تقارير
جيل مفخخ.. كيف تصنع ميليشيا الحوثي قنابل فكرية في المدارس والجامعات؟
الحرب في اليمن لا تتوقف عند الجبهات العسكرية، والهدنة لا تعني الكثير بالنسبة للمستقبل، طالما بقي آلاف الطلاب يخضعون للتجنيد الإجباري، والتعرض للأفكار الطائفية المتناقضة مع عقائد المجتمع ومصالحه ومحيطه وتاريخه.
ما يحدث اليوم في المدارس والجامعات اليمنية، الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، يمثل أكبر عملية تغيير ديموغرافي ثقافي قسري، حيث يُجبر الطلاب على تبني عقائد السلطة الطائفية، ويتم دفعهم تدريجيًا للتحول إلى أدوات عسكرية تخدم الميليشيا وأهدافها.
تمارس ميليشيا الحوثي احتلالًا ثقافيًا ممنهجًا، وتعيد تشكيل هوية الجيل الجديد وفق رؤيتها العقائدية المناقضة للجمهورية، وتسخّره لخدمتها في السلم والحرب. يشمل هذا الاحتلال تغيير المناهج الدراسية، وتسخير وسائل الإعلام، والتوجيه العسكري، والإرشاد الديني، لفرض رواية الميليشيا الطائفية بما يخدم مصالحها.
التعليم.. أخطر جرائم الحوثي
يقول الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور عبدالله القيسي:“إذا عددنا جرائم الحوثي منذ الانقلاب، فإن إجبار طلبة المدارس والجامعات على حضور دوراته الطائفية، وتغيير مناهج التعليم، يعد من أعظم الجرائم، لأنها قنابل موقوتة تهدد المستقبل.”
وأضاف: “تركّز ميليشيا الحوثي بشكل كبير على التعليم، لأنها تدرك أن الطلاب هم الفئة الأنسب للتجنيد، وغسل الأدمغة، والتجييش. فهناك جيل كامل نشأ بعد 2011، ولا يعرف شيئًا عن الأحداث التي سبقت عام 2014، وهذا الجيل مهيأ تمامًا ليتم استقطابه عبر المدارس، أو الجامعات، أو الدورات الطائفية.”
وتابع: “حوّلت الميليشيا المدارس والجامعات إلى ثكنات عسكرية، لتدريب الطلاب بشكل إجباري. وهذه خطوة كنت أتوقعها، بل ستفعل ما هو أسوأ، لأنها تريد أن تسابق الزمن، وهي تشعر بأنها لن تبقى في السلطة طويلًا.”
وأردف: “بعد أن فقدت ميليشيا الحوثي حلفاءها في المنطقة، خصوصًا في سوريا ولبنان وإيران، أصبحت ضعيفة ومهددة، لذا تلجأ إلى التحشيد الكبير، وخلق شخصيات إيديولوجية تستخدمها في المفاوضات والقتال.”
وأضاف: “تستنزف الميليشيا اليمنيين إلى أبعد مدى للبقاء في السلطة، وتهرب من الانهيار الاقتصادي والتدهور السياسي نحو التجييش المستمر، لتوهم الناس بأنها في حالة حرب دائمة.”
وأشار إلى أن: “في البداية، استخدمت الميليشيا دعاية (العدوان)، ثم دعاية (القدس وغزة وفلسطين)، وتبرعّت بمرتبات الموظفين لدعم هذه القضايا، لكنها في الحقيقة تخلق شعارات جديدة فقط لخدمة مشروعها الطائفي.”
استغلال التعليم: سلاح الميليشيا الأخطر
يؤكد القيسي أن: “لم يسبق أن استخدمت أي جماعة التعليم بهذه الطريقة، ففي الدول المستقرة، هناك رقابة تمنع انتشار الأفكار المتطرفة، لكن هذه الميليشيا وجدت ضوءًا أخضر إقليميًا ودوليًا لإغراق اليمن في الحروب، وتحقيق أجندات خارجية.”
وأضاف: “الميليشيا تُصنع منها بطلة في بعض الأحيان، بطريقة (التخادم)، فالضربات الخارجية تستهدف البنية التحتية لليمن، بينما تبقى الميليشيا بمنأى عن أي استهداف، فتستغل ذلك للتحشيد الداخلي، وزرع خطاب المظلومية.”
وأكد أن: “التعليم هو أخطر شيء في صناعة الفكر، فهو أشبه بدستور ثقافي يحمي المجتمعات، وحين يتم اختطافه، يصبح وسيلة لتشكيل أجيال مؤدلجة.”
جيل مفخخ.. الأرض ليست الهدف الوحيد
يقول الأكاديمي في جامعة إقليم سبأ، الدكتور يحيى الأحمدي:“الجرائم التي لحقت بالتعليم في اليمن لا تقتصر على الطالب أو المدرس، بل تشمل كل مكونات العملية التعليمية، من المناهج إلى الإدارة وحتى المباني، التي حوّلها الحوثيون إلى مراكز لنشر الفكر الطائفي، بل وثكنات عسكرية.”
وأضاف: “ما حدث خلال عشر سنوات كفيل بإنتاج جيل منفصل عن هويته، معزول عن فكره الحقيقي وعن الحياة بشكل عام. هذا الجيل نشأ على رؤية واحدة متطرفة، ترى الآخرين أعداء وخصومًا، وترى أن القرار الوحيد والصوت الوحيد هو صوت هذه الميليشيا.”