تقارير

رغم الحرب.. اليمنيون يتمسكون بفرحة العيد وطقوسه التي لا تموت

09/06/2025, 08:32:05
المصدر : قناة بلقيس - خاص

في بلد  يتربص به الفقر من كل زاوية وتنهشه الحرب منذ أكثر من عقد، يواصل اليمنيون التشبث بحبل الفرح، ولو من خيوط بالية.

 يأتي عيد الأضحى في اليمن أو كما يسميه الكثير ”العيد الكبير”، كمناسبة استثنائية تُستنفر لها المشاعر والتقاليد، وتُستعاد فيها الروابط المنسية رغم كل شيء.

في كل عام، ومع اقتراب أيام ذي الحجة، يبدأ المزاج اليمني بالتحول التدريجي نحو طقوس العيد. في الريف والمدن، تتغير إيقاعات الحياة: تكثر التحضيرات، ترتفع وتيرة التسوق والبحث عن الأضاحي، وتتنوع حكايات الناس، كلٌّ يحتفل بما يستطيع.

رغم أن غلاء الأسعار بات يفرض نفسه ضيفًا ثقيلاً على موائد العيد، إلا أن الناس لا يزالون يصنعون الفرحة بوسائلهم المتواضعة. 

في الأحياء المكتظة بتعز وعدن وصنعاء، وفي القرى المحاصرة من كل الجهات، لا يزال اليمني يرى في العيد فرصة للفرح، وللصلاة، ولصوت التكبير المتصاعد من جنبات المساجد في الفجر، ولضحكات الأطفال المرتبكة في عباءاتهم الجديدة، وأحذية العيد التي قد لا تكون أكثر من نسخ رخيصة لكنها تكفي لصناعة لحظة سعادة.

يوم مختلف

يُعرف عيد الأضحى في اليمن بـ”العيد الكبير”، وهو اسم لا يتعلق بفخامة الطقوس بقدر ما يتعلق بكثافة الشعور الديني والاجتماعي الذي يصاحب هذه المناسبة. 

وتبدأ طقوس العيد منذ صباح يوم عرفة، إذ تتعالى التكبيرات في المساجد، ويتهيأ الناس لصلاة العيد التي تُقام في “مصليات” مفتوحة في الساحات العامة، حيث يتوافد الأهالي من الأحياء والقرى المجاورة.

في هذه الصلوات، يندمج الناس معًا في لحظة نادرة من التساوي، لا أحد يسأل عن طبقة أو انتماء، وتكون الصلاة مقدمة لسلسلة طويلة من الطقوس الاجتماعية: الذبح، والزيارات، وتوزيع العيديات، وإعداد الولائم لمن استطاع إليها سبيلاً.

لكن وراء هذا المشهد الروحاني، يقف الواقع الاقتصادي كجدار صلب، فهناك كثير من الأسر باتت عاجزة عن توفير أضحية، أو حتى شراء كيلو واحد من اللحم. 

وقد تجاوز سعر الخروف في بعض المناطق مليون ريال يمني، أي ما يعادل راتب موظف حكومي لعام كامل.

 وبينما ترتفع أسعار اللحوم إلى أرقام خيالية، تتراجع القدرة الشرائية للمواطن، الذي غالبًا ما يجد نفسه في مواجهة قاسية مع أولاده في صباح العيد.

ورغم ذلك، فإن اليمني لا يستسلم بسهولة، في بعض القرى، تتشارك عدة أسر في شراء ثور واحد، يذبحونه في الساحة، ويقسّمونه بأنفسهم، لا حاجة لجزار، ولا لتكييف لحفظ اللحوم، القلوب تنضجها النار، والكرم يغلب الحاجة.

أما في المدن، فقد تخلّت كثير من العائلات عن فكرة الأضحية، لكنها لا تزال تحرص على كسوة الأطفال، وعلى دعوة الأقارب إلى وجبة بسيطة، قد لا تزيد عن طبق آخر لكنه مشبع بالحب والواجب الاجتماعي.

النساء يصنعن البهجة والأطفال يحملونها

للنساء اليمنيات علاقة خاصة مع الأعياد. فهن صانعات الطقس وروح البيت، وهن من يحفظن للمناسبات بهجتها، ولو عبر تفاصيل بسيطة. 

منذ الأيام الأخيرة لشهر ذي القعدة، تبدأ النساء في إعداد الحلويات التقليدية، مثل الكعك والقديد والمبطن، وتحضير ملابس العيد، وتزيين البنات بالحناء، وتحديد جدول الزيارات النسائية.

