تقارير

تعيينات المجلس الرئاسي.. ما تداعيات الإطاحة بالشراكة الهشة؟

06/08/2022, 07:09:18
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

لم يسبق أن شهدت اليمن تسارعا في التعيينات وتوزيع المناصب من دون أسباب منطقية خلال مدة زمنية وجيزة إلا بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل الماضي، ضمن لعبة متزايدة للسعودية والإمارات في اليمن بدأت منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، وكان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ذاته ضمن تلك اللعبة، أي أن لعبة التعيينات والإقالات وتوزيع المناصب شملت السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، باعتبار هيئة رئاسة مجلس النواب الجديدة -كسلطة تشريعية- خضعت لتدخل وضغوط الرياض وأبو ظبي، وتزداد وتيرة التعيينات كلما ازدادت الأوضاع في البلاد تدهورا، ولم تلامس تلك التعيينات هموم المواطنين ولا علاقة لها بتطورات الحرب على مليشيا الحوثيين.

ولعل أهم دلالات تلك التعيينات، خصوصا في المناصب الحساسة، أنها تعكس الترتيبات السعودية - الإماراتية لإعادة هندسة الوضع اليمني الداخلي، وهي ترتيبات وتفاهمات تهدف إلى الإطاحة بالشراكة الهشة المتمخضة عن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وجعل مختلف الأطراف شريكة في التنازلات التي تقوض الدولة ووحدتها ونظامها السياسي تحت مظلة المجلس الرئاسي، سواء من خلال التواطؤ أو الصمت المريب أو الانخراط في العمل ضد مصلحة البلاد وتهديد مصيرها.

- التمكين للانفصاليين

رغم محدودية قوى الانفصال وتعدد القوى الوحدوية، إلا أن لعبة التعيينات في مختلف المناصب الحكومية الحساسة أظهرت أن السعودية والإمارات استطاعتا -من خلال المال السياسي وتسييس المناصب العليا- تطويع بعض القوى أو الشخصيات التي يُفترض أنها وحدوية لتعمل لصالح مشروع الانفصال، ساعدهما على ذلك وجود طبقة سياسية انتهازية تقدم مصالحها الآنية على مصلحة البلاد ومستقبلها ومصيرها.

وفي المقابل، يتم زحزحة الشخصيات الوطنية من المناصب الرسمية وإحالتها إلى التقاعد أو إلى عضوية مجلس الشورى باعتباره وعاء لاحتواء الشخصيات المحالة للتقاعد لإبعادها عن المشهد، يضاف إلى ذلك ابتزاز بعض الأحزاب والتيارات لإسكاتها أو تحييدها من خلال تهم بعضها بأثر رجعي والبعض الآخر تتعلق بالتوظيف السياسي للإرهاب وفزاعة الثورات المضادة لثورات الربيع العربي.

بدأ تدخل السعودية في شؤون الحكم في اليمن بشكل مباشر منذ تورطها في اغتيال الرئيس الأسبق للشطر الشمالي قبل الوحدة إبراهيم الحمدي، ثم دعمها لعلي عبد الله صالح ليكون رئيسا للبلاد، وتولى السلطة بعده عبد ربه منصور هادي بموجب المبادرة الخليجية، أي أن البصمة السعودية كانت حاضرة في تصعيد عبد ربه هادي ليكون رئيسا لليمن، ثم الإطاحة به وتشكيل مجلس قيادة رئاسي وفقا لتفاهمات سعودية - إماراتية عميقة بعد تمدد نفوذ أبو ظبي في جنوب اليمن بالرغم من البعد الجغرافي، لكنها، أي الإمارات، تتفق مع السعودية على هدف تقويض الدولة اليمنية ودعم مشروع انفصال جنوب اليمن، ليس حبا في الجنوبيين ولكن كرها وحقدا على اليمن لأسباب كثيرة.

