تقارير

ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر.. هكذا الماضي يحاكم الحاضر

15/10/2022, 13:46:57
المصدر : قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

تلقي ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر بتأثيرهما على المشهد اليمني الراهن وتحاكمانه، أي أنهما تعيدان تعريف الأزمة ووضع أطرافها في مكانهم الصحيح، وتزيحان الغموض عن المناطق الرمادية، وتكشفان زيف الطبقة السياسية، وتوضحان الفرق الشاسع بين الأحرار الأوائل الذين طووا أكبر وأطول عهود الظلام في تاريخ اليمن وبين من يديرون البلاد اليوم ويتقاسمون شتاتها تحت لافتات وحماية أجنبية، وكأنهم ليسوا من أهل هذه البلاد ولا تقع على عاتقهم مسؤولية استعادة كرامتها وحفظ وحدتها ونظامها السياسي وسيادتها المستباحة.

وخلال السنوات الأخيرة، ازداد الوعي الشعبي بأهمية ثورتي سبتمبر وأكتوبر وعظمتهما، وانعكس ذلك على زخم الاحتفال بهما. وفي المقابل، برز ما يمكن وصفه بالقطيعة مع تلك الثورات من قِبَل المليشيات السلالية والمناطقية، كما لم تعد ثمة احتفالات رسمية لائقة بذكرى ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وذكرى إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990.

يضاف إلى ذلك تهميش متعمد من قبل كثير من القوى والمكونات السياسية لثورة 11 فبراير 2011، التي يمكن وصفها بأنها ثورة إحيائية للثورات السابقة، وإن كان من احتفالات رسمية بذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر وذكرى إعادة تحقيق الوحدة الوطنية فهي احتفالات باهتة، وتتخللها أحيانا الفوضى، كما حصل من فوضى أثارتها مليشيا المجلس الانتقالي في ذكرى ثورة 14 أكتوبر هذا العام في قصر معاشيق الرئاسي في عدن وفي جزيرة سقطرى.

- ارتباط صراعات اليوم بالماضي

كيف يمكن فهم ظاهرة تزايد الاهتمام الشعبي بثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 خلال السنوات الأخيرة، مقابل بروز ما يشبه القطيعة أو العداء لهاتين الثورتين من قِبَل مليشيا الحوثيين الموالية لإيران ومليشيا ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من التحالف السعودي الإماراتي وغياب الاحتفالات الرسمية اللائقة بتلك الثورتين؟

التفسير الوحيد لذلك هو أن الصراعات التي تشهدها البلاد اليوم ترتبط بثورتي سبتمبر وأكتوبر بشكل أو بآخر، وتمثل امتدادا للاصطفافات التي سادت حينها، فمليشيا الحوثيين تمثل امتدادا للحكم الإمامي السلالي الكهنوتي الذي اندلعت ضده ثورة 26 سبتمبر 1962، وقادة المليشيات التي شكلها التحالف السعودي الإماراتي في جنوب البلاد وما تثيره من انقسامات وفق سياسة "فرق تسد"، والتواجد الكثيف لقوات سعودية وإماراتية تسيطر على المدن الحيوية والموانئ والمطارات والجزر اليمنية، كلها أوضاع تشبه إلى حد ما الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن الذي اندلعت ضده ثورة 14 أكتوبر 1963.

وبالتالي، فالصراعات والحروب التي تشهدها البلاد اليوم يمكن وصفها بأنها صراعات ممتدة، يحضر فيها الماضي بكل ملامحه واصطفافاته، لذلك كان لا بد من إحياء ذكرى تلك الثورات من قبل الشعب بزخم كبير، لتشكل عوامل إلهام ووعي وطني بخطورة اللحظة الراهنة، كونه سيترتب عليها مصير ومستقبل وآمال شعب وطموحه بوضع أفضل يعيش فيه بحرية وكرامة وسيادة وتنمية واستقرار وازدهار والارتقاء إلى مصاف الشعوب الأخرى.

