تقارير
حصار وجرائم حرب.. واحدية الحلم والجرح بين اليمن وفلسطين
فلسطين وقضيتها حلم يمني وعربي واحد، وعلى الرغم من الحروب التي عاصرتها اليمن، إلا أن شعبها وترابها ونساءها وأطفالها، وكل شبر فيها، يتفق على أن فلسطين عربية، وإن نصرها يقع على عاتق الجميع.
تزداد الأخبار انتشارا يوما بعد آخر، فاضحة عدوان الاحتلال الإسرائيلي، فيهب اليمنيون من كل مدنهم المغلوبة على أمرها رافعين أعلام فلسطين، وشعار الحرية الأبدي، ولا يمكن أن تجد يمنيا إلا وفلسطين تتربَّع على عرش مجده المنتظر، فهكذا هو اليمني كبُر حرا أصيلا لا يقبل الظلم على أحد.
مليشيا الحوثي تقصف تعز والحديدة ومناطق أخرى كي تمتد يد إيران، لكنها عاجزة -طوال هذه السنوات- عن تحقيق ذلك، وفي المقابل يعيث المجلس الانتقالي في العاصمة المؤقتة عدن والمناطق المجاورة فسادا، بدعم سعودي - إماراتي.
وفي الوقت الذي أحيت غزة قيم المناصرة الشعبية العربية والعالمية، وجد اليمني خذلان العالم الغربي حاضرا في بلاده، ومتجسدا في صمته تجاه حرب إسرائيل المتوحشة على فلسطين.
- التعويل على الشعوب
يقول الباحث في الإعلام والتربية والديناميكيات الاجتماعية، الدكتور كريم مطر: "إن المسيرات الحاشدة، التي تخرج تضامنا مع فلسطين، وضد الاحتلال الإسرائيلي، بالنسبة لنا نحن كشعب فلسطيني شيء يرفع الرأس، ويرفع معنوياتنا بشكل غير طبيعي، وخصوصا الفلسطينيين الموجودين في قطاع غزة".
وأضاف لـ قناة بلقيس: "الناس في غزة يسألونا هل الشعوب واقفة معنا، وأحكي لهم إن الشعوب واقفة معنا بشكل كبير وغير طبيعي، لأننا في الحقيقة ما كنا متوقعين كل هذا الوقوف والتضامن، صحيح دائما الشعوب العربية تقف معنا، لكن في هذه الحرب كمية الوقفات والمسيرات والحشود التي نشاهدها، وحجم المناصرة شيء يرفع الرأس".
وتابع: "مثل ما الجميع يعرف أن الوضع في غزة لا اتصالات ولا إنترنت ولا كهرباء ولا مياه، وفي حال كانت هناك شبكة إنترنت ضعيفة يادوب تكتب رسالة تطمئن على أهلك، لذا الكل في غزة يسألونا نحن الفلسطينيين الذين في الغربة عن الوضع، ونحن نقول لهم إن كل الدنيا تنظر لكم، وكل الشعوب العربية والعالمية واقفة معكم، وهذا الشيء كثير مهم بالنسبة لنا".
وأردف: "نحن جيل عايشنا كل الاجتياحات، قبل الحروب، وولدنا -للأسف الشديد- في هذه الظروف، لكن أنا شخصيا عايشت حرب 2008م، وحرب 2012م، وآخرها كانت حرب 2014م، فيما حرب 2021م، والحرب الحالية ما عايشتها".
وزاد: "أتذكر جيدا حرب 2014م، كيف كان القصف والدمار، وعندما أسأل أهلي عن وضعهم، يقولوا لي إنه اللي أنا شفته في العام 2014م، لا يذكر، كان لعب مقارنة بالذي يحدث حاليا، وفعليا هو كذلك، صحيح كان يحدث قصف أبراج ومدنيين لكن ليس بهذا الشكل، وبهذه الوحشية، بل إن ما يجري الآن في غزة لا يمكن أن يتصوره عقل".
وقال: "أنا كفلسطيني من قطاع غزة، وصلنا إلى مرحلة لا نعول فيها على أحد إلا على الشعوب، فالمواقف الرسمية للحكومات العربية جدا متخاذلة، لذا نحن نتكل على الله ثم على الشعوب الحرة".
وأضاف: "شيء مخزي جدا عندما ننظر لحكومات عربية تطبِّع مع كيان محتل لبلدنا، لذا نحن لا نعوّل على الحكومات، سواء الحكومات التي طبعت، أو التي ستطبّع، أو التي لم تطبّع، فالصمت في هذه المرحلة أساسا تطبيع، وتصريحات الحكومات العربية الخجولة تطبيع".
وتابع: "نحن لم نكن ننتظر الجيوش العربية تشارك معنا وتنضم للمعركة، وما كنا ننتظره هو موقف صريح، أو تصريح جريء من الحكومات العربية فقط، وتقديم المساعدات الإنسانية لأهل غزة".