- أفول الأحزاب وصعود المليشيا

منذ الأشهر الأولى بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، أصبح تدخل السعودية والإمارات في شؤون الحكم في اليمن يتسم بالتوحش، وتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وانتهاك سيادة البلاد ودستورها بأسلوب مستفز ومبالغ فيه، ومع ذلك ما زالت القوى والأحزاب السياسية تقف موقف المتفرج وتلتزم الصمت المريب، ولعلها بصمتها تخشى على مصيرها، رغم أن مصيرها الحقيقي مرتبط بمصير البلاد، بل فإنها بصمتها تنتحر سياسيا أمام الجماهير، واختصرت على السعودية والإمارات مهمة الحرب عليها، وتركت المجال للمليشيا البدائية المنتمية لزمن ما قبل الدولة تفرض سيطرتها وسطوتها، وتفرض واقعا شاذا بالقوة الغاشمة المدعومة سعوديا وإماراتيا.

لقد تمكنت السعودية والإمارات من الإطاحة بالشراكة الهشة وفق المبادرة الخليجية، وهي شراكة تمت بين أحزاب سياسية حصلت على تراخيص رسمية بمزاولة العمل السياسي، ولها تمثيل في البرلمان عبر صناديق الاقتراع، لكن الرياض وأبو ظبي أطاحتا بتلك الشراكة التي فرضتاها عبر المبادرة الخليجية، ثم فرضتا واقعا شاذا بموجبه بدأت الأحزاب السياسية بالأفول مقابل تصعيد مليشيا مناطقية عنصرية لتتحكم بمصير المواطنين في بعض المحافظات الجنوبية، وترك معظم شمال البلاد لتتحكم به مليشيا سلالية عنصرية.

هذا الوضع الشاذ تدركه الأحزاب السياسية، ولدى بعضها الكثير من الأوراق لتحريكها، مثل الظهير الشعبي، والتمثيل البرلماني، وبإمكانها التنسيق فيما بينها لوضع حد للمهازل والعبث السعودي والإماراتي في اليمن، والذي يمضي وفق مسارات عدة وهندسة مستمرة، بدأت من ملشنة البلاد وعسكرة السياسة وصنع موازين قوة جديدة على الأرض، وتمضي الآن من خلال استخدام سلاح "المناصب الرسمية" للتمكين لمليشيا المجلس الانتقالي، وتعيين شخصيات في مناصب مهمة بمواصفات غريبة أبرزها أنها شخصيات لا تمثل الأحزاب وليس لها رصيد وطني نضالي، لكن لديها الاستعداد لخدمة التآمر الأجنبي على وحدة البلاد وعلى نظامها السياسي.

لقد تسببت مهازل توزيع المناصب في هدم كيان الدولة وتقويضها، وزيادة معاناة المواطنين جراء تردي الخدمات العامة وانهيار الاقتصاد وتفاقم الأزمة المعيشية، وإبقاء الملفات الرئيسية مفتوحة وغير محسومة، مثل انقلاب الحوثيين وتمدد النفوذ الإيراني في اليمن، يضاف إلى ذلك صعود المليشيا وأفول الأحزاب السياسية، وأيضا أفول الشخصيات الوطنية، والقضاء على الشراكة الهشة، وفرض نمط من المحاصصة السياسية والمناطقية والقبلية في المناصب العليا وتكريسه كتقليد سياسي كونه يعيق التحول الديمقراطي، ويعزز ثقافة الإقصاء والتهميش وإلغاء الحق في المشاركة السياسية، ويتسبب في ظهور ردود أفعال يخيم عليها التمييز والعنصرية، ويقضي على مبدأ الكفاءة والنزاهة في المناصب العليا، وجعل "الانتهازية" والخضوع لرغبات الرياض وأبو ظبي أهم المواصفات لتولي المناصب العليا.

- أهداف الرياض وأبو ظبي

تتعدد أسباب حرص السعودية والإمارات على الإمساك التام بشؤون الحكم في اليمن والتعيينات في المناصب العليا وإقالة الشخصيات غير المرغوبة لديهما، ومن أهم تلك الأسباب جعل السلطة اليمنية في حالة اختراق دائم لقطع الطريق على أي شخصيات أو قوى وطنية للوصول إلى هرم السلطة، خشية خروج اليمن من عباءة التحالف والاستقلال بالقرار الوطني والإعلاء من سيادة البلاد، وخوفا من دخول لاعبين جدد على خط الأزمة بالتحالف مع شخصيات أو تيارات وصلت إلى هرم السلطة.

