناء الحديدة وموانئ تهامة إلى نقاط استلام وشحن، بالتنسيق مع خلايا تهريب في البحر الأحمر.
السوق المستهدفة داخليًا تشمل عدن، مأرب، تعز، وبقية المحافظات المحاذية لمناطق سيطرة الحوثيين، ثم التصدير نحو القرن الإفريقي ودول الخليج عبر المهرة وسقطرى وسواحل خليج عدن والبحر الأحمر.
وتؤكد تقارير مجلس الأمن الدولي (2022 و2023) مشاركة عناصر من حزب الله اللبناني في التخطيط والتدريب اللوجستي لهذه الشبكات.
ثالثًا: استخدام الحوثيين المخدرات كسلاح داخلي
جرّ الحوثيون آلاف الشبان، خصوصًا في الأحياء الفقيرة، نحو الإدمان، لتجنيدهم لاحقًا كمقاتلين بلا إرادة. كما قاموا بتهريب المخدرات إلى عدن وتعز ومناطق الشرعية، بهدف إنهاك النسيج المدني وتعطيل التعليم، وزرع الفوضى، وضرب ثقة المواطن بالدولة، مع أن التحقيقات الأمنية تُظهر أن معظم التهريب يتم من مناطق سيطرة الحوثيين.
(انظر: تقرير المنظمة اليمنية لمكافحة المخدرات، 2023؛ وتحقيق قناة الحدث، يناير 2024).
وفي هذا السياق، برزت جهود ملموسة للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي، حيث نجحت، خلال السنوات الثلاث الماضية، في ضبط العديد من شحنات المخدرات والأسلحة، كانت في طريقها إلى مناطق سيطرة الحوثيين عبر البحر الأحمر.
وقد أشارت بيانات صادرة عن خفر السواحل ومكتب أمن المخا (2022–2024) إلى إحباط عمليات تهريب متكررة، تشمل كميات كبيرة من الكبتاغون والحشيش والأسلحة الصغيرة. هذه النجاحات لم تكن أمنية فقط، بل رسّخت حضور الدولة في واحدة من أخطر الجبهات المهملة، وقدّمت نموذجًا فعّالًا لاستعادة السيطرة على المنافذ البحرية، والتصدي للشبكات المرتبطة بإيران.
رابعًا: ما الخطة الإيرانية؟
الخطة الإيرانية واضحة ومتصاعدة:
1. دمج ملف المخدرات في إستراتيجية الهيمنة الناعمة الخشنة، عبر تمويل الحروب الرخيصة وتفكيك الخصوم دون إطلاق رصاصة.
2. استخدام اليمن كمنطقة عبور نحو أفريقيا والخليج، بأقل تكلفة رقابية.
3. تحويل الحوثيين إلى نسخة يمنية من حزب الله، من حيث التمويل الذاتي والتحكم بالاقتصاد الأسود.
(راجع: دراسة مركز كارنيغي 2023: "المخدرات كمصدر تمويل للمليشيات"، وتقرير مركز صنعاء للدراسات، فبراير 2024).
خامسًا: تجربة دولية مقارنة
ما يجري اليوم في اليمن يذكّر بتجربة كولومبيا خلال الثمانينات والتسعينات، حين تحولت إلى دولة تديرها كارتلات المخدرات، كما في حالة تنظيم "فارك" الذي دمج الأيديولوجيا اليسارية مع تجارة الكوكايين.
وقد احتاجت كولومبيا لعقود من الدعم الدولي والإصلاحات لاستعادة تماسكها، بعد أن استُنزف مجتمعها وسقطت دولتها في قبضة اقتصاد العصابات.
- خاتمة تحليلية
إن لم توضع خطة وطنية يمنية، بدعم إقليمي ودولي حقيقي لمواجهة المخدرات، فإن اليمن سيكون، خلال سنوات قليلة، دولة مخدرات مصغّرة، تديرها مليشيا كما فعل الأسد في سوريا قبل سقوطه وهروبه إلى روسيا أو حزب الله في لبنان.
ولهذا فكلما نجحت الشرعية اليمنية في بناء منظومة مكافحة فعّالة مع خطة ورؤية إستراتيجية شاملة بدعم من دول الإقليم والتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات والمجتمع الدولي، كانت تلك النجاحات رافعة سياسية لتحسين موقعها الدولي، ودرعًا أمنيًا يحمي مجتمعها من الانهيار الداخلي قبل استفحال الخطر وضرورة اجتثاث مليشيات الحوثي من اليمن.
* كاتب ومحلل سياسي يمني