إن مخلفات العهود الغابرة، التي برزت خلال السنوات الأخيرة إلى واجهة الأحداث نتيجة أخطاء متراكمة، تعمل حاليا على إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، مستعينة بأشباهها الرجعية أو الثيوقراطية والكهنوتية من الخارج، فتشكلت تحالفات تعمل على وقف حركة التاريخ ومحاولة تصفية تلك الثورات الملهمة للشعب والمتحدية لتيار التاريخ وحركته، لأن ثورات الشعب تدين تلك الأطراف وتعيد تعريفها وتوصيفها وتضعها في مكانها الصحيح ضمن مجرى التاريخ، ولذا من الطبيعي أن تناصب تلك الأطراف الثورات الوطنية العداء، وتتمنى لو أنه بإمكانها محوها من ذاكرة الشعب.

وينطبق الأمر أيضا على ثورة 11 فبراير 2011، التي تناصبها أطراف كثيرة محلية وأجنبية العداء، وهي نفس الأطراف التي تمقت ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، تماشيا مع مزاج إقليمي يعادي ثورات الربيع العربي، ومزاج دولي يسعى لطمس ثورات التحرر الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي من ذاكرة الشعوب الحرة، كونها تعيد تذكير المحتل بماضيه الأسود المنتمي إلى زمن البربرية والتوحش ونهب ثروات الشعوب وتدمير قدراتها الذاتية، فضلا عن محاولات بعض دول الإقليم احتلال أو استباحة أجزاء من اليمن ونهب ثرواته والإبقاء عليه في حالة ضعف وتمزق حتى لا ينهض ويكون له مكانته في الإقليم، والخوف من أن تؤثر التحولات التي قد يشهدها على الوضع الداخلي للممالك المجاورة المترهلة.

- محاولات تشويه ثورتي سبتمبر وأكتوبر

عندما تعادي مليشيا الحوثيين ثورة 26 سبتمبر 1962 التي اندلعت ضد الحكم الإمامي الكهنوتي الذي جاءت من رحمه تلك المليشيا، وعندما تفزع مليشيا المجلس الانتقالي الانفصالي من ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963 التي طردت المحتل الأجنبي ووحدت محميات جنوب اليمن وكان من أهدافها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، بينما تلك المليشيا ترحب بالمحتل الأجنبي أو الهيمنة الأجنبية وتسعى للانقلاب على التوجه الوحدوي لثورة 14 أكتوبر، فإن كل تلك المليشيات تشعر بالخزي والعار عندما تحل ذكرى ثورتي سبتمبر وأكتوبر، لأن الثورتين تعيدان توصيف المشهد الحالي على حقيقته وتضعان تلك المليشيات في أماكنها اللائقة بها، ولذلك تعتقد المليشيات أن أفضل وسيلة للهروب من العار والخزي هي القطيعة مع تلك الثورتين أو تحريف أهدافهما، وهي كلها محاولات يائسة.

ومن مظاهر عداء مليشيا الحوثيين ومليشيا المجلس الانتقالي لثورتي سبتمبر وأكتوبر، أن مليشيا الحوثيين خططت ليكون اقتحام العاصمة صنعاء والانقلاب على السلطة الشرعية في يوم 26 سبتمبر 2014، لتجعل من يوم الانقلاب ذكرى سنوية تسميها ثورة، وبذلك تمحو ذكرى ثورة 26 سبتمبر كما كانت تعتقد، لكن بما أن المليشيا دخلت العاصمة صنعاء دون اعتراض من ألوية الجيش التي كان يفترض أن تحمي العاصمة، عجل ذلك من الخطوة الانقلابية في 21 سبتمبر، فأطلقت المليشيا على ذلك اليوم مسمى "ثورة"، وهي محاولة فاشلة لطمس ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962.

