تقارير
حصاد 2024.. تصعيد غير مسبوق في اليمن يهدد أمن المنطقة
مر العام 2024 كأحد أكثر الأعوام سخونة على الساحة اليمنية، حيث تداخلت فيه صراعات الداخل مع تحركات إقليمية ودولية، زادت من تعقيد المشهد.
حيث شهد هذا العام تصعيدا غير مسبوق للهجمات العسكرية، بدءا من العمليات البحرية، التي استهدفت السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر، وصولا إلى الغارات الجوية المكثفة، التي نفذتها قوى كبرى كأمريكا وبريطانيا بمشاركة لافتة لإسرائيل.
مسرح العمليات العسكرية امتد ليشمل مواقع إستراتيجية؛ مثل ميناء الحديدة، رأس عيسى، ومطار صنعاء، بالإضافة إلى محطتي كهرباء حزيز وذهبان، ما أضاف أبعادا جديدة للصراع.
في وقت واصلت فيه مليشيا الحوثي تعزيز قدراتها الهجومية، بدعم من إيران وروسيا، لم تكن التحركات العسكرية بمعزل عن تداعيات إنسانية كارثية، حيث تصاعدت أزمة البنية التحتية، وشهدت البلاد تدميرا واسعا للخدمات الأساسية، ما فاقم معاناة اليمنيين.
- مواجهات أمنية
يقول الخبير العسكري، الدكتور علي الذهب: "في واقع الأمر، انصرف العنف في اليمن، خلال 2024، إلى عنف داخلي خارج، في إطار جغرافية معيّنة تسيطر عليها مليشيا الحوثي، وهذا العنف كان امتدادا لعام 2023، بعد التحول الحاصل في غزة، أو مع حرب غزة في السابع من أكتوبر".
وأضاف: "هدأت الجبهات الداخلية بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية، في الوقت الذي كانت عملية السلام تخطو خطوة متعثرة، نجحت في فتح الطرقات في تعز وفي جنوب مأرب - البيضاء، وتبادل للأسرى".
وتابع: "لكن العنف المتبادل الأكثر سخونة كان ما فوق إقليمي؛ بمعنى أنه كان بين الحوثيين ومشاغلاتهم الأمنية في البحر الأحمر، وهجماتهم المزعومة تجاه إسرائيل، في الوقت نفسه كان هناك نشاط، أو خرق للهدنة في مناطق التماس، تركز بشكل كبير في تعز، وإلى حد ما في مأرب وحجة وصعدة".
وأردف: "نشاط القاعدة، وهو في إطار العنف الداخلي، عاد مجددا، واستهدف بعمليات كثيرة قوات المجلس الانتقالي، أو تشكيلته المسلحة، فضلا عن العمالقة، وأيضا هجمات طالت مدنيين، أو إعدامات من هذا القبيل".
وزاد: "بالنسبة لاستهداف السفن التجارية والناقلات النفطية في البحر الأحمر، من حيث المعركة، نقول المواجهة هي مواجهة أمنية، وتطورت إلى مواجهة عسكرية".
واستطرد: "في البداية، كانت مواجهة أمنية؛ لأن الهدف من ما قام به الحوثيون هو هجمات موجهة نحو سفن الشحن التجاري، التي ليس عليها أي معدات عسكرية، يمكنها الدفاع بها عن نفسها، وتطوّر الأمر إلى عملية الإغراق، ونجح الحوثيون في إغراق سفينتين، إغراقا جزئيا أو كليا، واستخدم الحوثيون في ذلك مختلف الأسلحة المتاحة".
وأضاف: "تطورت المواجهة بين هجمات الصواريخ البحرية الموجهة ضد السفن، ثم ظهرت الزوارق غير المأهولة، التي هي وحيدة الاتجاه، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى استخدام الزوارق تحت سطح الماء، التي هي الزوارق الغواصة، وأعلن عن ذلك مؤخرا".
