تقارير
انتعاش تأجير "الملاعب الرياضية" الخاصة في صنعاء
شهدت صنعاء ـ خلال السنوات الأخيرة ـ انتشاراً لافتاً لملاعب رياضية خاصة، يتم تأجيرها بحسب الزمن الذي يستغرقه لاعبو مباراة ما، خصوصاً الفِرق المكونة من طلاب بعض المدارس، أو أبناء الأحياء، وكذلك بعض موظفي الجهات الرسمية.
ويأتي انتعاش هذه الملاعب التجارية بعد تدمير مليشيا الحوثي المنشآت العامة، سعياً منها لتحويل النشاط الرياضي إلى مجال للاستثمار الخاص، مستغلةً بعض المساحات المملوكة للدولة، أو التي صادرتها من مُلاكها الأصليين عبر ما يسمى "الحارس القضائي"، التابع لها.
"نشوان الزنداني" -مسؤول النشاط الرياضي في مدارس الارتقاء الأهلية في صنعاء- يقول لموقع بلقيس: "هذه المساحة كانت فناء للطلاب، بعد ما صادرها الحارس القضائي مع المدارس، جهزت قبل عامين ملعب كرة قدم مقابل إيجار، الساعة بمبلغ محدد".
لكن بالمقابل تم حرمان فئات متعددة من الناس متعة الشغف بلعبة كرة القدم، كون هذه الملاعب الرياضية الخاصة أصبحت حكراً على الأفراد القادرين على دفع أجرة الملعب لقليل من الوقت، في الصباح أو المساء.
- إجراءات مختلفة
يسري العمل في هذه الملاعب التجارية، التي لم ترتقِ إلى مستويات التصنيف المناسبة والمعروفة، وفقاً لعدد من الإجراءات المحددة والخاصة بالمستثمرين، سواءً المالية أو الإدارية أو الزمنية.
ونظراً لصغر مساحات هذه الملاعب، فإن الفِرق الرياضية، المشتركة في اللعب، الفريق الواحد فيها يتكوّن من 5 أو 6 أو 8 لاعبين فقط، حيث يبلغ طول الملعب 36م، وعرضه 20م على أقل تقدير.
يقول الناشط الرياضي "إبراهيم سيف طربوش" لموقع بلقيس: "مساحات الملاعب ضيّقة، وأرضياتها مفروشة بعُشب صناعي، الفٍرق الرياضية خماسية أو سداسية أو ثمانية، هذا العمل كله استغلال لا يخدم النشاط الرياضي، ومتعة الكرة مفقودة هنا".
وتختلف أسعار إيجار الساعة الزمنية في هذه الملاعب بحسب الفترتين اليومية، التي تتوزّع خلال فترة النهار ابتداءً من 7ـ 9 صباحاً، ومن 4 عصراً ـ 6 مساءً، ثم فترة المساء من 7 ـ 12 ليلاً، حيث يبلغ سعر الساعة -خلال فترة النهار- 6000 ريال، بينما في المساء يصل سعرها 8000 ريال، (11ـ 15 دولارا أمريكيا، سعر الصرف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي).
الموظف "محمد الكوكباني" -أحد مرتادي ملعب نادي سام الترفيهي- يقول لموقع بلقيس: "أتشارك إيجار الملعب مع أصحابي، نلعب مرة في الأسبوع، لأنها مكلفة يوميا، ما معنا مكان نسير فيه، نحاول نستمتع بالكرة بس، الجماعة حرمونا من كل شيء مجاني".
- غياب الاهتمام
يعيش القطاع الرياضي، بكافة أنشطته المختلفة، في اليمن تراجعاً كبيراً، وصلت أغلبها حد التوقف، سواءً من ناحية الأداء أو في الجوانب الأخرى، كما تغيّبت جميع سلطات الأمر الواقع، عن القيام بمهامها الأساسية إزاء هذا القطاع الحيوي الهام.
يقول "عبد السلام الصلوي" - أحد موظفي صندوق النشء والشباب في صنعاء- لموقع بلقيس: "النشاط الرياضي هنا يتجه نحو الاستثمار لصالح أشخاص، لا اهتمام ولا متابعة ولا أي أنشطة أقيمت، هذا الفراغ دفع بالشباب للانخراط في القتال، وشجّع النافذين على الاستغلال وإنشاء ملاعب بالإيجار".
وبدلاً من توفير الدعم والاهتمام بطاقة الشباب والعمل على تنميتها واكتشاف مواهبهم، لجأت أطراف النزاع إلى استقطاب الشباب والأطفال، وتجنيدهم في صفوف مقاتليها بجبهات الحرب، حيث لا قدرة مالية لغالبية الشباب من أجل دفع المبالغ المطلوبة في تلك الملاعب الخاصة كرسوم للاشتراك في اللعب.
- حضور لافت
تعد أوقات هذه الملاعب التجارية مزدحمة بجداول المباريات لفِرق رياضية مختلفة، من بعض المدارس أو الحارات، وتحظى بإقبال كبير من اللاعبين من فئات عمرية متعددة، حيث شهدت ازدهاراً لافتاً في ظل خروج معظم المرافق الرياضية الرسمية عن الجاهزية، نتيجة الإهمال المتعمد والمدروس لتدمير الأنشطة ومنشآتها.
يؤكد "عبد الله القدمي" -المشرف المباشر على ملاعب مدينة سام الرياضية في صنعاء- خلال حديثه لموقع بلقيس: "أكثر الأوقات الملعب محجوز، تأتي إلينا فِرق رياضية مدرسية، وفِرق من الحواري، نوفّر لهم الزي والكرة وصافرة الحكم".
شجّعت حالة الانهيار المريع، التي يواجهها قطاع الرياضة، على الدفع بمستثمرين، موالين لمليشيا الحوثي، إلى إنشاء ملاعب خاصة، تفتقر إلى أبسط معايير التصنيف المعروفة، باعتبار تلك المساحات المنهوبة والمصادرة مجالاً خصباً للثراء دون خسائر.