تقارير

شيطنة السعودية ليس حلا.. ما خيارات اليمنيين أمام التفاهمات السعودية - الحوثية؟

31/01/2023, 07:11:11

يترقب اليمنيون  وقد نفدت الخيارات على كثرتها، وتبددت الآمال بحلول هدنة أممية مستمرة، توقف نزيف الدم ومعاناة النزوح، ففي وسط كل ما يحدث تظهر اتفاقية وشيكة بين السعودية ومليشيا الحوثي بوساطة عمانية.
حيث يعتبر اليمنيون المفاوضات الجارية بين السعودية ومليشيا الحوثي خطوة كبيرة لتجاهل حقوقهم ومطالبتهم بالحصول على دولة ذات سيادة وطنية، وقرار مستقل، التي تظهر فيها مليشيا الحوثي أنها الكاسب الأكبر والأقدر على فرض شروطه اللا متناهية.
ما يجري 'من وجهة نظر اليمنيين- هو استسلام لا سلام وتكريس للحروب والفوضى على حساب أمنهم واستقرارهم، وعلى حساب حرمان ملايين النازحين من العودة إلى ديارهم، فما خيارات الحكومة اليمنية أمام التفاهمات السعودية - الحوثية، وما الذي يمكن أن يحققه المجلس الرئاسي والبرلمان، ومن بعدهم المكونات السياسية، لليمنيين وسط ما يحدث؟

- مشكلة مركَّبة وفشل سياسي

يقول المحلل السياسي أحمد شوقي: :إن الجانب اليمني لن يطلق أي موقف تجاه التفاهمات الجارية بين السعودية ومليشيا الحوثي، ما لم يتم الإعلان عن هذه التفاهمات بصورة رسمية، وإن حصل اتفاق وكان اتفاقا مجحفا لن تسعى الحكومة إلى الصدام مع السعودية، وهذه مسألة مفهومة على المستوى السياسي".

وأضاف: "هناك أمر مرتبط بالقرار السيادي اليمني، حيث يفترض أن تحاول الحكومة اليمنية امتلاك القرار السيادي الذي تحمي من خلاله إرادتها وإرادة شعبها، إذا كان هناك تفاهمات من هذا النوع، وعليها أن تختار المسار الذي ترى أنه الأنسب في ظل ظروفها وواقع البلد".

وتابع: "مسألة تمثيل اليمنيين تتعلق بتركيبة الشرعية والقوى التي انضوت فيها، والمشكلة مركبة منذ بداية هذه الحرب، ومن قبل هذه الحرب، حيث كنا نمتلك نظاما سياسيا هزيلا، كان يرأسه الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، وهذا النظام السياسي مكون من ائتلاف سياسي ضعيف، ومن أحزاب سياسية تكاد تتناهش فيما بينها".

وأشار إلى أن "عاصفة الحزم جاءت لتوحد الجهود، وهو الخيار الذي يفترض أن تلجأ إليه القوى السياسية والأحزاب، لكن فشل القيادة السياسية في قيادة المعركة وإهمالها، واعتمادها على المقاومات الشعبية في الداخل وعلى الدعم الخارجي، وكأن الخارج سيأتي ليخوض المعركة نيابة عنا، وهذا الفشل هو ما راكم هذه الاحتقانات، وعزز من مسألة الانقسامات المليشياوية داخل الجيش".

وقال: "نحن اليوم لدينا على الساحة اليمنية، الإصلاح وقطاع عسكري يتبعه، ولدينا طارق صالح وقطاع عسكري يتبعه، ولدينا قطاع الانتقالي، والقطاع الرابع هو الذي يتبع مليشيا الحوثي، وهذا الانقسام الذي وجد على مستوى الجيش، والقوات المسلحة، انعكس في صورة صراعات وأمراء حرب ومصالح ترتبت على الحرب القائمة، فكيف سنجد من يمثل اليمنيين؟".

وأضاف: "مستوى التطور والوعي الاجتماعي -للأسف الشديد- في حالة متدنية، وكان يفترض خلال الفترة التي حكم فيها علي عبدالله صالح، حدث تطور اجتماعي حقيقي، وأن هذه المليشيات لا تكسب الحاضنة الشعبية التي تدعمها".

وفي تعليقه عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، يقول شوقي: "إن المجلس الرئاسي كان حالة إنقاذية، بصرف النظر عن الدور الخارجي، والدور الداخلي أيضا الذي أعطى الشرعية لهذا الكيان".

وأضاف: "كان يفترض تشكيل المجلس الرئاسي إنقاذ لما أفسدته مرحلة الرئيس عبدربه منصور هادي، ولكن كان هناك حالة من السذاجة والعته السياسي لدى بعض القوى التي لديها أجنحة عسكرية، والتي لم تفهم حتى اليوم أن مليشيا الحوثي سواء اتفقت مع السعودية أو لم تتفق، ففي حال استمرت بإحكام قبضتها وتحسنت أوضاعها قليلا من الناحية العسكرية والمادية، فإنها لن تعذر أحدا".

