تقارير
"المِنصات الرقمية".. جسر تواصل وملاذ آمن في ظل الحرب
في عالم يشهد تحولات جذرية في المجالات الثقافية والفكرية، تبرز المِنصات الرقمية كأداة تعيد تشكيل طرق التواصل والتفاعل بين المثقفين والجماهير، ومع التوسع الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والرقمي، أصبح من الممكن تجاوز الحدود الجغرافية والزمانية للوصول إلى جمهور واسع من مختلف أنحاء العالم.
في هذا السياق، برزت الندوات الرقمية كوسيلة محورية لتعزيز الوعي الثقافي، وتوسيع آفاق الحوار الفكري، ما يساهم في نشر المعرفة، وتوثيق الهوية الثقافية، خاصة في المجتمعات التي تمر بظروف استثنائية، مثل اليمن.
- تعزيز الثقافة والفكر
الندوات الرقمية أصبحت وسيلة رئيسية في تفعيل النقاشات الثقافية والفكرية، والتفاعل مع قضايا محورية تؤثر في المجتمع بشكل مباشر.
وقد أكد العديد من الخبراء في هذا المجال على الدور الكبير، الذي تلعبه هذه المنصات في تعزيز الثقافة وتعميق الوعي العام، حيث أشار الكاتب والباحث، نبيل البكيري، على الدور الكبير الذي تلعبه الندوات الرقمية في تقريب المسافات بين المثقفين وجمهورهم، مشيراً إلى أنها تساهم في زيادة الوعي الثقافي وتنشيط الحوار الفكري.
وقال البكيري -في تصريح خاص لموقع "بلقيس": "لا شك أن التطور في وسائل التواصل الرقمية قد ساهم بشكل كبير في تقريب الناس ثقافياً وفكرياً هذه المِنصات تزيد من الفعالية الثقافية، والحضور الثقافي، والنقاش الثقافي بشكل كبير جداً، كما أنها تقرب المسافات بين المثقفين وجمهورهم".
وأضاف البكيري: "المنصات الرقمية تساهم في بناء جسور التواصل والحوار بين النخب وجمهورها، ولكنها في الوقت نفسه تشهد استغلالاً سلبياً من قِبل بعض الأفراد، الذين يسعون إلى نشر التفاهات والأفكار السطحية، حيث حذّر من خطورة هذا الاستغلال مؤكداً على ضرورة أن تقوم النخب الثقافية بدور أكبر في استغلال هذه الوسائل بشكل جيد".
- جسر تواصل
تزداد أهمية التكنولوجيا والمِنصات الرقمية كأدوات حيوية في إعادة تشكيل المجتمعات، وتوفير فرص جديدة للتعليم والتواصل.
في هذا السياق، يتحدث الكاتب والطبيب اليمني، مروان الغفوري: "عن الدور المحوري الذي تلعبه هذه المنصات في تجاوز الحواجز الجغرافية والسياسية"، موضحًا كيف أنها "أصبحت جسرًا للتواصل بين الأفراد والجماعات في مختلف أنحاء العالم، مهما كانت الظروف الصعبة التي يعيشون فيها".
وخلال حديثه لـ"بلقيس"، سلط الغفوري الضوء على تجربته الشخصية في مجال التعليم والثقافة الرقمية، مؤكدًا أن المنصات الرقمية قد أثبتت قدرتها على توفير فرص متساوية للجميع في مجالات عدة، بدءاً من التعليم، وصولاً إلى تقديم الاستشارات الطبية عن بُعد، كما أشار إلى أن هذه المِنصات قد أضحت بيئات غنية بالمعرفة، حيث يُمكن للناس، من مختلف الخلفيات الثقافية والتخصصات، أن يتبادلوا الأفكار والخبرات، وهو ما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تطورًا ووعيًا.
الغفوري أكد أيضا أن "المنصات الرقمية أصبحت لا تقتصر على كونها أدوات للتواصل الاجتماعي، بل تطورت لتكون مِنصات تعليمية وثقافية عالمية، تتجاوز القيود الجغرافية والسياسية.
وذكر أن "هذه المِنصات لعبت دورا كبيرا في ربط اليمنيين في الداخل والخارج، وجعلت التواصل بينهم أكثر سلاسة وفاعلية، وهو ما يعزز من تعزيز الهوية الوطنية، وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات المختلفة".
- ملاذ آمن
وفي حديثه عن الواقع اليمني، أشار الغفوري إلى أن "المِنصات الرقمية في اليمن أصبحت ملاذا آمنا للكثيرين، حيث يمكنهم التعبير عن آرائهم بحرية، والاطلاع على آخر المستجدات في مختلف المجالات".
كما لفت إلى أن "هذه المنصات ساعدت في توفير فرص عمل جديدة للشباب، ما يسهم في تعزيز الإقتصاد الرقمي، وبناء مجتمع المعرفة".