كما تخشى الدولتان من توافق أو توحد المكونات والأحزاب اليمنية كافة تحت مظلة الوحدة الوطنية واستكمال العملية السياسية من حيث توقفت جراء الانقلاب، لذلك فهما تعملان على زرع الانقسامات بين مختلف القوى والأحزاب، وتعد لعبة توزيع المناصب إحدى وسائل زرع الكراهية، لأن هناك أطرافا مستفيدة وأخرى متضررة، وهناك أطراف صار لها نفوذ وأطراف تتم محاصرتها بوسائل شتى، وأطراف تحصل على مزايا (مال، سلاح، مناصب)، وأخرى عرضة للشيطنة والدعاية السوداء وتلفيق التهم والكيد السياسي.

لقد نجحت الرياض وأبو ظبي في إشعال حرائق سياسية في اليمن لا تقل مخاطرها عن خطر انقلاب الحوثيين وتمدد النفوذ الإيراني في البلاد، ويتطلب استمرار تدخلها إبقاء الانقلاب الحوثي وإبقاء الانقسامات السياسية قائمة والنفخ فيها، كما أن لعبة توزيع المناصب أصبحت أبرز وسيلة لتأجيج الانقسامات السياسية وتهميش دور الأحزاب وعزلها سياسيا، ومن المرجح أن تستمر هذه المهازل مدة طويلة، لأن صمت الأحزاب وغياب الدور الشعبي الحاسم يشجع الرياض وأبو ظبي على الاستمرار فيها.

- الاستقرار المستحيل

قد تتمكن السعودية والإمارات من الاستمرار في إطالة مدة الحرب وإرهاق المجتمع اليمني والطبقة السياسية بلعبة توزيع المناصب وتصعيد المليشيا وتهميش الأحزاب والقضاء التام على السلطة الشرعية، لكنهما غير قادرتين على خلق استقرار على المدى البعيد لضمان مشروعهما التمزيقي والتخريبي في اليمن، كون توزيع المناصب لا يأتي ضمن تسوية سياسية تضمن الشراكة للجميع والانتقال بالبلاد إلى بر الأمان، وإنما يفخخ البلاد بعداوات تتجذر كل يوم وألغام ستنفجر مستقبلا في وجه حكام الرياض وأبو ظبي وأدواتهما، كما أن خداع بعض الأطراف لا يعني أنها ستتخلى عن مشاريعها الأساسية، وصمتها على لعبة توزيع المناصب يعد نوعا من المناورة السياسية حتى الوصول إلى اللحظة الحاسمة.

الخلاصة، تخضع لعبة التعيينات في المناصب الحساسة لتفاهمات سياسية هشة، وساعد على تمريرها الوضع الأمني الهش، لكنها تمضي وسط حقل ألغام وانقسامات عميقة بين مختلف المكونات السياسية، ويواكبها المزيد من التنازع بين المكونات الجنوبية الرافضة للانفصال وللمجلس الانتقالي الجنوبي، والنتيجة عدم الاستقرار واحتمال تجدد العنف حتى تصل الأوضاع إلى الانفجار الشامل والحسم السياسي والعسكري في اللحظة المناسبة.

تقارير

في ظل الأزمات والمعاناة.. إلى متى يستمر الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي؟

من بين كل الوعود والمهام المناطة بمجلس القيادة الرئاسي، سواء بموجب إعلان نقل السلطة أو بموجب برامج العمل المُعلَن عنها خلال الأيام التالية لإعلانه، لم يتمكن المجلس من حل أي مشكلة، ولا ساهم في الحد من آثارها.

تقارير

بسبب خلافات الداخل وضغوط الخارج.. اليمن في قلب تحولات المنطقة من دون مكسب

كثير من التحولات التي طرأت على المنطقة خلال الفترة الماضية، ورغم أن اليمن كانت على اتصال بها، إلا أنها لم تنعكس بالإيجاب عليها، للكثير من الأسباب، أهمها أن الأطراف المناوئة لميليشيا الحوثي لا تريد الحسم، لأنه ضد مصالحها الآنية والاستراتيجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.