تقارير
جيل تحت الخطر.. لماذا أصبح السكري أكثر انتشارًا بين أوساط الشباب في اليمن؟
لم يكن بلال مطهر (32 عاماً) يتوقّع أن تتغير حياته فجأة بعد اكتشاف إصابته بمرض السكري وهو في ذروة شبابه وانشغاله بالعمل.
لم يعرف بلال متى بدأ المرض، لكن جسده كان يرسل إشارات لم ينتبه لها في البداية؛ فقد لاحظ أنه يغضب بشكل غير طبيعي، يتبول كثيرًا، ويعاني جفافًا قاسيًا في الفم يدفعه لشرب الماء باستمرار، شيءٌ ما كان يتغير داخله، وكان يشعر بذلك جيدًا، يقول بلال.
يستعيد بلال -في حديثه لقناة "بلقيس"- لحظة المواجهة الأولى مع المرض قائلا: «ذهبت لإجراء الفحص، وكانت النتيجة صادمة، مستوى السكر مرتفع، والتراكمي 9.9».
منذ تلك اللحظة بدأ رحلته مع العلاج، فقرر التوقف عن الحلويات تمامًا، واتجه لحِمية غذائية صارمة، استبعد الأرز والدقيق والخبز الأبيض، وكل ما يمكن أن يرفع مستوى السكر بسرعة، ومع الالتزام، بدأت حالته تتحسن بشكل ملحوظ.
يستدرك بلال حديثه: لكن التجربة لم تكن خطّيّة، فمع عودته لبعض المواد المحظورة، ارتفع التراكمي مجددًا إلى 9.9، ما دفعه إلى إعادة ضبط مساره الغذائي.
اليوم يكتفي بتناول البر والذرة، ويتجنب الدقيق الأبيض كلياً، ويقول إن أموره «مستقرة» بفضل التوازن بين الدواء وحِمية يصفها بأنها «الأهم في التعامل مع المرض».
يختم بلال حديثه بجملة تلخِّص معركته اليومية مع مرض السكري وتعايشه معه بشكل طبيعي: «إذا تجنّبت الأشياء الممنوعة، يمشي معك مرض السكري بكل هدوء».
-اليوم العالمي للسكري
قصة بلال واحدة من عشرات القصص التي تعكس اتساع دائرة الإصابة بالسكري بين الشباب في اليمن، وتظهر كيف يمكن للوعي المبكر والحِمية والالتزام أن يغيّروا مسار المرض ويعيدوا للمصابين قدرتهم على التحكّم بحياتهم.
وفي اليوم العالمي للسكري، الذي يُصادف الرابع عشر من نوفمبر كل عام، تؤكد الإحصائيات العالمية أن ما بين 7% إلى 8% من سكان العالم يعيشون مع هذا المرض، فيما يقف عدد مماثل أو أكبر على أعتاب ما يُعرف بمرحلة ما قبل السكري، حيث تبدأ الخلايا بالتراجع أمام ضرباته الصامتة.
وحسب التقارير الطبية، فإن داء السكري لا يحمل من اسمه أي دلالة على وطأته، إذ يمضي في الجسد ببطء، ينهكه ويثقل أنفاسه، ويخلّف آلامًا لا تهدأ.
ويؤكد خبراء واخصائيون أن محاربة السكري تبدأ من الوعي والسلوك، ومن تصحيح أنماط الغذاء والحركة، وإن تمكّن هذا المرض -رغم الحذر- فالعلم يمدّنا بأدوات العلاج القادرة على كبحه وترويضه، فالسكري قد يتحوّل إلى وحش إذا أهملناه، لكنه يصبح حملاً وديعًا إذا واجهناه بوعي وإرادة وانضباط.
-ارتفاع عالمي
وفي هذا الصدد، أكد الدكتور دارس الوصابي -استشاري أول أمراض باطنة وأمراض الغدد الصماء والسكري- أن معدلات الإصابة بمرض السكري بين فئة الشباب تشهد ارتفاعًا ملحوظًا، وهو اتجاه عالمي لا يقتصر على اليمن وحدها، لا سيما في الدول التي تعاني من تدنّي الوعي الصحي.
