تقارير

تدليل الطائفية.. لماذا يتجاهل المجتمع الدولي انتهاكات الحوثيين ضد المدنيين؟

22/10/2021, 07:49:04

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

بعد كل جريمة حرب ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المدنيين، مثل القصف المتكرر على الأحياء السكنية بمحافظة مأرب بالصواريخ الباليستية وغيرها، تتجه الأنظار نحو موقف المجتمع الدولي إزاء تلك الجرائم، وما إذا كان سيتخذ مواقف جادة تمنع تكرارها، خصوصا أن معظم السكان بمحافظة مأرب هم من النازحين من مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، هربا من انتهاكاتها بحق المدنيين، ومع ذلك تواصل المليشيا تهديد حياتهم وهم في مخيمات وأماكن النزوح المكتظة بالأطفال والنساء، في مخالفة للأعراف والقوانين الدولية والتجرد من كل القيم الإنسانية.

لكن مواقف المجتمع الدولي إزاء جرائم الحرب التي ترتكبها المليشيا الحوثية ضد المدنيين تبدو باهتة، ولا ترقى إلى مستوى الحدث، آخرها ما حصل من انتهاكات مروعة بحق المدنيين في مديرية العبدية التابعة لمحافظة مأرب بعد سيطرة المليشيا عليها، وتكرار استهداف مدينة مأرب ومناطق أخرى بالمحافظة بالصواريخ الباليستية، وقصف الأحياء السكنية في مدينة تعز بالمدفعية من حين لآخر.

يضاف إلى ذلك انتهاكات مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها ضد النساء وتعذيبهن في السجون، واختطاف الأطفال من المدارس والطرقات لتجنيدهم والدفع بهم إلى جبهات القتال، والتضييق على المواطنين والتدخل في أدق خصوصياتهم، فضلا عن الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب في السجون وأحكام الإعدام وغير ذلك من الانتهاكات. وتكشف تقارير حقوقية محلية وأجنبية أرقاما مهولة عن الانتهاكات وجرائم الحرب التي ترتكبها المليشيا الحوثية في مناطق سيطرتها وفي مناطق المواجهات العسكرية.

- ازدواج المعايير

لا تأتي مواقف المجتمع الدولي المداهِن لانتهاكات مليشيا الحوثي بحق المدنيين العُزٍل من فراغ، كما أن تلك المواقف لا تعني أن المجتمع الدولي -بدوله الكبرى الفاعلة والمنظمات التابعة للأمم المتحدة وفي مقدمتها مجلس الأمن- عاجز عن وضع حد لتلك الانتهاكات أو لا يمتلك أدوات الردع لمنع المليشيا من تكرارها، ولكن تعكس تلك المواقف المداهِنة توجهات عامة للدول الكبرى إزاء الجماعات والمليشيات الطائفية العنيفة في اليمن وغيرها من دول المشرق العربي التي تتواجد فيها تلك المليشيات، مثل العراق ولبنان وسوريا.

لكن تلك المواقف المداهِنة لجرائم المليشيا الطائفية الموالية لإيران لا تتكرر إزاء الانتهاكات التي ترتكبها جماعات أخرى ليست طائفية وغير موالية لإيران، بل فالمجتمع الدولي، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية، يشهر عصا الاتهام بالإرهاب إزاء كل منظمة أو جماعة ليست طائفية وغير موالية لإيران، باستثناء المليشيا الشيعية التي تهدد أمن إسرائيل أو المصالح الأمريكية في المنطقة، حتى وإن كان ذلك التهديد محدودا.

في عام 2014، وبالتزامن مع تمدد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وسيطرته على المدينة تلو الأخرى في كلا البلدين، وارتكابه الانتهاكات والعنف ضد المدنيين في كل مدينة يصل إليها، كانت مليشيا الحوثي هي الأخرى تواصل تمددها في اليمن، وسيطرت على محافظتي صعدة وعمران وأجزاء من محافظة حجة، وتتقدم نحو العاصمة صنعاء، التي حاصرتها من جميع مداخلها، قبل السيطرة عليها، وواصلت تقدمها نحو محافظات عدة، وارتكبت -وما تزال- أبشع الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

كما تسببت المليشيا الحوثية بإشعال حرب أهلية هي الأسوأ في تاريخ اليمن، وتسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وتسببت أيضا بأسوأ تدخل عسكري أجنبي في البلاد، وشملت جرائمها القتل والاختطاف والتعذيب في السجون وتفجير المنازل والمساجد ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وإحراق المزارع ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتلغيم البيوت التي غادرها ملاكها هربا من جحيم المعارك، وبدت مليشيا الحوثي في اليمن نسخة بشعة من تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، بل فقد فاقت "داعش" في كثير من الأحيان في عدد ونوعية الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها ضد المدنيين في مناطق سيطرتها وفي مناطق المواجهات العسكرية.

