تقارير

بعد قرون من ترديد المثل "لا أحد يموت من الجوع".. كيف أصبح الجوع واحدًا من أسباب الموت في اليمن؟

24/06/2025, 11:48:11

وفقًا لأرقام منظمات أممية، فإن 5 ملايين إنسان في مرحلة انعدام أمن غذائي حاد، بينهم مليون ونصف في حالة طوارئ، و420 ألفًا إضافيين مهددون، خلال الأشهر القادمة، بالدخول إلى الدائرة نفسها.

هذا التدهور المريع لا يتعلق بمناطق نزاع ملتهبة، بل بمحافظات يُفترض أنها تحت سلطة دولة قائمة، ومع تجاوز سعر الصرف حاجز 2700 ريال للدولار، وغياب أي شبكة حماية اجتماعية، يتحول الغذاء من حق أساسي إلى مطلب صعب المنال.

وفيما تتزايد معدلات سوء التغذية الحاد، تنهار الخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي تباعًا، ويفقد الناس القدرة على الصمود الذاتي. 

فالأجهزة القائمة بلا أدوات، والسياسات الاقتصادية غائبة، والسلطة تتابع ما يحدث من موقع الحجز.

لا معنى للحديث عن المجاعة دون مساءلة النظام، الذي يُفترض أن يحول دونها.

الموت من الجوع

يقول الباحث في الشؤون الإنسانية والاقتصادية، د. إيهاب القرشي: "إن هناك مثلًا يُقال أو يُخدّر به الناس، وهو أن لا أحد يموت من الجوع، وفي اليمن هناك من يموت من الجوع، بل وكل أربع ساعات تموت امرأة، وكل دقيقة يموت طفل".

وأضاف: "الكارثة الأكبر أن من يبقون على قيد الحياة، يبقون جوعى يتألمون ويشكون من هذه المأساة، التي لا أحد يكترث لها، وهذه الكارثة لا تأبه بها المنظمات الأممية، ولا الدولية، ولا أيضًا المجتمع الدولي، نتيجة العجز القائم في أداء الحكومة الشرعية في إظهار هذا الوضع الحقيقي".

وتابع: "في اليمن، الأمن الغذائي شبه مدمر، شبه منتهٍ، فالزراعة في أدنى مستوياتها، واستيراد المواد الغذائية في أصعب الظروف الممكنة، والموانئ لا تستقبل البواخر المخصصة لحمولة القمح والمواد الغذائية الرئيسية".

وأردف: "نحن دائمًا نتحدث عن تزايد عدد الحالات التي تعاني من المرحلة الخامسة في مستوى الأمن الغذائي، في المديريات، وهو مستوى المجاعة، التي زادت في أكثر من 130 مديرية على مستوى اليمن".

وزاد: "الوضع في اليمن مزرٍ، والحكومة الشرعية ليس لها وجود على أرض الواقع، إلا في شاشات الإعلام أو في وسائل التواصل. حتى في شاشات الإعلام لم يعد لهم وجود".

وقال: "كنت أحدثكم من الرياض قبل أيام، واليوم أحدثكم من اليمن، من الواقع الحقيقي، الذي لا يشعر فيه المواطن بأن هناك حكومة أو سلطات محلية أو شرعية تدير البلد أو تنأى بمصالحه، وهذا الأمر كارثة حقيقية".

وأضاف: "عندما يتأزم الوضع النفسي والإيماني بمن يدير الدولة، لا يمكن أن تُرجى الحقوق أو الامتيازات أو الخدمات، خاصة مع تدني هذه الخدمات، كالكهرباء والمياه، والمستوى الصحي المتدني، الذي أصبح الآن أكثر من 80% من القطاع الصحي متوقفًا في اليمن".

غياب التنظيم

يقول مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة، المنسق العام للجنة العليا للإغاثة، جمال بلفقيه: "عندما نتحدث عن الوضع الإنساني المتردي الآن، فهو لم يصل إلى هذه اللحظة، إلا بعد ما سبقتها أحداث متتالية ومستمرة منذ 2015 وحتى اليوم".

وأضاف: "التقارير الأممية موجودة منذ 2015، إلى الآن نفس التقارير، ونفس الآليات، ونفس الأسلوب الذي يتحدثون فيه عن الأزمة الإنسانية الحاصلة في اليمن، والتي هي ليست أسوأ أزمة إنسانية فقط، بل وأسوأ استجابة إنسانية".

وتابع: "هناك ضعف في العمل الإنساني والإغاثي خلال الفترة الماضية، وهناك الكثير من التحديات وكثير من الإخفاقات، بسبب عدم تنظيم العمل الإنساني والإغاثي، ولعدم وجود هذه المنظمات في المناطق المحررة، التي من خلالها مكن أن نعرف ما هي الاحتياجات الحقيقية".

وأردف: "التسويق للقضية الإنسانية في اليمن لم يكن بالطريقة الصحيحة، فاليمن تحتاج أكثر من المبالغ المالية". 

وزاد: "المليارات، التي يتكلمون عنها، تحتاج إلى أكثر من 60 مليار دولار، وكان يُفترض خلال الفترات الماضية، في الستة الأشهر الأولى، أن يبدأوا في بناء المؤسسات".

وزاد: "المبالغ المالية الكبيرة لم تستفد منها اليمن بشكل عام، بحيث إن المانحين يستطيعون أن يقدموا أكثر، لذا عزف المانحون بسبب عدم وجود تقدم في عملية الدعم الإنساني بشكل كبير".

أزمة إنسانية حقيقية

يقول المسؤول الإعلامي في مكتب الصحة بمحافظة مأرب، زياد الراعي: "إن الأمن الغذائي يرتبط ارتباطًا كليًا بحياة الناس، طالما هناك ضعف أو نقص في الإمداد الغذائي، سيكون الناس عرضة للأمراض، وخاصة أننا نتحدث في الجانب الصحي حول الأمراض والأوبئة، ومنها مرض الكوليرا، هذا المرض الفتاك الذي يفتك بكثير من الناس في كثير من محافظات الجمهورية".

وأضاف: "سجلت اليمن أكثر من 18286 حالة إصابة بالكوليرا منذ مطلع يناير 2025، منها عشر حالات وفاة".

وأوضح: "هذه الحالات، وهذا الازدياد المتسارع لعدد الحالات، نتيجة ضعف الإمكانات، وكذلك نتيجة انسحاب كثير من المنظمات".

وتابع: "اليمن الآن يواجه أزمة إنسانية حقيقية، بكل ما تعنيه الكلمة، سواء كان في الجانب الصحي، أو في جانب الغذاء، أو في جانب المأوى، في كل الجوانب". 

واستطرد: "بعدما ذهبت تلك المنظمات، وخاصة المنظمات الدولية المعروفة، أصبح الوضع كارثيًا ومأساويًا".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.