وتابع: "هذا التحول يشير إلى أن هنالك قدرات لدى الحوثيين، ربما هذه القدرات لها جهد داخلي من قبلهم؛ وربما أن هنالك أطرافا دولية أو إقليمية مستفيدة من هذه المواجهة بطريقة أو بأخرى، زوّدتها بهذه التقنيات، أو حتى تشرف عليها بشكل المباشر، لا سيما أن معظم الهجمات التي طالت السفن في المحيط الهندي، وهي على مسافة أكثر من 2000 كم، وأيضا في خليج العقبة، وهي صواريخ فرط صوتية".
وأردف: "هذه الصواريخ لا تمتلكها إلا دول محدودة، وعلى رأس ذلك طبعا في الإقليم إيران، وهذه الصواريخ ظهر نشاطها مؤخرا في شهر ديسمبر الحالي لأكثر من 15 هجمة نحو إسرائيل، حسب ما يتحدث به الحوثيون".
وقال: "نحن نتحدث هنا حسب الإعلام المتاح، ولكن فيما يخص السفن أتصوّر أن المعركة كانت مواجهة أمنية، أو شواغل أمنية أحدثها الحوثيون، وكان إزاءها تحرك دولي لمواجهتها بوسيلة العنف من خلال تحالف الازدهار، أو العملية التي قامها بها بريطانيا وأمريكا، فضلا عن ذلك التحالفات الأمنية للاتحاد الأوروبي، وهو تحالف سبيدس".
وقال: "شنت الولايات المتحدة هجمات على الحوثيين بموجب تفويض من مجلس الأمن، وتحت إطار وقوع ما يجري في اليمن تحت طائلة الفصل السابع، الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين".
- فشل المجتمع الدولي
يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: "حالة التطور، أو حالة انجرار اليمن، أو جماعة الحوثي إلى حرب إقليمية، أو حرب عابرة، هو أيضا بالأساس بسبب فشل المجتمع الدولي في احتواء الأزمة اليمنية، والاصطفاف بصورة جادة وفاعلة مع الحكومة الشرعية في هذا الخصوص".
وأضاف: "أصبحت اليوم اليمن في حالة الاضطراب، الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، خاصة من بعد 7 أكتوبر، وبالتالي أصبحت كثير من الملفات، وربما كثير من القرارات، التي تتخذ في الشرق الأوسط، لم يعد المجتمع الدولي لديه قدرة على التحكم فيها، أو ضبطها، أو حتى الاشتراك فيها، باستثناء القليل منها".
وتابع: "اليوم ،ربما إسرائيل هي الفاعل الأساسي داخل هذه المنطقة، وهي تشكل رأس الحربة، وتراعي المصالح بشكل عام، سواء المصالح الخاصة الإسرائيلية، أو المصالح العامة للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تصدر نفسها -خاصة في اليمن- على أنها الحامية للمصالح الغربية، وخاصة الشركات، كما تدعي بأن الدول الغربية عجزت ربما عن وقف هذه القرصنة، أو الممارسات الحوثية في البحر الأحمر".
وأردف: "المشهد اليوم معقد جدا، خاصة بعد ما شاهدنا في غزة، ثم شاهدنا في جنوب لبنان، واليوم نشاهده في اليمن، هنالك انتهاك واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص، وخاصه ما يتعلق باستهداف المنشآت المدنية، والأعيان المدنية، التي تنص اتفاقية جنيف بصورة واضحة على ضرورة تجنبها، مثل الكهرباء، الملاحات، المطارات".
وزاد: "هنالك إشكالية كبيرة، وهنالك ضغط كبير داخل منطقة الشرق الأوسط، جعلت هذه القيم، التي نتحدث عنها في القانون الدولي، تسقط بصورة كبيرة، خاصة بعد أن سقطت في غزة بصورة مريعة، وظهر الكثير من المتحدثين باسم الأمم المتحدة، أو فلسطين، يتحدثون على أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، اليوم، عاجز عن مناصرة القيم الحقوقية -على وجه الخصوص".
وقال: "ما يحدث في اليمن -للأسف الشديد- هنالك عمليات عسكرية تشكل اختراقا واضحا ومباشرا وضررا كبيرا، ومن يقومون بها هم أطراف لا يهتمون عادة بالوضع الإنساني".