تقارير
ثورة 26 سبتمبر.. كيف يمكن للأجيال أن تصون عهد سبتمبر وتحمي مكتسباته؟
يُحيي اليمنيون الذكرى الـ63 لثورة 26 سبتمبر، الثورة التي كانت قطيعة مع قرون من الوصاية والعزلة، وفتحًا لأبواب التعليم والعدالة الاجتماعية والجمهورية.
عودة الإمامة بوجهها الجديد عبر انقلاب ميليشيا الحوثي على الدولة شكلت أخطر مراحل الثورة المضادة التي تنوعت أدواتها من الفساد إلى تجريف الهوية ومصادرة حقوق الناس وحرياتهم.
يدرك اليمنيون أن فرحتهم بثورة 26 سبتمبر لم تعد مجرد مناسبة، بل فعل مقاومة يومي ضد القمع ومحاولة للخلاص، واليوم، بعد 63 عامًا، يتجدد السؤال الجوهري: كيف يمكن للأجيال أن تصون عهد سبتمبر وتحمي مكتسباته من الطمس؟ وهل يكفي الاحتفاء الشعبي السري لردع ماكينة المحو المنظمة، أم أن الثورة بحاجة إلى مشروع وطني جديد يوازي عظمة لحظة انطلاقها الأولى؟
- خطورة الحوثي
يقول الكاتب والباحث مطهر الصفاري إن هناك تشابهًا في بعض الحالات فيما نعيشه اليوم في ظل انقلاب ميليشيا الحوثي وما كان أجدادنا يعيشونه قبل قيام الجمهورية، لكنها حالات جزئية تدل على مؤشرات الانحراف عن أهداف الثورة والجمهورية التي أعقبتها.
وأضاف: لكن الفرق شاسع وكبير جدًا بين ما كان قبل 1962 وما بعده، حيث كان حينها ثقافة تجسدها أسرة أو مجموعة أسر تدعي مزاعم الحق الإلهي بأحقيتها واستحقاقها الوحيد للسلطة، وكانت السلطة مصدر صراع داخل هذه الأسر الهاشمية نفسها.
وتابع: جاءت ثورة 26 سبتمبر ليس مجرد تكرارٍ للكثير من الثورات التي شهدتها الدول العربية، بل هي حالة مؤجلة وامتدادٌ لتجارب في محاولة إصلاح نظام دولة الأئمة، سواء عن طريق النصح الذي مارسه الأحرار مثل محمد محمود الزبيري، أو من خلال الثورة الدستورية عام 1948 التي حاولت الإبقاء على شكل النظام الإمامي مع إحداث نوع من المؤسسية والدستور، لكنها فشلت.
وأردف: استمرت المحاولات، وكانت تحدث محاولة كل سبع سنوات تقريبًا؛ فكانت المحاولة الثانية في 1955 التي قادها الثلايا ونجحت لنصف شهر ثم تم وأُدّها، إلى أن تكررت في عام 1962 وكانت تعبر عن إرادة يمنية بالدرجة الأساسية، ثم حالة التعاون والدعم الذي مارسته جمهورية مصر العربية.
وزاد: حتى بعد انسحاب مصر من اليمن في 1967، أثبت الشعب اليمني أن الثورة هي إرادة يمنية، فحمى جمهوريته ودولته وخطى خطوة نحو التفاهم والتشارك وفق أسس الجمهورية، لكن ظلت عملية الإصلاح تُرحَل الأسباب الحقيقية التي تكمن في الادعاء بأحقية السلطة.
وقال: الإماميون حاولوا التكيف ضمن منظومة السلطة وتوزعوا الأدوار بين القوى السياسية وظلوا يشتغلون في إطار لوبي متخادم، وبعد عام 2000 نفخوا في مسألة التوريث لعلي عبد الله صالح وشجعوه على الانحراف عن مسار الثورة، فخلقوا صراعًا ووسعوا الفجوة بين الصف الجمهوري، وما جرى في 21 سبتمبر 2014 من انقلاب هو حصيلة لعملية الانحراف عن أهداف الثورة ومحاولة تفريغها والعودة إلى الماضي.
وأضاف: الحوثي الآن مسيطر على السلطة، وخطورته تكمن في استمرار هذه السيطرة التي ستنعكس على الحريات وتغيير المناهج، لكن مع ذلك فالممارسات القمعية تذكر بعظمة سبتمبر.
وتابع: الثورة كانت مرتبطة بقيم رفض العبودية والخرافة والامتهان، وأهم أهدافها كان إزالة الفوارق بين الطبقات، وهذا ما يُضرب اليوم.
وأردف: ما يطيل هذه المعركة هو الخلافات داخل الصف الجمهوري؛ فبدلًا من توحيد القوى لاستعادة الدولة، بدأ البعض بتشكيل نماذج خاصة في مناطق سيطرته.