أما مليشيا المجلس الانتقالي، فقد عملت على تشويه ثورة 14 أكتوبر وتشويه أهدافها العظيمة والتلاعب بها ومحاولة حرفها عن مسارها، وتم التشويه عبر مؤلفات تُوزّع في المكتبات، وعبر مواقع الإنترنت، ومن أمثلة ذلك التشويه حذف الهدف الذي ينص على "النضال من أجل وحدة الشعب اليمني"، واستبداله بهدف آخر هو "إعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيرا نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية"، وذلك للتبرير لمطالب الانفصال وإنكار وحدوية ثورة 14 أكتوبر وتحويلها إلى مناسبة انفصالية.

- الثورات كمحاكمات تاريخية

الثورات هي الذاكرة الحية للشعوب، وهي الصفحات المضيئة والملهمة في تاريخها، وبقدر ما تذكي الثورات الروح الوطنية وتذكّر الشعوب بأمجادها وطموحاتها، فإنها في نفس الوقت تمثل وصمة عار في جبين الغزاة والمحتلين وأذنابهم في الداخل، كما أنها تظل بمنزلة محاكمة تاريخية للمستبدين المحليين الذين أطاحت بهم شعوبهم من عروشهم، فلا يهنأ لأنسالهم بعدها طيب العيش، ولا يمكنهم العودة للسلطة حتى وإن كان ذلك تحت رايات وشعارات جديدة، ومحاولات عودتهم للسلطة تثير الأزمات والانتفاضات الشعبية ضدهم، ومن هنا ظهر العداء للثورات اليمنية من قبل المليشيا الانقلابية في صنعاء وعدن بدعم أطراف إقليمية.

كما لا يمكن للشعوب أن تقبل بمجرد عودة المحتلين الأجانب أو الأنظمة البائدة التي ثارت ضدها، حتى وإن كان ذلك بواسطة أشخاص أو تيارات ليست من نسل المستبدين الأولين الذين طوت الشعوب صفحاتهم ورمت بهم إلى مزبلة التاريخ. إنها الثورات التي تتحدى تيار التاريخ وحركته وتظل بمنزلة الحارس الأمين على إنجازات الشعوب وتتخطى الصعاب والانتكاسات والتعثرات، ويمثل الوعي الوطني الذي تنجزه جرس إنذار للشعوب كلما بدا أن ثمة انتكاسة أو محاولات لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، سواء كان مصدرها من الداخل أو الخارج.

تقارير

هجمات البحر وحرب أهلية.. إنقاذ اليمن من خطر مزدوج

"مجموعة الأزمات الدولية"،تقول إن وقف إطلاق النار في غزة يخلق فرصة لتخفيف أزمة البحر الأحمر، إلا أن البناء على هذه الفرصة سوف يتطلب دبلوماسية شاملة، سواء لضمان استمرار الهدنة أو للبحث عن مخرج من الحرب الأهلية في اليمن.

تقارير

حين يصرخ الصمت في اليمن.. وجع نفسي يفتك بالمجتمع المنهك بالحرب

في اليمن الذي أنهكه الحرب، لم تعد أصوات الرصاص وحدها تعبّر عن الألم، بل صارت هناك أصوات صامتة تروي مآسي اليمنيين بطريقتها القاسية؛ إنها حكايات المُنتحرين الذين وجدوا في الموت مهربًا من حياة أثقلتهم بالفقر واليأس والخذلان.

تقارير

مركز القلب وزراعة الكلى في تعز.. قصة إنجاز طبي تتحدى الحرب

كان الستيني اليمني سلطان سعيد يمارس أعماله اليومية كالمعتاد، قبل أن يفاجأ بألم حاد في صدره. وبعد نقله إلى عيادة أحد الأطباء في ريف محافظة تعز، تبيّن أنه مصاب بجلطة قلبية حادة. وبناء على توصية الطبيب، تم إسعافه إلى مركز القلب والأوعية الدموية وزراعة الكلى بمدينة تعز، ليبدأ هناك سباق مع الزمن لإنقاذ حياته.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.