وأوضح -في تصريح لقناة "بلقيس"- أن مرض السكري يرتبط بجملة من العوامل، بعضها جينية ووراثية، وأخرى ناتجة عن أنماط الحياة غير الصحية والعادات الغذائية الخاطئة، إضافة إلى القلق والضغوط النفسية وسوء فهم طبيعة الوجبات اليومية، واعتماد نمط حياة خامل.
وأشار الدكتور دارس الوصابي إلى أن السنوات الأخيرة شهدت إصابات أسرع مما كان متوقعًا نتيجة انتشار السِّمنة وتزايد الخمول في صفوف الفئات العمرية الصغيرة.
-ثلاثة ملايين إصابة في اليمن
ويرى الدكتور دارس أن الأسباب الرئيسية وراء هذا الارتفاع تتمثل في الجلوس لمدد طويلة، والاعتماد المفرط على وسائل النقل، وتراجع معدلات المشي، إلى جانب استهلاك كميات كبيرة من النشويات والكربوهيدرات، والمشروبات والمأكولات المحلّاة، بما في ذلك مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية ذات المحتوى العالي من السكر.
ولفت الوصابي إلى أن الجلوس المطوّل أثناء مضغ القات، والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي دون حركة، يسهمان في تفاقم السمنة وحدوث اضطرابات هرمونية لدى الشباب، الأمر الذي أدى إلى ظهور المرض في سن مبكرة.
وأكد الدكتور دارس الوصابي -في هذا الصدد- أن العوامل الجينية والوراثية موجودة لكنها أقل تأثيرًا مقارنة بالعوامل المرتبطة بنمط الحياة.
وحول إحصائية أعداد المصابين، بيّن الدكتور دارس أنه لا تتوفر إحصائية دقيقة حول عدد المصابين بالسكري في اليمن، غير أن البيانات العالمية تشير إلى أن ما بين 7% إلى 8% من السكان مصابون بالمرض.
وقال: «بناءً على تقدير عدد السكان في اليمن بنحو 40 مليون نسمة، يُتوقع أن يصل عدد الحالات إلى نحو 3 ملايين إصابة في اليمن، 95% منها من النوع الثاني المرتبط بالسمنة ومقاومة الإنسولين».
-تحديات مرضى السكري
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه مرضى السكري في اليمن، أشار إلى أن الجانب الاقتصادي يمثل العائق الأكبر، في ظل غياب التأمين الصحي وارتفاع تكلفة العلاج، خصوصًا أن مرض السكري مزمن ويتطلب علاجًا مستمرًا مدى الحياة، ما يشكل عبئًا ماليًا شهريًا على المرضى.
وأكد الدكتور دارس أن هذا الوضع الاقتصادي الصعب للمرضى في اليمن -لا شك- يؤدي إلى فجوات في الحصول على العلاج، إذ يعجز كثير من المرضى عن شراء أدويتهم بانتظام لعدم قدرتهم على ذلك.
وتابع: «كما أن المرض المزمن يتسبب بمضاعفات طويلة الأمد تصيب مختلف أعضاء الجسم، ما يفرض على المريض مراجعة أطباء متخصصين في مجالات متعددة كالقلب والأوعية والجراحة والعيون، وغيرها».
وأضاف: «كما أن المرضى المقيمين في الأرياف أو المناطق النائية، فإن صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية تؤدي إلى تأخر العلاج أو اضطرارهم إلى تحمّل مشقة وتكاليف السفر للوصول إلى الأطباء المختصين في المدن».
إجمالا، وفي ظل هذا الواقع، تبدو مواجهة داء السكري بين الشباب في اليمن مهمة تتجاوز حدود التعاطي الطبِّي، لتتحول إلى مسؤولية مجتمعية شاملة تتطلب رفع الوعي، وتصحيح أنماط الحياة، وتعزيز فرص الحصول على الرعاية الصحية.
فاستمرار ارتفاع الإصابات، في ظل ضعف الإمكانات الصحية، سيضاعف من كلفة المرض ومعاناته، ما يجعل الاستثمار في الوقاية ونشر الثقافة الصحية ضرورة عاجلة، ليس لحماية الجيل الحالي فحسب؛ بل لضمان مستقبل صحي أكثر أمانًا للأجيال القادمة.