وزاد: القوى في الصف الجمهوري بحاجة إلى تبني استراتيجية التواضع والتصالح، والتخلي عن المصالح غير المشروعة، والتوحد وفق الدستور والقانون في إطار مؤسسات الدولة.
- ثورة ضد الإمام
تقول الباحثة في العلوم السياسية ملاك المقطري: في السابق كانت مشاركة المرأة مشاركة خفية بحكم القبيلة والزمان، لكنها شاركت بشكل أو بآخر؛ لكن اليوم ميليشيات الحوثي تقمع المرأة وتهمشها وتعتقلها حتى تقتلها، وتكبّت صوت الأطفال والنساء وتروعهم، وتمنع المرأة من التعليم وحتى من الكلام.
وأضافت: اليوم المرأة اليمنية تكافح من خلال تعليمها ورفضها ومشاركتها، حتى بتربية أبنائها على المسار الصحيح، فهي بذلك تحارب الحوثي.
وتابعت: نذكر دور المرأة اليمنية من خلال "تحفة حبل الشرعبية" التي قادت ثورة ضد الإمام، واليوم، عندما يتم مهاجمة النساء الواعيات واعتقالهن، فهذا يؤثر على المجتمع كله، لأن دور المرأة الأساسي هو تربية جيل واعٍ.
وأردفت: الحوثي استهدف النساء بالدرجة الأولى بتجهيلهن واعتقالهن وتجنيدهن، وهذا أبشع شيء؛ فالمرأة التي تدرس اليوم يرونها عدوًا لهم لأنها واعية وترفض مشروعهم الكهنوتي.
وزادت: أن تُمحى ذاكرة سبتمبر من المناهج الدراسية جريمة وأداة تخيف الحوثيين في نفس الوقت؛ فمجرد التذكير بـ26 سبتمبر يجلب لهم الرعب، لذا هم يعملون على مسحها، لكن في المقابل يجب علينا تذكير الناس بها عبر الإعلام والأسر.
وقالت: الحوثي يخاف من مجرد الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، لأنه يعرف أن هذه الذكرى تستهدفه بطريقة أو بأخرى.
وأضافت: نحتاج إلى سبتمبر جديد، فنحن اليوم نواجه الفكر الإمامي بالتوعية الذاتية داخل الأسر وبرفض أفكار الحوثي، لذا نحتاج إلى خطوة جدية بتوحيد الصف ومعركة حسم عسكري، فالقوة الناعمة وحدها لن تكفي.
وتابعت: الشعب في مناطق الحوثي منهك ويحتاج إلى ثورة سبتمبر أخرى، لكن لا يجد من يتبنى موقفه؛ فرفع العلم عند الحوثي جريمة، لكن الكثيرين يرفعونه، وفي المقابل يواجهون السجون والاعتقال.
- عيد وليس ذكرى
يقول الكاتب والباحث سمير مريط: في البداية أتمنى أن نعمم مصطلح "العيد" بدلًا من "الذكرى"، فالذكرى تحتمل أن تكون سعيدة أو حزينة، لكن هذا هو عيد قطعًا، فالحوثيون يسمونها الذكرى، لكن بالنسبة لنا هي العيد.
وأضاف: ثورة 26 سبتمبر بالنسبة لنا كعشقنا للحرية هي رمز لتحررنا ووجودنا وحياتنا بكرامة، وهي أكبر من الحوثيين بكثير، وهي السيف البتار الذي سيقضي عليهم ويسحقهم سحقًا، وكل ما يصنعونه بالشعب اليمني من اختطاف وقمع وتهجير وتعذيب لن يغفره لهم سبتمبر ورجاله.
وتابع: من الوهم أن يعتقد أحد أن سبتمبر يضعف أو يغيب؛ هو يحضر بقوة، واليوم نشاهد كيف يحتفل به أبناء الشعب في مواقع التواصل وفي الشوارع، فسبتمبر ليس مجرد احتفاء، بل هو سلاح وظهر وسند وإلهام لمواصلة المعركة.
وأردف: ما يقوم به الحوثي يدل على أن سبتمبر يؤلمه ويوجعه، وهذا إرث 63 عامًا؛ فمن الذي سيطمسه؟ بالعكس، ممارسات الحوثي البائسة ستعيد الناس للبحث عن تفاصيل سبتمبر، ونحن بدورنا نرسخ سبتمبر للأجيال عبر الحديث عنه والاحتفاء به، ونصنع طقوسًا تخلد في ذاكرة أبنائنا.
وزاد: سيأتي يوم وستعرفون أن عشاق سبتمبر والسبتمبريون الجدد هم الأصدق والأكثر استعدادًا للتضحية.
وقال: لست أخجل من الاحتفاء بسبتمبر، بل أفتخر به، وليعلم الحوثي أننا نوجعه حتى بمجرد احتفائنا، ولولا ذلك لما سجن الرجال والنساء بسبب هذا اليوم.