وأردف: "ليس هناك سبب يخلي حد عربي حر وشريف إنه يصمت بهذا الوقت بالذات، فالحياد في هذا التوقيت خيانة، يا أبيض يا أسود".
وزاد: "أقول للاحتلال شكرا لكم لأنكم صحيتم الشعوب بمجازركم، وصحيتونا نحن أيضا كفلسطينيين، صحيح إن القضية الفلسطينية تأكل وتشرب معنا، ومع الشعوب العربية، لكن أنتم صحيتم هذه القضية فينا أكثر".
- الهوية والانتماء
يقول الباحث في السياسات التربوية والديناميكيات الاجتماعية، الدكتور مجيب الحميدي: "إن اليمن جزء من الأمة العربية والإسلامية، التي تنظر للقضية الفلسطينية بإعزاز كبير، وإذا أردنا أن نفسر قوة الموقف يجب أن نفسره في السياق العربي والإسلامي؛ لأن القضية الفلسطينية تحتل أهمية كبيرة عند المواطن العربي والمسلم".
وأضاف لـ قناة بلقيس: "عندما يكتوي الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، في غزة، بمحارق العنصرية الصهيونية، المسنودة بتحيّز العنصرية الغربية، فإن كل يمني وعربي ومسلم يشعر بالإذلال والمهانة".
وتابع: "إذا أردنا تفسير ذلك بالنظريات الثقافية والاجتماعية، فإنه يمكن تفسيره فيما يتعلق بمفاهيم الهوية والانتماء، فاحترام الأفراد لذواتهم يرتبط دائما بوضع الهوية الجمعية، أو السياق العام الذي تعيش فيه الهوية الجمعية، لذا فإن كل ما تتعرّض له المجموعة التي تمثل الهوية الجمعية، يؤثّر على مشاعر الأفراد".
وأردف: :عندما نشاهد اليوم مشاهد العنف والتهجير والحصار، وكل ما يرافقه، بحق أبناء فلسطين بغزة، فإننا نشعر بالانجراح الكبير على المستوى الشخصي، وثم نشعر بالانتماء الكبير والعميق لفلسطين، كذلك نشعر بتعلق قوي بالقضية الفلسطينية، وبالرغبة الكبيرة بالدفاع عنها".
وزاد: "لأن فلسطين جزء من الأمة العربية والإسلامية، فإن أي عربي وأي مسلم يشاهد ما تتعرض له فلسطين يشعر بهذه المشاعر".
وقال: "نحن لدينا أنظمة عنصرية شبيهة جدا بما يوجد في فلسطين، ومعاناة اليمنيين مع العنصرية العرقية، التي تقوم على خرافة الحق الإلهي في الحكم، وامتلاك الأرض، وأحقية وشرعية ممارسة الظلم والطغيان ضد المخالفين، وممارسة التهجير وتفجير منازل من يرفضون سيطرتها، وتمارس الحصار، حيث تعيش مدينة تعز حصارا منذ تسع سنوات".
وأضاف: "الحصار، الذي تعيشه تعز، يجعلها تشعر بالحصار القائم على قطاع غزة، وهذا يمنحها خصوصية أكثر في الإحساس بمعاناة الشعب الفلسطيني".
- حلم عربي
يقول رئيس مركز البلاد للدراسات، حسين الصوفي: "إن هناك تطابقت بين ما تعيشه مأرب وبين ما تعيشه غزة، فهي تنتمي لذات الهوية، وذات الجرح، وذات الحصار، الذي يُفرض عليها كما يفرض على غزة، لذا مأرب تخرج للتضامن مع غزة؛ لأنها تشعر بما تشعر به غزة من الظلم والخذلان العربي والعالمي، والقصف العشوائي الوحشي".
وأضاف لـ قناة بلقيس: "بسبب الحروب والفتن، التي دخلت الوطن العربي، أصبحت المشاعر أكثر تدفقا وعمقا لدى الشعوب في التعاطي مع القضية الفلسطينية؛ لأن العرب الشعوب العربية أصبحت ترى أن القضية الفلسطينية هي نقطة الضوء والارتكاز التي بعودتها ستعود حقوق العرب بشكل عام".
وتابع: "عندما نتحدث عن الحلم العربي، الذي تربينا عليه منذ الصغر، أتذكر عندما كنا في طابور الصباح، في المدارس والمعاهد العلمية، كنا نتغنى بالنشيد الوطني الفلسطيني، وكانت المسرحيات كلها تتحدث عن فلسطين، والجرح الفلسطيني، ونحفظ كثيرا المعاناة والجرائم التي عاناها، وتعرض لها الشعب الفلسطيني".
وأردف: "نشعر أننا حينما تخلينا عن الشعب الفلسطيني ذقنا من الكأس نفسه، فالمخيمات، التي نُصبت للنازحين في سوريا ولبنان واليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية، نرى أنها نوع من العقاب المتأخر الذي عوقبنا به كشعوب عربية وكأمة عربية؛ لأننا تناسينا، ولم ننجد إخواننا في فلسطين منذ 48".