تقارير
إلى أين تقود التباينات السعودية - الإماراتية حضرموت؟ (ترجمة)
قال تحليل لمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي إن التنافس بين الرياض وأبو ظبي على النفوذ في محافظة حضرموت قد يؤدي إلى صراع بين الجانبين، أو فيما بين وكلائهما، مما يخاطر بإثارة تشرذم خطير.
وأضاف أن التنافس بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على محافظة حضرموت اليمنية يؤثر على الحدود الداخلية لأراضيها.
إذ يعزز الانقسامات بين منطقتي النفوذ السعودية والإماراتية هناك، حيث تعتبر حضرموت الداخل منطقة النفوذ للسعودية، فيما تعتبر حضرموت الساحل منطقة نفوذ للإمارات.
وفي الآونة الأخيرة، أي في شهر أكتوبر 2024، استضافت السعودية محادثات لإحياء مجلس حضرموت الوطني، وهو هيئة تضم شخصيات سياسية وقبلية من المحافظة، كجزء من جهودهم المشتركة لاحتواء نفوذ الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، والذي يسعى إلى الانفصال الكامل عن جنوب اليمن.
لا يريد السعوديون أن يروا الإماراتيين يقلصون من نفوذهم، غير أنه مع استمرار الصراع على السلطة بين البلدين، قد يؤدي ذلك إلى صراع يضعف استقرار حضرموت، الذي بدوره قد يثير المزيد من التشرذم، ويحد من النفوذ التاريخي للمملكة العربية السعودية.
وأوضح التحليل أن حضرموت لم تعد عالقة بين المعارك المحلية فحسب، بل إنها أضحت أيضا عالقة في تنافس إقليمي تفوق فيه دوافع الأمن القومي للمملكة العربية السعودية الأهداف الإستراتيجية للإمارات، بسبب حدود المملكة مع المحافظة.
وقد أعاد هذا التنافس تشكيل الحدود الداخلية في حضرموت، وعزل الأحياء الشرقية للمحافظة عن الساحل، وتسبب بالتشرذم السياسي، الذي من المرجح أن يستمر إذا لم تعطِ الجهات الفاعلة الرئيسية في حضرموت الأولوية أولا للتطلعات المحلية، وتعمل على ردم الهوة فيما بينها البين.
وتابع التحليل بالقول: "لا ينبغي الاستهانة باحتمال عدم الاستقرار في حضرموت، لا سيما في ظل السياسات السعودية والإماراتية المتباينة بشكل متزايد، فضلا عن الخطوات التصعيدية، التي يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي".
وتظهر جهود الاحتواء السعودية رفض الرياض الضمني للانفصال، وهو ما يتسق مع موقف الحركات الحضرمية الرئيسية.
في غضون ذلك، يسعى الانتشار التدريجي لقوات درع الوطني إلى إعادة تشكيل خارطة السيطرة والنفوذ داخل حضرموت، بما يسمح للمملكة العربية السعودية بإحياء نفوذها، وتعزيز مجلس حضرموت الوطني، والحد من نفوذ الإمارات في المناطق الساحلية للمحافظة.
وحول خطر عدم الاستقرار والتشرذم، قال التحليل إن الخلافات الحادة المتزايدة بين السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبين الجهات الفاعلة المحلية، التي تدعمها، تعرِّض استقرار حضرموت للخطر، وتفاقم التشرذم المحلي، وتعزز الانقسام الفعلي بين مناطق النفوذ السعودية والإماراتية في المحافظة.
ونبّه أنه، في ظل هذه الظروف، من المرجح أن تستمر القوات المتحالفة مع القوات المسلحة الجنوبية التابعة للانتقالي، وقوات النخبة الحضرمية، مثل لواء برشيد، الذي يجتذب العديد من المجنّدين من محافظة الضالح الجنوبية، في العمل كمتعهدين للأمن، وفي تعزيز مواقعها الحالية، وإنشاء قواعد عسكرية جديدة بالقرب من مدينة سيئون. وهذا من شأنه أن يقرب القوى المتنافسة في المحافظة من مواجهة عسكرية.
وتوقّع التحليل قائلا: "من المرجح أن تستمر القوات المنتشرة في المنطقة العسكرية الأولى، التي تشمل وادي وصحراء حضرموت، في مواجهة عداء متزايد من المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة".
