تقارير
ذكرى الجلاء 30 نوفمبر.. عيد وطني على هيئة عزاء بفقدان السيادة اليمنية
الـ30 من نوفمبر عيد جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، لكنه يعود اليوم بذكرى تحمل الكثير من الدخلاء شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وحتى عبر البحر والصحراء، وما زلنا نردد في كل نشيد: "لن ترى الدنيا على أرضي وصيا".
يتساءل اليمنيون عن الحال الذي تعود فيه الأعياد الوطنية اليوم، وهو سؤال على عمقه يفتح أبوابا من الندوب التي يعانيها اليمني؛ جراء الحرب والنزاع والصراع، طيلة الأعوام الماضية.
اختفت الهيمنة البريطانية عن ملامح الدولة اليمنية، وعادت هيمنة الجار بدعوى ردع المليشيا، لكن المليشيا أفرغت قوامها، وتشكلت تحالفات كثيرة، وبقي البلد مفرغا من سيادته وقراره.
يحتفي اليمنيون اليوم بذكرى انتزاع الحرية من براثن المحتل البريطاني، ورحيله إلى الأبد، رغم كل التكالب التي حيكت في ليلة ظلماء على الوطن وأبنائه، ويتذكرون فيها نضال الأجداد، وهم يرسمون طريقا للنور والحرية، ويحاولون فهم طبيعة الصراع داخل البلد، اليوم، وأبرز أسبابه، ولماذا يبدو وضع البلاد مسلوبا أمام الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية؟
- الرضوخ للاستعمار
يقول عضو اللجنة المركزية للتنظيم الشعبي الناصري، علي الضالعي: "يوم الـ30 من نوفمبر كان تتويجا لنضالات سابقة عرفتها المنطقة منذ أول لحظة دخل فيها الاستعمار إلى عدن؛ وجُوبِه بالمقاومة، فاستشهد الشهيد العزيبي، واستمرت الانتفاضات في مختلف المناطق عبر السلطنات المحميات، والمشيخات، التي كانت مقامة في ذلك الوقت".
وأضاف: "يوم الـ30 من نوفمبر كان تتويجا لتلك الانتفاضات، التي -للأسف- لم تتمكن من الانتصار؛ بسبب عدم وجود القاعدة التي ينطلق منها المناضلون، لكن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، وجد المناضلون القاعدة؛ لأن بمجرد قيام الثورة تدافع المناضلون من مختلف مناطق الوطن شماله وجنوبه، بالإضافة إلى دعم سخي من مصر العروبة، وجمال عبدالناصر".
وتابع: "بالرغم من وجود الاستعمار، كانت عدن قاعدة لكل المناضلين الأحرار من شمال الوطن أو جنوبه، كان المؤتمر العمالي يقود الحركة الوطنية بشكل غير عادي، حيث كانت تصدر بعدد خمس صحف يومية، وكانت أول مدينة حضارية في شبه الجزيرة العربية".
وأردف: "الزحم الثوري عكس نفسه يوم أن قامت ثورة 26 من سبتمبر بتدافع الناس للدفاع عن الثورة، وتثبيت النظام الجمهوري، ثم انتقل ذلك الزخم نفسه إلى جنوب الوطن؛ بعد أن فجرت الثورة في جبال ردفان، سواء كانت الجبهة القومية في البداية، ثم جاءت جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوة الثورية، وشارك الجميع، وتحمل أبناء عدن ونساء عدن دورا كبيرا في حماية العمل الفدائي".
وزاد: "أي فدائي كان يعمل عملية يدخل أي بيت، ويُحمى من قبل إخواتنا وأمهاتنا وبناتنا في ذلك الزمن، والآن -للأسف- بدأت النعرات المناطقية".
وقال: "مليشيا الحوثي، بمؤامرتها في 21 سبتمبر، أرادت إسقاط النظام الجمهوري، وإعادة اليمن إلى عهد النظام الملكي، وإعادة حكاية الرعوي والسيّد، تريد أن يعود تقبيل الرُّكب".
