تقارير

تصاعد التوتر في اليمن.. هل اقتربت المواجهة الشاملة؟

15/03/2025, 12:44:54
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

عاد التوتر والتصعيد مجددا في اليمن حاملا نذر مواجهات عسكرية شاملة بالرغم من محاولات التهدئة، لكن هذه المرة تتداخل الأحداث بشكل غير مسبوق، فمليشيا الحوثيين تصعد عسكريا في جبهات الداخل وتهدد باستئناف هجماتها في البحر الأحمر بعد دخول قرار واشنطن تصنيفها منظمة إرهابية حيز التنفيذ، في حين تبدي الحكومة اليمنية الشرعية حرصها على الحل السياسي واستعدادها للحرب إذا فُرضت عليها، بينما قوى إقليمية ودولية تسعى لاحتواء الأزمة ومنع انزلاقها نحو مواجهة شاملة تهدد أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب وتزيد من المأساة الإنسانية في اليمن.

- ساحة مرشحة للانفجار

يبدو المشهد اليمني اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، إذ يتقاطع التصعيد العسكري مع التحركات الدبلوماسية، وتتشابك مصالح الأطراف الإقليمية والدولية في ساحة مرشحة للانفجار. ففي حين تشدد الولايات المتحدة الخناق على مليشيا الحوثيين من خلال إجراءات تدريجية بعد تصنيفها منظمة إرهابية أجنبية وتستعرض القوة لردعها، فإن السعودية ما زالت تشدد على الحل السياسي في اليمن، بينما يرى الحوثيون في التصعيد العسكري وسيلة لتثبيت نفوذهم السياسي والعسكري، على أمل أن يمكنهم ذلك من فرض شروطهم في أي مفاوضات مستقبلية.

وتتزايد احتمالات اندلاع الحرب مجددا وسط تعبئة عسكرية لمليشيا الحوثيين اشتدت وتيرتها بعد تصنيفها منظمة إرهابية، وترى المليشيا في الحرب وسيلة للبقاء سياسيا وعسكريا، لا سيما أنها باتت اليوم الوكيل الوحيد لإيران في المنطقة بعد تراجع نفوذ طهران ووكلائها الآخرين، لكن مليشيا الحوثيين تتمتع بوضع خاص من بين بقية وكلاء إيران، بفضل المصالحة السعودية الإيرانية، وأيضا تقاربها، أي مليشيا الحوثيين، مع السعودية بعد حوارات مكثفة برعاية سلطنة عمان، بمعنى أن مليشيا الحوثيين تستمد بقاءها من السياسة السعودية في اليمن بشكل لا يقل أهمية عن اعتمادها على الدعم الإيراني كوسيلة للبقاء.

- قراءة في التطورات الأخيرة

قبل أيام، عادت حاملة الطائرات الأمريكية "هاري ترومان" إلى البحر الأحمر، مع السفن والقوات التابعة لها، في خطوة يبدو أنها تتعلق بتصاعد تهديدات مليشيا الحوثيين، وتعكس هذه العودة رغبة الولايات المتحدة في تعزيز وجودها العسكري لردع أي هجمات محتملة على الملاحة البحرية، خصوصا بعد تهديدات الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية.

ومن خلال هذه العودة، ترسل الولايات المتحدة رسالة واضحة للحوثيين وإيران، مفادها أن واشنطن لن تتهاون في حماية المصالح الدولية في المنطقة، كما تعكس هذه الخطوة دعما غير مباشر لإسرائيل في ظل التهديدات الحوثية باستهداف السفن الإسرائيلية. ومع وجود حاملة الطائرات الأمريكية، يزداد احتمال تنفيذ واشنطن هجمات عنيفة على مواقع للحوثيين إذا نفذوا تهديداتهم.

وبما أن الولايات المتحدة أعلنت حظر استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة اعتبارا من بداية أبريل المقبل، وما قد يتبع ذلك من إجراءات أخرى ستجفف منابع تمويل الحوثيين لعملياتهم العسكرية، فمن المتوقع أن يقابل الحوثيون ذلك بتهديد ناقلات النفط في البحر الأحمر، وربما التهديد باستهداف المنشآت النفطية السعودية، كنوع من الضغط والابتزاز، على أمل أن يدفع ذلك السعودية للتأثير على الإجراءات الأمريكية ضد الحوثيين والتراجع عنها، لا سيما فيما يتعلق بحظر استيراد النفط عبر ميناء الحديدة.

