تقارير

تاريخ من الفشل.. السعودية تحفر قبرها بيدها في اليمن

24/02/2021, 18:23:32

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

في منتصف ديسمبر 2015، وصلت قوات الجيش الوطني إلى مشارف العاصمة صنعاء، بعد سيطرتها على معسكر "ماس" الإستراتيجي والتقدم في جبال مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء. وفي فبراير 2021، تهاجم مليشيات الحوثيين قوات الجيش الوطني في أسوار محافظة مأرب وتسميت لأجل التقدم والسيطرة على المحافظة التي تعد آخر معاقل السلطة اليمنية الشرعية. 

ما بين هذين التاريخين حكاية طويلة من فشل الإستراتيجية السعودية في اليمن، بدأت بإيقاف معركة التحرير والقضاء على الانقلاب عند خطوط جغرافية معينة، وانتهت بفشل إستراتيجي بدت معه المليشيات الطائفية التابعة لإيران تطوق السعودية من عدة جهات، بعد أن كان لها الدور الكبير في تسليم العراق ولبنان وسوريا لإيران، وتكاد تلحق اليمن بها، ومع ذلك ما زالت تصر على زعامة الدول المسلمة السنية ضد إيران الشيعية.

- تاريخ من الفشل

ما يحدث في اليمن منذ العام 2015 كله نتاج الإستراتيجية السعودية الفاشلة في اليمن، فبالرغم من أنها هي الأكثر نفوذا وتأثيرا في البلاد، منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة في عام 1902، وتحشر نفسها في كل الشؤون اليمنية الداخلية، لكنه لم يسبق لها أن نجحت في حسم أي ملف يمني داخلي حسب السياسات التي تتبناها، سواء كان لمصلحة اليمن أو نقيض ذلك.

بدأ سجل الفشل السعودي في اليمن منذ فشلها في دعمها للملكيين الإماميين ضد الجمهوريين بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وبعد ذلك فشلت في منع إعادة تحقيق الوطنية قبل إعلانها في 22 مايو 1990، ثم فشلت في دعم مشروع الانفصال عام 1994، وأيضا فشلت في وأد ثورة 11 فبراير 2011، وأخيرا فشلت في دعم السلطة اليمنية الشرعية ضد مليشيات الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن، والشيء الوحيد الذي نجحت فيه هو المؤامرات التي تحيكها لتمزيق وتدمير اليمن، وهذا ما كان له أن يحدث لولا ارتهان النخب اليمنية للسياسة السعودية في اليمن والتواطؤ مع مخططاتها لتدمير البلاد.

- السعودية وتقزيم الذات

في بدء الحرب على الانقلاب، حقق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية انتصارات نوعية، تكللت بتحرير عدد من المدن والمواقع العسكرية، من أهمها العاصمة المؤقتة عدن وتعز والضالع وشبوة وقاعدة العند في لحج وغيرها، ولا أحد ينكر دور التحالف العربي حينذاك، الذي تمكن من تدمير ترسانة ضخمة من الأسلحة كانت ستستخدم آنذاك لصالح انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح على السلطة الشرعية والإرادة الشعبية.

وحينها كان الالتفاف الشعبي حول السلطة الشرعية ورفض الانقلاب على أشده، ولم يكن يوجد مليشيات وتشكيلات مسلحة مناهضة للدولة سوى مليشيات الحوثيين، التي لم تكن حينها قد ورثت إمكانيات الدولة التي سلمها إياها الرئيس صالح تباعا في ما بعد.

ولو أن المعركة ضد الانقلاب استمرت على نفس الوتيرة التي بدأت بها، لكان قد تم قطع يد إيران في اليمن، ووأد مشروع الانقلاب السلالي الطائفي في مهده، وعادت السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء. وبالنسبة للسعودية، فإنها ستكون قد خففت من خسائرها الناجمة عن استمرار الحرب، وستتجنب الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي تشنها عليها مليشيات الحوثيين من حين لآخر وازدادت خلال الأشهر الأخيرة، وكانت السعودية ستكتسب أهمية عسكرية متزايدة، وسيزداد نفوذها الإقليمي باعتبارها دولة مؤثرة عسكريا، وكانت إيران ومليشياتها في أكثر من بلد عربي ستحسب لها ألف حساب.

غير أن ما حدث كان عكس ذلك تماما، وبسبب فشلها وضعت السعودية نفسها في موقف حرج، وقزمت نفسها أمام إيران ومليشياتها، وتحولت إلى أضحوكة في الإعلام الغربي الذي يسخر من فشلها أمام جماعة صغيرة مسلحة مثل جماعة الحوثي، في وقت تزعم فيه مواجهة إيران ونفوذها في المنطقة العربية.

صحيح أن مؤامرات السعودية لإضعاف اليمن أعمت بصيرتها وجعلتها تتخبط في الحرب منذ ست سنوات، ولا تفرق بين ما يضرها وما ينفعها، لكن ذلك يأتي أيضا في سياق الإستراتيجية السعودية الفاشلة في إدارة علاقاتها مع جيرانها وفي تعاملها مع مختلف أزمات المنطقة ومخاوفها المزمنة من مراكز النفوذ العربية التي ترى فيها تهديدا وجوديا لها أكثر من مخاوفها من التهديد الحقيقي القادم من إيران، ويتمثل ذلك في تآمرها مع الغرب ضد مصر (عبدالناصر) وضد العراق في عهد صدام حسين ومؤامرتها لتمزيق وإضعاف جارتها الجنوبية اليمن.