وأضاف: "تفاءلنا خيرا عندما جاء التحالف العربي لإسقاط هذا الانقلاب، لكن -للأسف الشديد- عندما كانت القوات على أبواب الحديدة، وعلى القرب من صنعاء، ظهر الاستعمار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاستعمار البريطاني عبر أدواتهم، وقالوا: لا، صنعاء والحديدة خط أحمر، وحولوا الموضوع من المرجعيات الثلاث إلى قضية ميناء الحديدة".
وتابع: "للأسف أن إخواننا في التحالف العربي رضخوا للضغط الاستعماري الأمريكي - البريطاني، ورفعوا أيديهم".
وأردف: "جاء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي جابوا سبع مليشيات، وجابوا الأخ رشاد العليمي حاكما بينها، وأنا قلت في يومها في أبريل 2022، إذا تمكن رشاد العليمي من توحيد هذه المليشيات السبع في جيش وطني واحد، وأمن واحد، لن تصمد مليشيا الحوثي، لكن استمرار هذه المليشيات؛ كل مليشيا لوحدها وكل مليشيا تعمل لارتباطات خارجية، نحن -للأسف الشديد- في مرحلة معاناة".
وزاد: "بارقة أمل ظهرت هذا الشهر بتشكيل التكتل الوطني من كل القوى السياسية، نأمل أن يتحمل دوره، والمؤشرات تقول إن الأمور ما زالت غير واضحة، والتمزق قائم، ولا مخرج للوطن إلا بتحالف حقيقي بين كل القوى الوطنية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، فالوطن يتسع للجميع ما عدا الذين يريدون أن يعيدوا النظام الملكي إلى الوطن".
-فكرة يجب أن تبقى
يقول الكاتب الصحفي أحمد حميدان: "أولا نهنئ شعبنا اليمني في الشمال والجنوب، الشعب المكلوم اليوم، الذي يتعرض للتجويع والفقر والمهانة، بعد أن كان آباؤه وأجداده قد سطروا هذه الملاحم البطولية، ومرغوا أنوف البريطانيين في أرضنا الطاهرة عدن، التي كانت منارة ثقافية وفكرية، منها تخلقت فكرة الاستقلال، ودعمت، وكانت قلعة من قلاع المشروع القومي العربي والإسلامي، الذي كان تشكل بقيادة جمال عبد الناصر".
وأضاف: "نحن نهنئ هذا الشعب المكلوم، ونقول له إن فكرة الاستقلال يجب أن تبقى وتعيش في كل إنسان شريف ومناضل وتوّاق للاستقلال اليوم أو غدا، فالقوى الرجعية والقوى الاستعمارية لا يمكن أبدا أن تسمح لك أن تنهض أو أن تحقق الانتصار الكامل".
وتابع: "قد يكون تعرض مشروعنا لكثير من الانكسارات والخذلان، والكثير من الناس الذين تضرروا، وأصبح الاستقلال، اليوم، بالنسبة لهم شيئا هامشيا، وبعضهم حتى بدأ يشيطن الثورة، وعادت الكثير من المشاريع الاستعمارية، التي قام الاستقلال باجتثاثها".
وأردف: "الاستقلال، الذي قام في عدن، هو أراد أن تكون دولة وطنية، لكن البريطانيين حاولوا قدر المستطاع أن يجدوا البديل، وحاولوا أن يصنعوا كيانا بديلا لهم قبل أن يخرجوا من عدن، وتركوا هذا البديل، مثله مثل الدول الوظيفية، التي نشاهدها اليوم في الجوار؛ التي تقوم بدور وظيفة المستعمر في كثير من القضايا، وكان يراد لعدن أن تكون هكذا، لكن عدن؛ لأن الوعي الثوري كان فيها مرتفعا جدا، وكانت قبلة للصحفيين والمثقفين والأكاديميين والشعراء من المنطقة، رفضت أن تسمح للمستعمر أن يملي على الشعب اليمني في كثير من القضايا".
وزاد: "خرجت عدن ولازلنا نتذكر اليوم الزحف المقدس، الذي قام به أبناء عدن إلى المجلس التشريعي، رافضين رفضا قاطعا أي كيان استعماري، أو ما كان يسمى بالجنوب العربي، هذا الكيان الذي كان يراد له أن يكون بديلا للمستعمر يدير عدن كدولة وظيفية".