وفي 11 مارس الجاري، ناقش ولي العهد السعودي (الحاكم الفعلي للمملكة)، محمد بن سلمان، مع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر وضمان استقرار المنطقة، وهو لقاء لافت نظرا لتباين مواقف الرياض وواشنطن من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، لكنه يعكس تقارب الرؤى بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن ضرورة التصدي لأي تهديد يطال أمن البحر الأحمر وغيره من الممرات البحرية الدولية، كما يعكس هذا اللقاء رغبة الرياض في توحيد الجهود مع واشنطن لردع الحوثيين وضمان استقرار المنطقة في حال عاود الحوثيون التصعيد عسكريا في اليمن وهددوا السعودية.

وبالتزامن مع لقاء محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي، أعربت مصر عن قلقها البالغ حيال التوتر المتزايد مؤخرا، معتبرة أن أمن البحر الأحمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل الأزمة اليمنية وإنهاء التدخلات الإقليمية التي تؤجج الصراع، وأن استقرار البحر الأحمر يتطلب تعاونا دوليا وإقليميا مكثفا، وأكدت على أهمية تفعيل مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، باعتباره إطارا إقليميا ضروريا لتعزيز التعاون والتنسيق بين الدول المشاطئة.

ويعكس هذا الموقف خشية القاهرة من أن يؤثر أي تصعيد جديد على المصالح المصرية في البحر الأحمر وقناة السويس، بعد أن تكبدت خسائر فادحة خلال الأشهر الماضية جراء تراجع عائدات قناة السويس.

بدورها، جددت الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، في 12 مارس الجاري، رفضها لأي تصعيد عسكري، داعية إلى استئناف التسوية السياسية، ويعكس هذا الموقف خشية المجتمع الدولي من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة.

موقف الدول الخمس جاء بعد يوم واحد من تعهد واشنطن بإنهاء قدرات الحوثيين وهجماتهم البحرية، حيث قالت الخارجية الأمريكية في بيان، يوم 11 مارس الجاري، إن تصنيف واشنطن للحوثيين منظمة إرهابية يعكس التزام أمريكا الراسخ بالقضاء على قدرات الحوثيين وعملياتهم وإنهاء هجماتهم في البحر الأحمر.

هذا الموقف الأمريكي الحاد من مليشيا الحوثيين يأتي في سياق السياسة الخارجية لإدارة ترامب المتشددة تجاه إيران ومليشياتها في المنطقة، مع أن استئناف الحرب في اليمن يبدو خيارا غير مرحب به إقليميا ودوليا بسبب تداعياته الكارثية على اليمن والمنطقة. ومع ذلك، فإن الجمود السياسي الراهن يهدد بإبقاء الأزمة مفتوحة على جميع الاحتمالات، وفي مقدمتها الخيار العسكري.

أما مليشيا الحوثيين، فقد هددت بأنها ستشعل الحرب في الداخل للسيطرة على جميع الأراضي اليمنية ردا على قرار تصنيفها منظمة إرهابية، وبدأت بتصعيد هجماتها في جبهات مأرب وتعز والجوف وغيرها، وهددت باستئناف حظر عبور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بعد انتهاء المهلة لإدخال المساعدات إلى غزة في فلسطين.

وفي الوقت ذاته، ناقشت حكومة الحوثيين، غير المعترف بها دوليا، استئناف العمليات العسكرية ضد إسرائيل، وهذه الخطوات لا تعكس قوة المليشيا على المسرح الإقليمي، وإنما لاعتقادها بأن الإصرار على استخدام التهديدات يمثل ورقة ضغط سياسية.

وفيما يتعلق بموقف الحكومة اليمنية الشرعية وحلفائها المحليين، فقد أكد وزير الخارجية، شائع الزنداني، في تصريحات صحفية، أن المتغيرات السياسية والدولية أثرت على خريطة الطريق الأممية، مع التلميح إلى إمكانية العودة للخيار العسكري، في حين دعا المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب إلى رفع مستوى الجاهزية لمواجهة تصعيد مليشيا الحوثيين، مؤكدا على ضرورة استثمار العقوبات الأمريكية على الحوثيين دبلوماسيا وسياسيا.

ويُبرز هذا الموقف رغبة المكونات اليمنية في تعزيز التنسيق لمواجهة التهديد الحوثي، وضرورة استغلال العقوبات الأمريكية كأداة ضغط على الحوثيين.