ونتيجة كل ذلك أن السعودية أصبحت محاطة بتخوم رخوة، خصوصا بعد انهيار نظام صدام حسين في العراق الذي كان حارس البوابة الشرقية للعالم العربي وحائطا صلبا ومنيعا أمام أحلام عودة الإمبراطورية الفارسية ونشر الثورة الخمينية، كما يعمل ملالي طهران على تمزيق العالم العربي من خلال التعصب لسلالة عربية وليست فارسية (سلالة الهاشميين)، والتعصب لمذهب أصله عربي وليس له علاقة بالفرس (المذهب الشيعي).

- أكذوبة الضغوط الدولية

بدأت السعودية، ومعها حليفتها دولة الإمارات، بتقييد السلطة اليمنية الشرعية، من خلال اختلاق أوضاع أمنية مخيفة في المحافظات المحررة، خصوصا العاصمة المؤقتة عدن، لإجبار الحكومة اليمنية على البقاء خارج البلاد، ووفرت لها السعودية وسائل الإقامة المريحة والرواتب الضخمة كأفضل وسيلة لتخديرها وإلهائها عن معركة القضاء على الانقلاب.

وفي نفس الوقت، فرضت الدولتان سيطرتهما على موانئ ومطارات البلاد وثرواتها السيادية وعطلتا كل وسائل استمرار الدولة وأفرغت المؤسسات الحكومية من مضمونها، وأصبحتا هما المتحكم الرئيسي بشؤون المعركة والجيش وتسليحه والرواتب والتغذية، ليبقى كل شيء رهينة سيطرتهما ونفوذهما، لدرجة أنهما منعتا الحكومة الشرعية من شراء أسلحة نوعية أو إدارة ملف الحرب، وهما من تحددان متى يبدأ الجيش معركة في جبهة ما ومتى يوقفها، والبقاء في حالة الدفاع وليس الهجوم إلا نادرا.

وإذا حاول الجيش الوطني التقدم في جبهة ما وحقق انتصارات ضد الحوثيين، تعترض السعودية والإمارات على ذلك، ويتم إيقاف الجيش عند حده من خلال ما تسميها الدولتان "غارات خاطئة" بدأت منذ قصف اجتماع لقادة كبار في الجيش الوطني بمعسكر العبر في حضرموت، وانتهت بغارات أوقفت تقدم الجيش في جبهات صرواح بمأرب ونهم في صنعاء، وتعرضت المقاومة الشعبية لهجمات عنيفة عندما طردت الحوثيين من مدينة الجوف في الأشهر الأولى من الحرب، وكل تلك الغارات التي أوقفت تقدم الجيش نحو العاصمة صنعاء أُطلق عليها "غارات خاطئة".

وبالتوازي مع ذلك، بدأ التحالف السعودي الإماراتي التمويه على نواياه بإيقاف المعركة ضد الانقلاب، بالزعم أن الضغوط الدولية هي التي تحول دون ذلك، وهي ضغوط لم نسمع بها من قبل حكومات أجنبية، ولا يُعقل أن الدول الكبرى في العالم ستلطخ سمعتها بتخليها عن الأعراف السياسية والقانون الدولي الذي يُجرم الانقلابات العسكريات على الحكومات الشرعية أو المنتخبة من أجل مليشيات طائفية تشكل تهديدا لطريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب. 

والحقيقة هي أن إيقاف معركة القضاء على الانقلاب الحوثي الهدف منها إبقاء الحوثيين كمبرر لاستمرار التدخل في البلاد، والعمل على وإضعافها وتمزيقها، وتعميق الخلافات بين مكوماتها السياسية والاجتماعية، وتعطيل مواردها وموانئها ومطاراتها، ومحاولة السيطرة على بعض جزرها والمدن والموانئ الحيوية فيها، وإعادتها عقود كثيرة إلى الوراء، وجعلها في حالة من الضعف الدائم الذي يبقيها عالة على جيرانها وعلى المجتمع الدولي، وغير قادرة على النهوض والحركة.

- السعودية تحفر قبرها بيدها

المتأمل في الأداء السعودي في اليمن منذ بدء عملية "عاصفة الحزم"، سيجد أنها تواصل حفر قبرها بيدها، ذلك أن تعمد إضعاف اليمن ليس في مصلحتها، خصوصا بعد تنامي النفوذ الإيراني في البلاد، وتعيين طهران حاكم عسكري في صنعاء (حسن إيرلو) يحمل صفة "سفير".

يُمثل اليمن المحطة الأخيرة في الإستراتيجية الإيرانية لتقويض استقرار السعودية والدول العربية السنية بشكل عام، بعد أن تمكنت من فرض هيمنتها على العراق ولبنان وسوريا، واستثمار بعض الأزمات الهامشية لتحييد دول تحيط بالسعودية، مثل سلطنة عمان وقطر والكويت، إضافة إلى تراجع الدور المصري في الإقليم، وسعي السعودية إلى أن تكون كقائد للعالم الإسلامي في مواجهة المخطط الإيراني التدميري لدول المنطقة، وتحويل الأقليات الشيعية إلى مليشيات مسلحة عنيفة تأتمر بأوامر المرشد الأعلى في طهران.

ولذا، فإن جعل اليمن في حالة من الضعف، يعني تركه لقمة سائغة بيد إيران، ويعني ذلك بداية النجاح للمشروع الإيراني التخريبي والتوسعي في آن واحد، وإذا نجح في اليمن، فإن الهدف التالي هو السعودية، التي تطوقها المليشيات التابعة لإيران من عدة جهات، وبدأت مؤشرات ذلك بتكثيف مليشيات الحوثيين هجماتها على السعودية بالصواريخ البالستية من جهة الجنوب، ومن جهة الشمال بدأت مليشيات الحشد الشعبي في العراق بشراء أراضٍ والاستيطان في حدود العراق مع السعودية، فهل تصحو السعودية أم ستواصل حفر قبرها بيدها؟

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.