وقال: "أصر الفدائيون بكل مكوناتهم (جبهة التحرير والجبهة القومية)، كنت في تلك الأيام طفلا وعمري قرابة 15 سنة، لكن كنت أرى الفدائيين كلهم في جبهة واحدة، وكنا نرى في البيت الواحد جبهة التحرير والجبهة القومية، وكنا نشاهدهم أثناء الكفاح المسلح جميعهم في مواجهة المستعمر".
وأضاف: "ما حدث فيما بعد كانت فتنة المستعمر، حيث كانت من ضمن سياساته، فرّق تسد، وكان لا بُد أن يغرس هذه الفتنة، وبدأت أولا بقتل روح الاستقلال والروح الوطنية بين أوساط الناس، خلال تطعيم السلطات بعناصر مندسة هذه العناصر المندسة، كانت تحاول أن تشوه المشروع الوطني، كان في الجنوب أو في الشمال".
وتابع: "كل الشعب يعرف ما الذي حصل للشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، وللكثير من مناضلي جبهة التحرير في داخل عدن، وللكفاءات والقدرات والكوادر من أبناء عدن، الذين كانوا يمثلون الإدارة العامة لهذه المدينة، وكان الجنوب يعتمد عليها".
وأردف: "نحن نحتفل بعيد الـ30 من نوفمبر؛ لنعيد للاستقلال روحه الحقيقية، فالاستقلال يعني أن نحفظ سيادة الأرض وكرامة الإنسان".
وزاد: "الاستعمار اشتغل على التناقضات، وللأسف الشديد هناك الكثير من العقول والمثقفين أصيبوا بداء هذه التناقضات، وانجروا مع هذه الزوبعة، التي صنعها، والبعض يعتقد أنه على حق في كثير من القضايا".
-محطة رئيسية
يقول نائب مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء، متعب بازياد: "إننا، في هذه اللحظات الحاسمة من حياة شعبنا، يجب أن نبحث عن نقاط الضوء في تاريخنا السياسي، وأيضا المحطات الملهمة لشعبنا، التي فعلا كانت منطلقا لوحدة وطنية، ولدولة وطنية على مستوى اليمن كافة، وهذه هي حصاد ثورة سبتمبر وأكتوبر، التي توجت بحركة وطنية يمنية واعية لمشروع اليمن الكبير، وقضية الاستقلال والسيادة".
وأضاف: "صحيح أن 30 نوفمبر حقق الاستقلال لمدينة عدن الحبيبة من براثن الاستعمار البريطاني، لكن الأهم من ذلك، الذي اقترن بهذا الإعلان هو قضية الوحدة الوطنية الكبيرة، التي اقترحتها الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل بتوحيد المحميات الشرقية والغربية مع العاصمة عدن المستعمرة السابقة".
وتابع: "هذه الوحدة الأكبر والأوسع في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، التي فعلا واصل الثوار ورجال الثورة اليمنية كفاحهم من أجل توحيد اليمن بعد حوالي 20 عاما من الثورة".
وأردف: "نحن اليوم في هذه المحطة، نراجع هذا المسيرة الكفاحية لشعبنا اليمني، ونستلهم من هذه المحطات الفارقة ما يعيننا على الصمود والبقاء والكفاح لبناء الدولة التي نسعى لبنائها، وهي دولة المواطنة، ودولة الشراكة الوطنية، والتوزيع العادل للثروة".
وزاد: "هذه كانت المحطة الرئيسية، التي توقفنا فيها في الحوار الوطني، وكانت كفيلة بحل كل هذه الإشكاليات، وهذه المراجعات، لكن الانقلاب الحوثي كان قد أوقف هذه المسيرة الإصلاحية والتصحيحية لمسار الثورة ولتحقيق أهدافها".
وقال: "يجب أن نتكتل الآن خلف هذا المشروع الوطني، مشروع الحوار الوطني، الذي أصبح وثيقة وطنية محلية ودولية وإقليمية، وننطلق منها نحو بناء الدولة في المستقبل".
وأضاف: "أنا أعتقد أن هذا يسهل علينا مهمة بناء السلام في المستقبل؛ كوننا لدينا منطلقا كبيرا خلاف غيرنا في الإقليم، وفي المنطقة الذين لا يزالون يبحثون عن مشتركات".