تقارير
رمضان في تعز .. أجواء روحانية على وقع التقاليد المتوارثة
تمضي الحياة، في شهر رمضان الحالي بمدينة تعز، بأيقاع مغاير، وأجواء مختلفة لا تخلو من بعض الروحانية المعهودة في سنوات ما قبل الحرب، التي طوت منذ اندلاعها في العام 2015 العديد من التقاليد الرمضانية المتوارثة، ما انتقص من خصوصية هذا الشهر ومزاياه التي استمدها طويلاً من عُمق الموروث الشعبي.
وتنشط الحركة في الشوارع، كما تزخر الأسواق بالعديد من السلع التقليدية والأكلات الرمضانية الشعبية، التي تحظى بإقبال ملحوظ من قبل المواطنين، الذين -وإن تدهورت أوضاعهم المادية- يواسون بعضهم ويتفقدون الفقراء منهم، ويمدون لهم يد المساعدة، وذلك بقدر المستطاع.
وترسل الأسر الميسورة قبيل موعد الإفطار لنظيرتها الفقيرة مما لديها من مأكولات رمضانية جاهزة، كما ينتشر الشباب في مختلف الشوارع والأزقّة والأحياء، ويوزّعون التمر والماء على المارّة ليفطروا بها، كما يقول مواطنون لموقع "بلقيس".
ويحاول السكان في مدينة تعز استعادة تلك الأجواء الرمضانية، التي ألفوها في الماضي، ويحييون بعض الأنشطة الرمضانية، التي انصرف عنها الكثيرون، لتردّي أوضاعهم الاقتصادية والأمنية، وغلاء الأسعار والمعيشة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانقطاع الرواتب وفقدان مصادر الدخل.
وتنشغل عشرات الأسر بتوفير المواد الغذائية الأساسية، في حين تراجعت قدراتها الشرائية، وأضحت شبه عاجزة عن تأمين قوتها اليومي، بفعل الحرب والحصار المطبق على المدينة من قِبل مليشيا الحوثي، وذلك للعام الثامن على التوالي.
ويصعب عليها جلب مستلزمات رمضان، والقيام بطلاء المنازل، وتنظيفها، وتبخيرها، وتجديد أثاثها، وتزيين واجهاتها، وتعليق الفوانيس عليها، وإنارة الشوارع والأزقة والأحياء، وهي تقاليد رمضانية تناقلتها الأجيال المتعاقبة في مدينة تعز، وارتبطت بتراثها الشعبي العريق.
-إيقاع الحياة
وقلّت وتيرة العديد من التقاليد الرمضانية بما فيها الإفطار الجماعي، وتبادل الزيارات الليلية، والسمر الجماعي، وإقامة الأنشطة الرياضية والثقافية، وإحياء العديد من المجالس الرمضانية بالذكٍّر، والموشّحات، والموالد النبويّة.
وغابت السباقات المتنوعة، التي كان ينظّمها البعض، في مجالات قراءة القرآن، والشعر، والثقافة العامة، إلى جانب الأمسيات الرمضانية، والحافلة بمطالعة كتب التفسير والفقه، والسيرة، والحديث وغيرها، يذكر مهتمون لموقع "بلقيس".
وفرض "كوفيد - 19"، في موجته الرابعة، بعض القيود على تحرّكات وطقوس وتقاليد المواطنين الرمضانية، إذ أُلزم البعض البقاء في المنزل وحده، وهجْر تجمعاتهم ولقاءاتهم الرمضانية الليلية، الهادفة إلى مناقشة مختلف الأوضاع والمشاكل الأسرية والمجتمعية، ووضع حل لها.
أُفقد ذلك الشهر الكريم جزءا من نكهته وطابعه الخاص، وتفاصيله الجميلة، التي كانت تميّزه عن غيره من أشهر السنة.
ويحنّ سكان المدينة، الواقعة جنوب غرب البلاد، إلى بعض العادات والتقاليد الرمضانية، التي شكّلت على مدى عقود، هُويتهم وثقافتهم وملامح ماضيهم، في حين أضحت اليوم مجرد ذكريات مبهجة بالنسبة لمن عرفها وعايشها، وتوطّدت علاقته بها، وذلك في أكثر من موسم رمضاني.
ويقول أحمد عبدالرزاق -إمام جامع- لموقع "بلقيس": "نحاول إحياء بعض الطقوس والتقاليد الرمضانية، التي غيّبتها الحرب والحصار والأوبئة، من أجل استعادة أجواء شهر رمضان وروحانيته".
-روحانية
ويضيف: "الروحانية موجودة إلى حد ما في هذا الجامع الأثري، وذلك أسوة بأي جامع قديم آخر، وتقام فيه العديد من الطقوس والأنشطة، التي تعزز قيم التراحم، والتآخي، والتكافل، خصوصاً في هذا الشهر".
وخلّف غياب بعض التقاليد الرمضانية فراغا في نفوس المواطنين، إلا أن ذلك لم يمنعهم من استعادة الأجواء الرمضانية القديمة، واستشعار تلك الروحانية، التي لطالما كانت تشعرهم بالطمأنينة والراحة والهدوء والسكينة.
ويربط البعض بين تواري بعض التقاليد الرمضانية، خلال السنوات الأخيرة، وبين غياب الأمن والاستقرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية واضطراب الوضع المصرفي في مدينة تعز، وغيرها من المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
ويرون أن الحياة الرمضانية كانت، في سنوات ما قبل الحرب، عامرة بالاطمئنان والراحة والأمان، طبقاً للمواطن عبد حسن، الذي ذكر لموقع "بلقيس": "كنا قبل الحرب نحيي الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة، لأننا كنا نشعر بالأمن، ولا نبالي بما سيحدث، ولكن حالياً هناك ترقب وخوف وحذر".
ويجد آخرون تشابهاً بين أجواء رمضان السابقة والحالية، كما يشعرون بروحانية الماضي، ويقودون محاولات لإحياء شهر رمضان بالطريقة القديمة، وهي مساعٍ ملحوظة، ومقتصرة على بعض الأسر.
-تقاليد وطقوس
ويقوم البعض نهاراً بالتسوّق، والعمل، وأداء العبادات، كما يحيون، في المساء، بعض التقاليد الرمضانية كالإفطار والسمر العائلي وصلة الأرحام، ومناقشة الهموم، والمشاكل الأسرية والعامة.
ويحرص المواطن أحمد السقاف على استعادة أجواء وروحانية رمضان القديمة، من خلال التفرّغ للعبادة، وجلسات الذكّر، والدّعاء، وقراءة القرآن، ويلفت إلى أن رمضان شهر استثنائي، ومتفرّد بروحانيّته، وله إيقاعه الفريد، الذي تصنعه سلسلة من العادات والتقاليد الرمضانية".