وأشار إلى أنه "في حال رفع التحالف قبضته عن اليمن، فإن مليشيا الحوثي ستجتاح كافة المناطق المحررة بصرف النظر عن هويات الأطراف، سواء كان شماليا أو جنوبيا أو انتقاليا، أو مقاومة وطنية أو غيرها".

وأكد أنه "يجب على جميع الأطراف أن يتداركوا الموقف، وأن يفهموا بأن الدعم الخارجي ليس شيكا على بياض، وأن القبول الداخلي أيضا ليس شيكا على بياض، وأن العجز الحوثي ليس شيكا على بياض، وعليهم ترتيب أوضاعهم، وأن يحترموا أنفسهم، ويحترمونا ويحترموا المعركة التي نخوضها، التي يجب أن نحسمها".

ولفت إلى أن "الإثارة الإعلامية للتسريبات حول التفاهمات بين السعودية ومليشيا الحوثي، بصرف النظر عن حقيقتها أو عدم القدرة على بناء أحكام عليها، لكنها أيضا قضية مهمة من أجل لفت الانتباه للسؤال الذي هرمنا جميعا ونحن نفكر فيه، ما الذي سنفعله في حال وجدنا أنفسنا في مواجهة مباشرة مع مليشيا الحوثي؟".

وقال: :نحن لسنا ضعفاء، لكن لدينا متخاذلون وانتهازيون وخونة في صفوفنا، وهم من يعملون على إفشال هذه المعركة، وتمكين مليشيا الحوثي من اجتياح المدن والمحافظات والسيطرة على البلد ومقدراته".

واعتبر أن "الأحزاب السياسية -للأسف- فقدت القدرة على طرح أسئلة كثيرة جدا، وأن تحاسب، وأن تطرح قضايا مصيرية وجوهرية للقتال والدفاع عنها، بل تمت السيطرة عليها، وتفريغ دورها، إما من خلال شلل سيطرت على قراراتها وقواعدها واتجاهاتها السياسية، أو من خلال عملية التهميش التي مورست خلال فترة الرئيس هادي على هذه الأحزاب، ومصادرة قرار الشرعية كله في شخصه".

وأضاف: "الجميع يعرف أن الآلية كانت تقوم على مسألة التوافق، وأن القوى السياسية شريكة في صناعة القرار  السياسي، لكن الرئيس السابق أخذ كل هذه الصلاحيات لحماية نفسه، وأصبح يصدر القرارات، ويعيٍّن بنفسه بصورة غائبة ومنفصلة تماما عن الواقع".

وتابع: "اليوم في صورة المجلس الرئاسي أصبح لدينا زعماء لقطاعات عسكرية، وهذه القطاعات لم يتم دمجها وهيكلتها إلى اليوم، لكن يظل لدينا في السلطة الشرعية بعض الأمل في الرئيس الدكتور رشاد العليمي"، مشيرا إلى أن "هناك أنباء تتحدث عن بشائر تتعلق بخطوات الرئيس العليمي، خلال الفترة القادمة، بأن يتخذ قرارات تتعلق في الجانب العسكري والهيكلي".

 وفيما يتعلق بالنخب قال شوقي: "نحن في مجتمع لم يعد يحتكم لا للنخب سياسية ولا للنخب الثورية، وذلك نتيجة الانتهازية التي مورست خلال الفترة الماضية".

- ما خيارات الحكومة؟

من جهته، يقول الباحث السياسي، البراء شيبان: "ليس هناك أي تفاهمات واضحة، وكل ما يدور حتى الآن هو عبارة عن تسريبات وإشاعات، لكن هناك أسئلة يبحث اليمنيون عن إجابتها من الحكومة لأكثر من 8 سنوات، ما خيار الحكومة الشرعية في حال قرر التحالف إنهاء تدخلاته في اليمن، واهتم فقط بتأمين حدود المملكة العربية السعودية، وهل هي جاهزة وقادرة على حماية مصالح اليمنيين في حال تركت في مواجهة مباشرة مع مليشيا الحوثي؟".

وأشار إلى أنه "يجب أن يكون هناك إدراك بأن مليشيا الحوثي تريد -من خلال هذه التفاهمات- تحييد سلاح التحالف حتى تتمكن من التفرغ لحربها الداخلية مع اليمنيين، لأنها تعتقد أن وجود التحالف يعيقها عن السيطرة على الداخل اليمني".

وتساءل شيبان: "اليمنيون يعرفون ما الذي تريده مليشيا الحوثي، فهي لا تحارب فقط الدولة اليمنية، وإنما تحارب أيضا هوية اليمنيين، وكل ما يمس الجمهورية اليمنية، فهل الحكومة الشرعية جاهزة لهذا السيناريو؟".