ورغم تزامن توسع وتمدد تنظيم "داعش" ومليشيا الحوثي، وتشابه جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الطرفان، إلا أن موقف المجتمع الدولي لم يكن موحدا إزاء الطرفين وجرائمهما بحق المدنيين، ففي حين صنفت الدول الكبرى تنظيم "داعش" منظمة إرهابية وشكلت تحالفا دوليا للحرب عليه، فإنها تغاضت عن تمدد مليشيا الحوثي وجرائمها المشابهة لجرائم "داعش" التي ارتكبتها ضد المواطنين الأبرياء والعُزّل.

ويتضح ازدواج المعايير أكثر، عندما صنفت الدول الكبرى جميع الفصائل السُّنية التي حاربت في سوريا ضد نظام بشار الأسد "منظمات إرهابية"، وبالمقابل لم تصنف أي جماعة أو مليشيا شيعية حاربت إلى جانب جيش الأسد، رغم أن جيش الأسد والمليشيات الشيعية التي قدمت للقتال إلى جانبه من بلدان عدة، ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات مروعة ضد المدنيين، بينما الفصائل السُّنية لم ترتكب أي جرائم ضد المدنيين، وكان نشاطها يقتصر على خوض المعارك ضد جيش نظام الأسد وضد المليشيا الشيعية التي تقاتل إلى جانبه، وكانت قد قدمت من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها.

- تدليل المليشيا الطائفية

كشفت الأحداث التي شهدتها اليمن وسوريا والعراق، منذ العام 2014 وحتى اليوم، أن الدول الكبرى والمنظمات الأممية تدلل المليشيا الطائفية الموالية لإيران والتي تثير الصراعات والحروب وتمارس العنف الطائفي، ولا تصنف أيًّا منها على قائمة الإرهاب إلا إذا بدا أنها تهدد إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة، حتى وإن كان ذلك التهديد محدودا أو لفظيا، وفي حالات محدودة فقط، في حين بدت مليشيا الحوثي استثناء، فرغم أنها ترفع شعار "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل"، لكن الولايات المتحدة رفضت مطالب الحكومة اليمنية، منذ حروب صعدة الست، بتصنيف "الحوثيين" منظمة إرهابية، حيث ترى واشنطن أن شعار الحوثيين "الموت لأمريكا وإسرائيل" للاستهلاك الإعلامي فقط، وفق تصريحات سابقة لدبلوماسيين أمريكيين، بينهم سفير واشنطن السابق لدى اليمن جيرالد فيرستاين.

وحتى عندما صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مليشيا الحوثي منظمة إرهابية، في يناير الماضي، فسرعان ما ألغت إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، ذلك التصنيف، وجعل ذلك الإلغاء مليشيا الحوثي تسابق الزمن لتحقيق مكاسب ميدانية خشية من إعادته مجددا، وبدأت منذ ذلك الحين بشن أعنف هجوم على محافظة مأرب في محاولة للسيطرة عليها، كونها مركز الثقل للحكومة الشرعية ومعقلها الرئيسي في شمال البلاد.

لم تكتفِ الدول الكبرى بعدم تجاهل مطالب الحكومة اليمنية بتصنيف مليشيا الحوثي منظمة إرهابية، وغض الطرف عن انتهاكات المليشا، ولكن كادت أن تعمم مواقفها في سوريا على اليمن، وذلك عندما أدرجت الإدارة الأمريكية اثنين من قادة المقاومة الشعبية في اليمن ضد الانقلاب الحوثي ضمن قائمة الإرهاب، في مايو 2016، أحدهما (نايف القيسي) كان قد عيّنه الرئيس عبد ربه منصور هادي محافظا لمحافظة البيضاء، وعُرِف بنشاطه ضمن المقاومة الشعبية المساندة للسلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي، والآخر (غالب عبد الله الزائدي)، قيادي في المقاومة الشعبية بمأرب.

وسبق ذلك أنه بعد سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء والتمدد في محافظات أخرى، قال مسؤول أمريكي إن حكومة بلاده ستتعاون مع الحوثيين في مكافحة الإرهاب، وحدث أن هاجمت طائرات أمريكية بدون طيار مواقع للمقاومة الشعبية في محافظة البيضاء، في الشهور الأولى من الحرب، بذريعة أنها مواقع لتنظيم القاعدة، رغم علم الإدارة الأمريكية بطبيعة المعارك في البيضاء، وعدم تواجد تنظيم القاعدة في مسرح العمليات العسكرية هناك.

الخلاصة، تحرص الدول الكبرى على بقاء المليشيا الطائفية الموالية لإيران فاعلة في المشهدين السياسي والعسكري في البلدان العربية التي تتواجد فيها، وعدم تصنيفها منظمات إرهابية والقضاء عليها، لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، أقلها الضغط على الحكومات الحليفة وابتزازها، وجعل المنطقة في حالة توتر وأزمات مزمنة و"فوضى خلاقة" تعيقها عن النهوض، وتعمق الانقسامات البينية، لتبقى إسرائيل قوة مسيطرة وبلا منافس حقيقي، بالإضافة إلى استخدامها -أي المليشيات الطائفية- كذريعة لاستمرار التواجد العسكري للدول الكبرى في المنطقة بهدف حماية الحلفاء من المخاطر الأمنية التي تشكلها تلك المليشيات وداعمها الرئيسي إيران.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.