تقارير
خصومة مليشيا الحوثي مع الجمهورية.. ذكرى ثورة 26 سبتمبر موسم لتصعيد القمع والترهيب
يفترض أن يكون سبتمبر عيداً وطنياً جامعاً، لكنه تحول إلى مشهد قمعي خانق في صنعاء ومدن أخرى، واقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، حيث امتلأت الشوارع بالدوريات والنقاط الأمنية، ولم يُسمح للناس برفع علم أو إطلاق نشيد، بل وفُتِّشَت حتى هواتف النساء بهدف إرهاب المجتمع.
ما يمارسه الحوثيون اليوم على اليمنيين يُعد محاولة لإعادة بناء وتشكيل الذاكرة، بل وتحويل عيد الـ26 من سبتمبر المجيد إلى ذكرى أليمة عند الناس، حيث يتم ربطه باختطافات وقمع وأحداث ستعيش كثيراً في الذاكرة.
- جنون كبير
يقول الباحث في التاريخ اليمني، عنتر الذيفاني: "الحوثي هذه الأيام يعيش حالة هستيرية، وجنونا كبيرا، لأنه ينظر إلى أن سبتمبر هو معركته الكبرى، معركة أن يُنسي الذاكرة اليمنية هذا اليوم العظيم الذي يعد أعظم يوم شرقت فيه الشمس على هذه الأرض".
وأضاف: "يوم 26 سبتمبر هو العدو الأول للحوثي، كونه يمثل يوماً مفصلياً في تاريخ اليمنيين الذي استعادوا فيه كرامتهم وإنسانيتهم وحريتهم وحقوقهم، حتى استعادوا دينهم واستعادوا عبوديتهم لله -عز وجل".
وتابع: "هذا اليوم يتناقض تماماً مع هوية الحوثي ومع فكر الحوثي؛ لأنه يعبر عن هوية هذا الشعب، وبالتالي هو يمارس هذه الاختطافات ويمارس هذا المنع، وهذه الحالة الهستيرية؛ لما يمثل سبتمبر من قيمة عظيمة لدى الشعب اليمني، فهو هوية وهو عقيدة وهو مبدأ".
وأردف: "مهما حاول الحوثي أن يختطف، مهما حاول أن يصنع، فإن حب سبتمبر لدى اليمنيين يجري في عروقهم مجرى الدم".
- مناسبة للقمع والاعتقالات
تقول عضوة اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري: "للأسف، أصبح 26 سبتمبر مناسبة لمزيد من الاعتقالات والمضايقات والقمع للمواطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين".
وأضافت: "الاعتقالات والاختطافات، التي تمت في محافظات عدة، ربما لا توجد محافظة من محافظات المناطق التي تحت سيطرة جماعة الحوثي لم تتعرض لاعتقالات وإخفاءات قسرية خلال الفترة الماضية، خاصة منذ بدء المواطنين والمواطنات الاستعداد للاحتفالات بذكرى ثورة 26 سبتمبر".
وتابعت: "المؤسف، أن هذه الاعتقالات لم تقتصر على أي فئة من فئات المجتمع اليمني، فأثناء عمليات المداهمات التي قامت بها جماعة الحوثي، واقتحامات لمنازل في مديريتين في السوادية وردمان آل عواض في البيضاء كمثال، وفي مديرية أرحب وبني مطر وهمدان في صنعاء، وصلت الحملات إلى القرى وقامت بمحاصرة المنازل بسبب قيام أطفال وطلاب بإيقاد الشعلة والاحتفال بذكرى 26 سبتمبر".
وأردفت: "هذه المداهمات للمنازل لم تمس فقط الشباب والأطفال واعتقالهم ونشر الرعب في أنفسهم، بل وصلت أيضاً إلى الأمهات والزوجات، وكان هناك كثير من أعمال المضايقات، وأن الأمهات هن من قمن بالتشجيع وتوفير مستلزمات إيقاد الشعلة والاحتفال".
وزادت: "جماعة الحوثي قامت بعمليات الاعتقالات في مديريات نائية وبسيطة، وبعض الاعتقالات تمت أثناء قيام شباب في مرحلة الثانوية ونهاية الإعدادية بالصعود إلى التباب والجبال في القرى لإشعال الشعلة أو ترديد أغاني وطنية".