- جدلية التصعيد والتسوية

رغم التصريحات التصعيدية من جانب الحكومة اليمنية الشرعية ومليشيا الحوثيين، إلا أن التحركات العسكرية على الأرض ما زالت ضمن نطاق محدود، والمواجهات أيضا محدودة، ولا ترقى إلى معركة واسعة، ولعل التصريحات التصعيدية تأتي في سياق محاولة التأثير على مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، دون أن تترجم فعليا إلى عمليات قتالية واسعة النطاق، مع أن الوضع مهيأ للانفجار.

وفي حين تراهن بعض الأطراف الإقليمية والدولية على خريطة الطريق الأممية كخيار أساسي للسلام وتمثل المسار الأكثر واقعية لتسوية الأزمة، غير أن تنفيذها يواجه تحديات كبيرة بعد تصنيف الولايات المتحدة لمليشيا الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، مما أدى إلى تعطيل الجهود الأممية الرامية لتحقيق السلام.

ورغم الضغوط الأمريكية بعد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، فإن السعودية ما زالت تفضل التمسك بخريطة الطريق لحل الأزمة اليمنية وتجنب العودة إلى الحرب، لكن في حال انفجار الأوضاع ستجد نفسها مجبرة على العودة للتدخل العسكري في اليمن، لا سيما في حال تمكن الحوثيون من التقدم في جبهات حساسة، بصرف النظر عن مصالحتها مع إيران، وسعيها للتركيز على التنمية الداخلية.

وفي حال عاودت السعودية التدخل في اليمن عسكريا، فإن ذلك سيهدد اتفاق المصالحة مع إيران برعاية صينية، لكن لن يلغيه، كون إيران ما زالت بحاجة لذلك الاتفاق، وسيكون مبعث التوتر بينها وبين السعودية كونها ترى في اليمن ورقة ضغط إستراتيجية في مواجهة خصومها، والسعودية في مقدمتهم، لكن في حال القضاء على الحوثيين، ستتشكل بيئة أمنية جديدة في المنطقة تتجاوز المصالحة السعودية الإيرانية، وسيفقد اتفاق المصالحة بينهما أهميته تماما.

ومهما ظلت التعقيدات الإقليمية تؤثر على الأزمة اليمنية، ستظل هذه الأزمة أسيرة الانقسامات الداخلية بين الأطراف المتصارعة، بينما التسوية السياسية التي ترسمها خريطة الطريق الأممية لا تحظى بإجماع محلي، مما يعرقل أي مفاوضات متوقعة بشأنها ويزيد من تعقيد تنفيذها.

وتتناقض التصريحات الإعلامية التصعيدية مع الرغبة المعلنة في السلام، مما يخلق حالة من الغموض والضبابية بشأن النوايا الحقيقية لمختلف الأطراف المحلية، كما تتجلى هذه الازدواجية في الخطاب السعودي والأمريكي، مما يعزز حالة عدم الثقة.

وقد تدفع الضغوط الإقليمية والدولية الأطراف اليمنية إلى الشروع في المفاوضات، مع إجراء تعديلات على خريطة الطريق لتتناسب مع الواقع الجديد بعد التصعيد الأخير، وإحياء مسار التفاوض، لكن حتى في هذه الحال قد تلجأ بعض الأطراف إلى تنفيذ عمليات عسكرية محدودة لإظهار القوة وتحقيق مكاسب ولو محدودة، بهدف تحسين الموقف التفاوضي وضمان مكاسب سياسية، وهذا ما قد تلجأ إليه مليشيا الحوثيين، مما قد يجر الجميع إلى حرب شاملة.

وفي حال استمرت مختلف الأطراف في التمسك بمواقفها دون تقديم تنازلات، فقد يبقى الوضع على حاله دون تقدم نحو حل شامل أو حسم عسكري، مما يطيل أمد الأزمة ويزيد من تبعاتها الإنسانية، واستمرار حالة الجمود الراهنة حتى حدوث متغيرات محلية أو إقليمية جديدة تدفع نحو المواجهات الشاملة والحاسمة.

تقارير

ما التحديات التي تواجه البنوك بعد قرار نقل مراكز أعمالها من صنعاء إلى عدن؟

في خطوة غير مسبوقة، تستعد البنوك اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين لعملية نزوح جماعي نحو العاصمة المؤقتة عدن، وسط تصاعد المخاوف من ردود فعل انتقامية من قبل الجماعة، قد تصل إلى مصادرة الأصول وتقييد حركة الأموال. يأتي هذا التحرك بعد تصنيف دولي جديد فرض قيودًا صارمة على التعاملات المالية مع الجماعة، مما دفع القطاع المصرفي إلى البحث عن بيئة أكثر أمانًا واستقرارًا.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.