إن خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي بأن هذه القوات "شمالية" ومتحالفة مع حزب الإصلاح (وبالتالي التأكيد على الحاجة إلى استبدالها بقوات جنوبية، بما فيها الحضرمية) لن ينتهي قريبا.
من ناحية أخرى، سيستمر انتشار قوات درع الوطن في وادي حضرموت، من الخشعة باتجاه سيئون، لتحل ببطء محل كتائب المنطقة العسكرية الأولى، وتوسع من نفوذها.
قد ترحّب الجماعات الحضرمية الكبرى بمثل هذه الخطوات، التي لن ترضي في نهاية المطاف المجلس الانتقالي الجنوبي، أو الإمارات العربية المتحدة، مما يترك حدود حضرموت الداخلية محل خلاف.
يبدو أن الوادي والمناطق الصحراوية في المحافظة تشكّل خطا أحمر سعوديا ضد كل من المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات العربية المتحدة، نظرا لقربها من الحدود السعودية، واعتبارات الأمن القومي للمملكة.
وعلى المستوى السياسي، سيمثل تحويل مجلس حضرموت الوطني إلى جهة فاعلة ونشطة على الأرض أمرا ضروريا للسعوديين والحضرميين.
ومع ذلك، إذا لم يضاعف مجلس حضرموت الوطني من انخراطه، ويكسب ثقة الجمهور، ويحسن مو أدائه العام، واتصاله مع المجموعات الحضرمية، مثل مؤتمر حضرموت الشامل، فإن ذلك سيقلل من مصداقيته، وبالتالي مصداقية المملكة العربية السعودية.
وفي الوقت نفسه، إذا كانت هناك من محاولة لإعادة نشر وحدات قوات درع الوطن على ساحل حضرموت، فمن المرجّح أن يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي حشد المعارضة له في المكلا لمقاومة مثل هذه الانتشار وحماية مجال نفوذه.
لا تريد المملكة العربية السعودية أن يكون لها حدود ساخنة أخرى في حضرموت، كما هو الحال في صعدة وحجة، وقد أدرجت الحضارم في قوات درع الوطن من أجل جذب السكان المحليين مع إضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي.
خيارات الإمارات العربية المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي محدودة، مقارنة بالمملكة العربية السعودية، التي كانت حذرة وعُرضة للصراعات حتى الآن.
فمع انتشار المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الحضرمية، المدعومة من الإمارات، بالقرب من سيئون، ستحاول الإمارات الاحتفاظ بمجال نفوذها، لا سيما تحت ستار عمليات مكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار.
يمكن للإمارات، من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، استغلال أي حوادث تعرّض النظام للخطر للتصدي لعمليات نشر قوات درع الوطن المدعومة من السعودية.
قد يؤدي هذا إلى زيادة الاضطرابات المدنية. ومع ذلك، لن يسمح التشرذم لأي طرف بالسيطرة على حضرموت، الأمر الذي سيتطلب مواجهة واسعة النطاق.
ولهذا السبب هناك حاجة إلى إيجاد سبل لتجنب الاشتباك وفتح قنوات الاتصال لتجنّب الصراع.
فإذا وقع صدام مباشر بين قوات درع الوطن المدعومة من السعودية والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في وادي حضرموت، فإن المملكة العربية السعودية "يمكن أن تفسر ذلك على أنه هجوم مباشر ضدها"، كما اعتبره أحد الباحثين اليمنيين.
في الواقع، أشارت المملكة إلى أنها ستشن غارات جوية ضد مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت إذا حاولت التوسع في الوادي.
وستكون هذه الضربات مثلها مثل الضربات الجوية الإماراتية ضد القوات الحكومية عند نقطة تفتيش العلم شرق عدن، في أغسطس 2019، أو عند استهدافها للقوات المتحالفة مع الحكومة في شبوة في أغسطس 2022.
وهذا من شأنه أن يجبر «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وعلى نطاق أوسع، النخبة الموالية للإمارات في حضرموت، على إعادة النظر في تحالفاتهما، وقد يجبر المجلس الانتقالي الجنوبي على إعادة تقييم خططه التوسعية للمحافظة.