وقالت: "كان هناك أيضاً في هذه القرى في اليومين السابقين نزول للمدارس وعملية تهديد ووعيد للطلاب والمعلمين".
وأضافت: "الموضوع لا يتعلق بالاحتفال أو الغناء فقط، بل حتى في موضوع التواصل بين الأهالي في مناطق الحكومة الشرعية والأهالي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، يتم عملية الرقابة والتفتيش والمتابعة لهذه التواصلات، وبالتالي أي حديث أو تناول لموضوع 26 سبتمبر يكون هنا محلاً ومدعاة لمسألة الاعتقالات".
وتابعت: "أيضا تم اعتقال البعض فقط بسبب تعليقات في منصات 'إكس' أو 'فيس بوك"، تعليقات بسيطة على منشورات أو إبداء الإعجابات على بعض القصائد أو أبيات الشعر التي تمجد وتذكر بثورة 26 سبتمبر".
وأردفت: "نحن نتابع من وقت مبكر منذ بدء هذه الاعتقالات، هناك لقاء وتواصل مع أمهات أو زوجات عدد من المعتقلين الذين تم اعتقالهم واختطافهم، والبعض طبعاً معروف أماكنهم مثل أقسام الشرطة في المديريات، لكن في بعض المحافظات، مثل أمانة العاصمة، للأسف أن غالبية من تم اعتقالهم حتى هذه اللحظة لا تعرف أسرهم أماكنهم ولم يتم التواصل معهم".
- سبتمبر يرهبهم
يقول السياسي والدبلوماسي الدكتور محمد جميح: "الحوثيون -كما هو معروف- أخذوا الأمر بالتدرج، ففي العام الأول لدخولهم صنعاء نعرف أنهم ذهبوا إلى الشعلة، وأشعلوا شعلة سبتمبر، وما تلاها من أعوام، إلى أن أوضحوا منهجهم بشكل واضح لا شبهة فيه، يلاحقون من يحملون الأعلام بصنعاء، ويفتشون تلفونات النساء والشباب والكبار والصغار بحثاً عن صورة للعلم".
وأضاف: "قال لي البعض في صنعاء إن بعضاً من النساء فُتِّشَت تلفوناتهن ثم لم يجدوا شيئاً فقالوا: أين صورة السيد؟ لماذا لا تضعون صورة السيد على التلفون؟، يعني يريدون من امرأة، وقد تكون متزوجة وتضع صورة رجل آخر على تلفونها، هؤلاء بلغوا منتهى الوقاحة".
وتابع: "سبتمبر هي فكرة ترهبهم، ونحن الذين نكون مخدوعين إذا صدقنا أنهم يمكن أن يتساهلوا مع سبتمبر، لأن سبتمبر يعني المفاصلة النهائية مع الإمامة".
وأردف: "الحوثيون الآن هم يقولون إن عبد الملك هو 'علم الهدى'، هم لا يريدون أن يقولوا إنه إمام، لكن عندما ترين تفاصيل وأوصاف 'علم الهدى'، هي المواصفات التي وضعها الهادي، ومن بعدهم للإمام، لكنهم يريدون تحاشي كلمة إمام".
وزاد: "نحن نذكر في العام الماضي أو الذي قبله عندما ظهر بعض الناشطين الإعلاميين الحوثيين يتكلمون أن أي فتاة تحتفل بسبتمبر أو تحاول ترفع العلم أو تنزل إلى الشارع للتعبير عن ابتهاجها في سبتمبر، فهي (...) مستخدمين عبارة لا أريد أن أذكرها هنا، لأن فيها قدح في الأعراض، لكن هذه هي بضاعتهم".
وقال: "نحن لا نستغرب عندما نجد أن فلاناً منهم الآن يستخدم الأعراض سلاحاً في المعركة، لأن عندما تقرأ كتب السابقين منهم تجدينها مليئة بالسب والقذف، حتى إنهم يقولون إن من لا يحبهم هو ابن زنا".
وأضاف: "هم يستخدمون هذا السلاح لأنهم يعرفون أنهم يعيشون في مجتمع قبلي محافظ، من أجل أن يقمعوا، يعني أنا لو كنت أباً -على سبيل المثال- أو كنت زوجاً في صنعاء أو في هذه المناطق، يعني أخاف أن تنالني حملة تشويه إذا ما أرادت زوجتي أو أرادت ابنتي أن تحتفي بذكرى سبتمبر بفعل هذا الترهيب".