تقارير
جرحى الجيش الوطني.. لماذا يلجأون إلى الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بأبسط حقوقهم؟
يعاني جرحى الجيش الوطني من نقص حاد في الرعاية الطبية، حيث تفتقر المستشفيات التابعة للجيش إلى الأدوية اللازمة والتجهيزات الضرورية لعلاجهم، كما أن الصعوبات في التنقل، للحصول على العلاج داخل اليمن أو خارجه، تفاقم معاناتهم، خاصة مع غياب الدعم المالي لتغطية هذه التكاليف.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدت أيادي الفساد والفشل إلى إيقاف مرتبات الكثير منهم حتى باتت الشكوى جماعية، فالجرحى المتضررون من الإهمال وقطع المرتبات وإيقاف المنح العلاجية نظموا وقفات احتجاجية بعضها في مأرب والبعض الآخر في البلدان التي يتلقون فيها العلاج، ورفعوا مطالب تتضمن حقوقهم المشروعة؛ من علاج ومرتب، وإدارة شفافة وعادلة بعيدا عن أي تدخلات أو فساد.
لو أن المعركة في بدايتها والتقصير ناتج عن المفاجأة، أو الارتباك، أو زيادة أعداد الجرحى، لكان للمسؤولين عن الجرحى بعض العذر، ولكن ما عذرهم اليوم أمام الجرحى والمعركة متوقفة منذ عامين إلا من بعض الخروقات والحوادث؟
- حرمان من الراتب
يقول حميد نادر -أحد جرحى المنطقة العسكرية الخامسة-: "تعرضت للإصابة في حرب حجور في عام 2019، وبعدها تعرضت للسجن، حيث اختطفني الحوثيون وأنا جريح، وتم إخفائي لمدة ما يقارب الثلاث سنوات، وشهور، ومن ثم خرجت في صفقة التبادل المحلية، ثم تم تسفيري من قِبل المنطقة الخامسة".
وأضاف: "كان للمنطقة الخامسة دور في تسفيرنا للعلاج إلى جمهورية مصر، ومكثنا هناك ما يقارب العام للعلاج، تم علاجنا بعد أن خرجنا من السجن، لكن حدثت المشكلة العظمى، وهي انقطاع الراتب الأساسي؛ لأن أثناء علاجنا في مصر حضرت لجنة لمقابلة الجرحى والاطلاع على حالاتهم في المنطقة العسكرية الخامسة، ولم تجدنا".
وتابع: "عدنا قبل أن نتعافى من جمهورية مصر؛ لأن كانت هناك لجان قالوا ستتمم علينا في منفذ الوديعة، ثم جئنا لمقابلة تلك اللجنة في يوليو 2023، على أمل أن يصوروا حالاتنا، ثم يبعثوا بها إلى لجنة المرتبات لإطلاق مرتباتنا -كما قالوا- إنها تم توقيفها من قِبل من تمموا، ولم يجدوا أسماءنا، فعدنا للتمام، لكننا مكثنا العام والعامين وإلى الآن، ونحن لم نستلم مرتباتنا".
وأردف: "نحن سألنا عن الرواتب، قالوا ستأتيكم الرواتب، سنرفع بكشف الآن، ويتم إضافتكم إلى المعاقين، لكننا وجهنا السؤال تلو السؤال، ولا نجد من يجيبنا أو حتى يوضح لنا".
وزاد: "نحن كنا في جمهورية مصر، تم تسفيرنا من قِبل قيادة المنطقة، ومن قِبل اللجنة الطبية، واللجنة الفنية التي قيّمت حالاتنا، ثم وجهت بتسفيرنا للعلاج، وبعد أن سافرنا إلى العلاج، عانينا في مصر، وأسرنا كانت في مأرب تعاني ليس لها من يعولها، وليس لها دخل، كي تستفيد منه، فمصدر الدخل الأساسي، لهذه الأسر، هو الراتب".
وقال: "صبرنا وتديَّنا، إلى أن ملَّنا الناس الذين تديَّنا منهم، بل أصبح بعضهم يطالبنا بالديون، ويلاحقنا، وأصبحنا ملاحقين من أصحاب الديون، ونحن لا ندري الآن كيف نواجه أصحاب الديون، أم نواجه الوضع المعيشي، ونحن معاقين داخل بيوتنا، لا نستطيع الحراك، ولا نستطيع أن نقوم بأي عمل لكي نعول أسرنا".