كما تناول الدكتور الغفوري أهمية المنصات الرقمية خلال جائحة كورونا، حيث "أكدت الأحداث قدرة هذه المِنصات على التكيف مع الظروف الاستثنائية، وتلبية احتياجات المجتمعات من خلال توفير التعليم عن بُعد، والخدمات الصحية الرقمية، والحفاظ على التواصل الاجتماعي في ظل التباعد الاجتماعي".
- الحفاظ على التراث ونشره
في ظل التقدم التكنولوجي السريع أصبحت المِنصات الرقمية أداة أساسية في العديد من المجالات، بما في ذلك الحفاظ على التراث الثقافي، ونقله للأجيال القادمة.
وفي هذا السياق، يؤكد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية -وزير الثقافة الاسبق، مروان دماج، أن التكنولوجيا الحديثة، خصوصا المنصات الرقمية، باتت بوابة رئيسية لحماية الموروث الثقافي ونشره على نطاق أوسع.
وفي حديثه ل"بلقيس": "يوضح دماج كيف أن هذه المِنصات أصبحت أداة فعالة في توثيق وتبادل الموروثات الثقافية، وتساهم بشكل كبير في تعزيز الهوية الثقافية، وتعميق الروابط بين الشعوب المختلفة".
ويؤكد دماج أن "وسائل التواصل الإجتماعي والمِنصات الرقمية قد مكنت فئات واسعة من الناس من المشاركة الفعالة في الحفاظ على التراث الثقافي، وتبادل العادات والتقاليد مع جمهور عالمي، إذ لم تعد هذه المِنصات مجرد وسيلة للتواصل الشخصي، بل أصبحت ساحة واسعة لعرض ملامح ثقافات متنوعة من مختلف أنحاء العالم، مما يسهم في تعزيز التفاهم والتقارب بين الشعوب".
ويقول دماج: "الدور المحوري، الذي تلعبه الندوات الرقمية في تعزيز الحوار الثقافي"، حيث يرى أن "هذه الندوات توفر منصة للمختصين والمهتمين في المجالات الثقافية المختلفة للتفاعل، وتبادل الخبرات والمعرفة.
وقد أشار إلى أن "الندوات الرقمية أصبحت جزءا لا يتجزأ من العملية الثقافية الحديثة، إذ تساهم في إثراء النقاشات، وتعميق الفهم المتبادل للتراث الثقافي".
وعلى الرغم من التقدم الكبير، الذي تحققه المِنصات الرقمية في مجال الحفاظ على التراث، يرفض دماج فكرة أن هذه الوسائل يمكن أن تحل محل الأشكال التقليدية من الأنشطة الثقافية، فالمؤتمرات والمهرجانات والمعارض، التي تعكس التراث المادي والتفاعلات المباشرة بين الأفراد، تظل عناصر لا غنى عنها في الحفاظ على التراث".
- تعزيز الثقافة والتحدِّيات الإنسانية
في خضم الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، يظل تعزيز الوعي الثقافي والحفاظ على الهوية الوطنية من القضايا الأساسية، التي تتطلب اهتماماً خاصاً.
وفي هذا السياق، أكد بلقيس عباد -المنسق العام لمِنصة "أثير"- على الدور المحوري الذي تلعبه الندوات الرقمية في تعزيز الوعي الثقافي، وتوثيق الهوية الوطنية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن.
وأوضحت عباد، في تصريح خاص لموقع "بلقيس"، أن "المِنصة تسعى جاهدة لتوفير مساحة آمنة للحوار البناء، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والثقافية التي تهم المجتمع اليمني".
وبيَّنت عباد أن "منصة أثير تعتمد إستراتيجيات متعددة لتحقيق أهدافها، منها التركيز على مواضيع تلامس واقع اليمن، وإشراك نخبة من الخبراء والمختصين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تفعيل مشاركة الجمهور، وتوثيق النقاشات، كما تسعى المِنصة لاستخدام أساليب مبتكرة لتحفيز التفكير النقدي لدى المشاركين".
وبحسب عباد، لم تتوقف أنشطة "أثير" عند الندوات الرقمية فحسب، بل نظمت العديد من الدورات التدريبية والأمسيات النقاشية والمؤتمرات الهامة، مثل مؤتمر "اليمن كإنسان"، الذي أقيم بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي هدف إلى التوعية بالتحديات الإنسانية، التي يواجهها اليمنيون، وإعلاء صوتهم على المستوى الدولي.
إن قدرة المِنصات الرقمية على تخطي الحواجز الجغرافية والسياسية تجعلها أداة لا غنى عنها في عالم مترابط ومتغيِّر باستمرار، ولكن مع هذه القوة الهائلة تأتي مسؤولية كبيرة، إذ يجب أن يكون هناك حذر من الاستخدامات السلبية لهذه التقنيات، وأن يكون هناك تطوير في إطار تنظيمي يحمي المستخدمين، ويضمن الاستخدام الأمثل لهذه المِنصات.