العيد بالنسبة للمراة اليمنية ليس فقط لحظة فرح، بل أيضاً لحظة مقاومة للحرب، للغياب، للفقد، وللفقر، وحتى للوحدة.

 في اليمن المرأة هي من  تنسج الخيوط المتبقية من العائلة، وتعيد وصل ما انقطع بسبب الشتات أو الغربة أو النزوح.

أما الأطفال، فهم ضوء العيد، لا شيء يشبه عيونهم في الصباح، وهم يتسابقون في الأزقة لعرض أحذيتهم الجديدة، أو لتبادل الألعاب.

 هناك أطفال في اليمن لم يذوقوا طعم الأضحية يوماً، لكنهم يعرفون أن العيد يعني كسوة جديدة وقطعة حلوى وفسحة، ولو إلى حديقة بسيطة أو على أطراف الجبل.

في الأرياف، يستيقظ الأطفال باكراً لمرافقة آبائهم إلى مصلى العيد، ثم يرافقونهم لرؤية الذبائح، في مشهد يصبح جزءاً من وعيهم الجمعي تجاه طقس التضحية والمشاركة.

 وتكثر خلال العيد حفلات الزواج، لا لأنها موسمية فقط، بل لأنها فرصة نادرة لجمع العائلات المشتتة بسبب النزوح والحرب.

حتى زيارة القبور، وهي طقس راسخ لدى اليمنيين في العيد، لا تخلو من مشاعر مركبة تجمع بين الحزن والوفاء والحنين. 

يحمل الناس المشاقر والماء ، ويمضون إلى قبور أحبائهم في الفجر أو بعد الصلاة مباشرة، يقرؤون الفاتحة، ويبكون قليلاً، ثم يعودون إلى يومهم الممتلئ بالتزامات العيد.

ورغم قتامة المشهد العام، إلا أن العيد يظل نافذة صغيرة تطل منها الروح على الأمل، هو مساحة زمنية محدودة لكن ضرورية، يعيد فيها اليمني ترتيب ذاكرته، ويمنح نفسه استراحة، ولو ليومين، من أخبار الحرب، وأعباء المعيشة، والمستقبل الغامض.

وهو كذلك اختبار اجتماعي حقيقي لمدى بقاء النسيج اليمني، رغم كل محاولات التمزيق، وتأكيد على أن هذا الشعب، الذي يكاد أن يغرق في اثار الحرب، لا يزال حيًّا، يحتفل، ويذبح، ويضحك، ويقاوم بطريقته، ولو ببساطة طبق كعك، أو فستان طفلة، أو دعاء على قبر أم.

تقارير

تواطؤ أممي وتحايل حوثي.. كيف تحولت "نوتيكا" إلى منصة لتهريب النفط وتمويل الحرب؟

كانت السفينة «صافر» العائمة قرب سواحل اليمن في البحر الأحمر تُعد قنبلة موقوتة، لكن بفضل الأمم المتحدة، تحولت إلى قنبلتين، وفوق ذلك أصبحت أداة جديدة لتعزيز اقتصاد ميليشيا الحوثي الحربي، ووسيلة لتربّح الموظفين الأمميين، ومحطة لعبور النفط الإيراني والروسي المهرّب.

تقارير

كيف استلهم الحوثيون مساوئ الطائفية في إيران وبعض الدول العربية؟

بعد استكمال سيطرتها على المساجد في المدن الرئيسية وإغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم فيها، بدأت مليشيا الحوثيين حملة ممنهجة للسيطرة على المساجد وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن في المدن الثانوية والأرياف النائية، ويتخلل ذلك حملات قمع وترويع واعتقالات، مثل قتل أحد أبرز معلمي القرآن في محافظة ريمة، الشيخ صالح حنتوس، والسيطرة على عدد من المساجد في بعض أرياف محافظة إب بعد طرد أئمتها أو اعتقالهم، وتنفيذ حملات اعتقال واسعة في المحافظة ذاتها، وامتداد هذه الحملة إلى محافظة البيضاء، وقد تتسع في الأيام المقبلة لتشمل مناطق أخرى تسيطر عليها المليشيا.

تقارير

سبع سنوات من العجز.. هل تحولت "أونمها" إلى غطاء أممي للحوثيين؟

رغم فشلها الذريع في أداء مهامها طوال أكثر من سبع سنوات، صوّت مجلس الأمن الدولي، اليوم الاثنين، على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) حتى 28 يناير 2026، ما اعتبره مسؤولون يمنيون ومراقبون بمثابة "شرعنة أممية للعبث الحوثي"، وتكريس لوضع شاذ يخدم المليشيا على حساب المدنيين والدّولة اليمنية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.