وأضاف: "أصبحنا ننتظر الرواتب، وهناك مواعيد تأتينا، بأن مشكلتنا ستحل، وتم حل الكثير من الإشكاليات في المنطقة، إلا أن نحن الذين كنا آنذاك في مصر، وعددنا 12 فردا، إلى الآن لم نستلم منذ ثلاث سنوات، أي راتب".
وتابع: "لنا حتى الآن ما يقارب 26 راتبا لم نستلمهم، ونطالب بالتوضيح، لكننا نفاجأ بأننا لم نجد حتى من يرد على رسائلنا، أو أن يطمئننا، أو يوضح لنا، ما مصير رواتبنا".
- غياب الرؤية والحقوق
يقول أمين عام رابطة جرحى تعز، رأفت العبيدي: "وضع الجرحى، بشكل عام، غير مستقر؛ لا نفسيا ولا اجتماعيا، حتى إن راتب الجريح في مناطق الشرعية، في تعز ومأرب، 58 ألف ريال، أي 27 دولارا، ولا يكفي لأبسط حياة كريمة للجريح، يعيشها هو وأسرته".
وأضاف: "معالجة الجرحى تتم بالحد الأدنى، بعد مظاهرات ووقفات احتجاجية مستمرة، حيث لا يوجد هناك ميزانية ثابتة لعلاج الجرحى، ولا توجد مراكز متخصصة تقوم بعلاج الجرحى، ولا يوجد مركز متخصص متطور في العلاج الطبيعي، ولا في قسم العيون، ولا في المخ والأعصاب".
وتابع: "نحتاج إلى هذه المراكز المتخصصة؛ كون الحرب مستمرة، خصوصا على مدينة تعز، وهناك الكثير من الضحايا المدنيين والعسكريين وغيرهم، فالمراكز المتخصصة مهمة جدا؛ لأن مسألة السفر باستمرار إلى الخارج تكلف الدولة كثيرا، ولا يتلقى الجريح العلاج بالشكل المطلوب، وأحيانا يعود الجريح من سفره دون أن يستكمل علاجه بالشكل المطلوب".
وأردف: "لكن، إذا توفرت هذه المراكز المتخصصة داخل مدينة تعز سيستكمل الجرحى العلاج بشكل كامل".
وأفاد: "عدد الجرحى في محافظة تعز أكثر من 11000 جريح عسكري ومدني، منهم ما يقارب 5000 جريح معاق إعاقة جزئية أو كلية".
وأشار إلى أن "هناك إهمالا، لا توجد رؤية واضحة لدى الدولة، ولدى الحكومة، في معالجة هذا الملف- للأسف الشديد".
وقال: "رئيس الجمهورية، رشاد العليمي، عند تشكيل المجلس الرئاسي، أعلن عن تشكيل الهيئة العليا لعلاج أوضاع الشهداء والجرحى، وإلى اليوم لم ترَ النور هذه الهيئة، ولا تزال اللجنة الطبية في محافظتي تعز ومأرب إلى اليوم تشتغل دون ميزانية ثابتة، سوى عن بعض الاستقطاعات من رواتب الأفراد، أو بعض ما تقدمه السلطات المحلية".
وأضاف: "خلال عام كامل، لا توجد رؤية طبية متكاملة لعلاج هذا الملف، حيث لم يُبنَ مركز متخصص واحد في مدينة تعز لعلاج الجرحى".
- ملف في قائمة النسيان
يقول رئيس قسم الإعلام في اللجنة الطبية العسكرية، توفيق القرضي: "هذا الملف تكرر إهماله كثيرا، حتى أصبح في قائمة النسيان".
وأضاف: "هناك 123 جريحا من الجرحى، الذين هم في حالة انتظار للعلاج أو التسفير للعلاج في الخارج، أو الحالات التي وصلت إلى حالة الاستعصاء وبحاجة للتسفير إلى دول متقدمة ومتطورة في الطب".
وتابع: "نحن نتحدث عن 123 حالة في ظل وضع هدنة ثلاث سنوات، ومع ذلك لا زال هناك 123 جريحا ينتظرون أن يأتي دورهم ليتم تسفيرهم لتلقي العلاج في مصر، بينما هناك 82 حالة مستعصية لا يمكن علاجهم في مصر، وبحاجة إلى التسفير إلى الهند، أو أي دولة متقدمة لديها إمكانيات أكبر، وأجهزة متطورة".
وأردف: "للأسف، مع كل هذا التأخير تتضاعف حالات الجرحى، تتضاعف معاناة الجرحى، وبعض الحالات التي كان بالإمكان أن يتم علاجها في مصر أصبحت حالات مستعصية نتيجة للتأخير، وهذا تعقيد حاصل ومعاناة يعانيها الجرحى بشكل مستمر".