فبمرور الوقت، أدرك المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يجب عليه تجنب إلحاق ضرر كبير بعلاقته مع المملكة العربية السعودية؛ لأنها دولة مجاورة ذات نفوذ جيوسياسي كبير.
علاوة على ذلك، فقد يؤدي الصراع العسكري في حضرموت إلى تشويه صورة المجلس الانتقالي الجنوبي في نظر الحضرميين.
لذلك، سيكون من الحكمة أن يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي بدلا من ذلك على تجسير التقارب مع السعوديين والجماعات الحضرمية، التي تعارضه، ومراجعة نهجه بشأن الحوار مع الجماعات الأخرى في الجنوب.
وقدّر التحليل أن أي مواجهة مباشرة بين السعودية والإمارات وشركائهما المحليين سيكون لها تأثير كبير على استقرار الجنوب.
يمكن أن يؤدي تجزئة الحدود الداخلية للمحافظة إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية جراء الاستقطاب، مما يزيد من المشاكل الناجمة عن تعدد الحركات الاجتماعية، والعجز في تقديم الخدمات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ويرجع ذلك جزئيا إلى تراجع عائدات النفط؛ لأن الحرب الاقتصادية التي تشنها جماعة الحوثي منعت صادرات النفط.
ففي مثل هذه البيئة، من غير المرجَّح أن تلبِّي الحكومة اليمنية تطلعات الرأي العام في حضرموت من دون استئناف صادرات النفط، وإيجاد مساءلة وحكم رشيد قوي، ودعم إقليمي، لا سيما من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أما على المستوى الإقليمي، فإذا ضاعفت المملكة العربية السعودية جهودها لتحقيق أهدافها في حضرموت، فقد تتقلص مساحة الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي في مقاومة الإجراءات السعودية؛ نظرا للتكلفة السياسية المحتملة.
ففي حين استفادت الإمارات من حاجة الرياض إلى الحفاظ على سلامة التحالف، الذي تقوده السعودية، إلا أنها تعلم أنه إذا ألقت المملكة بثقلها الجيوسياسي خلف إعادة ترجيح توازن القوى المختل في حضرموت لصالحها، فسيتعين على الإمارات تقديم تنازلات ملموسة.
يجب على البلدين مواصلة المحادثات الدبلوماسية حول اليمن لتجاوز سياساتهما المتباينة، مع التركيز على تعزيز الأمن، وتجنب خطر الوضع المتقلب في حضرموت، وهو ما يمكن أن يصب في صالح تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مثلما فعل في عام 2015.
ومع ذلك، ونظرا لاختلاف الأدوار، التي يلعبها البلدان في اليمن، فإن الحد من مناقشاتهما على الخلافات حول حضرموت قد يمثل عجزا.
وقد تدرك المملكة العربية السعودية أن وجود الإمارات في حضرموت، بالإضافة إلى دورها في مكافحة الإرهاب، تحركه رغبتها في حماية حلفائها في جنوب اليمن، فضلا عن مصالحها التجارية في المحيط الهندي.
غير أنه بدلا من التنافس على أدوات نفوذ تخص بعضهما البعض، يجب على البلدين توسيع التعاون مع الحكومة اليمنية لتحسين الاستقرار في المناطق التي لا تخضع لسيطرة جماعة الحوثي.
إذ يجب عليهما أن يساعدا في تعزيز سلطة الحكومة، لا سيما من خلال المساعدة في تأمين المنشآت النفطية في محطة الضبة في حضرموت لدعم استئناف صادرات النفط.
ساهمت حقول النفط في المحافظة، حتى شهر أكتوبر 2022، بأكثر من نصف إنتاج الحكومة اليمنية بقدر يتراوح من 50,000 إلى 60,000 برميل يوميا من النفط الخام القابل للتصدير، وغطى الكثير من ميزانيتها.
ومن شأن هذه الخطوة أن تهدئ التوترات في حضرموت، وتسمح للحكومة بتحسين المنافع العامة، وسيطرتها على انقساماتها الحالية. إن عدم قيامهما بذلك يعني أن السعوديين والإماراتيين، بالرغم من خلافاتهم، يتفقون ضمنيا على الإبقاء على حكومة يمنية ضعيفة.