وأضاف: "للأسف، الحكومة الشرعية حتى الآن تبدو غائبة عن المشهد، وغير حاضرة، بل إنها غير مواكبة حتى على المستوى الإعلامي مع الداخل اليمني، وهذه مشكلة كبيرة، لأنها عندما تتعاطى فقط أنها مسؤولة إعلاميا أمام التحالف، وليس لديها مسؤولية أمام الداخل اليمني، هذا المشهد أقل ما يقال عنه إنه مشهد فوضوي وملخبط، لا يمت لمصالح اليمنيين بصلة".

وتابع: "عندما يكون للحكومة مشروع يمثل الجمهورية اليمنية في وجه مليشيا الحوثي، فهي بحاجة إلى قيادة ومؤسسات تعمل من الداخل، لكن هذه الحكومة حتى الآن لا تريد أن تواجه اليمنيين بحقيقة المشهد، فهي لديها شرعية دولية، واعتراف دولي، وهذا شيء جيد، لكنها لا تستطيع أن تمارس سلطتها على الأرض، ولا تستطيع مصارحة اليمنيين بما يدور على الأرض، وهذه هي المشكلة الكبيرة".

وأردف: "في نهاية المطاف، إذا ليس لديك مؤسسات تعمل من الداخل فمهما كان لديك من شرعية دولية واعتراف دولي يعتبر هذا منقوصا، وهي المشكلة الأساسية التي تعاني منها الشرعية في هذه المرحلة، والفراغ الذي تحاول أن تستثمره مليشيا الحوثي في هذه المفاوضات مع السعودية، وفي كل مرة تسرب خبرا جديدا بأنها على وشك الاتفاق، لأنها تريد أن تقدم نفسها وتنتزع الورقة التي لا تمتلكها وهي الشرعية، وتريد أن تقول إنها وقعت اتفاقا بشكل منفرد مع السعودية، وأنه ليس هناك أي مبرر لعدم حصولها على اعتراف دولي كسلطة أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها".

وأشار إلى أنه "بإمكان الحكومة اليمنية أن ترفض أي اتفاق على أساس أن هناك دولة معترف بها وهناك تمرد"، مؤكدا أن "الخارج لا يستطيع إملاء كل شروطه ما لم تكن الساحة اليمنية غير جاهزة لمثل هكذا اتفاق"، موضحا أن "الساحة اليمنية اليوم غير جاهزة؛ لأن مليشيا الحوثي ليس لديها استعداد للاتفاق مع بقية اليمنيين على الحد الأدنى من قيام الجمهورية اليمنية".

- الدور السعودي

من جهتها، تقول المستشارة في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، بلقيس اللهبي: "منذ متى كان الملف اليمني ليس ملفا سعوديا؟"، مشيرة إلى أنه "منذ ما قبل الحرب والعالم لا ينظر إلى أمن اليمن ولا إلى سياستها أو مشاكلها إلا من بوابة السعودية، لأنها بلد في خاصرة السعودية، وتسبب قلقا كبيرا لهذا البلد النفطي الغني".

وأفادت اللهبي بأن "التفاهمات بين السعودية ومليشيا الحوثي هي تفاهمات حقيقية وموجودة، ووصلت إلى حدود عالية، وهناك اختلاف على تفاصيل فقط".

وأضافت: "نحن نعلم أن المجلس الرئاسي كُون بإرادة سعودية - إماراتية وما خلفهم، وأعضاؤه حتى الآن أشبه بموظفين، وفي المقابل هناك مليشيا الحوثي التي استطاعت عبر حرب مع دولة واهنة أن تقوي إرادتها بحيث أنه أصبح ندا لها، ويستطيع التفاوض معها".

وترى أنه -إلى الآن- "لا يوجد من يمثل اليمنيين، والنخب السياسية والشبابية وغيرها لا يوجد لها منبر تتحدث منه".

وأشارت إلى أن "لو لم تكن السعودية قد تعبت من حرب اليمن، وتريد لها مخرجا يحفظ لها ماء الوجه، لما اتجهت إلى هذه التفاهمات"، مضيفة: "نستطيع القول أن هناك مصلحة سعودية في هذه المفاوضات، وما مهد لها ذلك أن جميع هذه المؤسسات التي نتحدث عنها تتسلم رواتبها من السعودية".

وأوضحت: "نحن عندما نتحدث عن اليمنيين لا نتحدث عن مليشيا الحوثي، ولا المجلس الرئاسي، وإنما اليمنيين الذين لا صوت لهم، وليس هناك من يمثلهم، لا المجلس الرئاسي ولا الحكومة ولا البرلمان".
واعتبرت أن "الإشكالية في أن فترة نظام صالح لم تفرز السياسي المنتمي إلى جماهيره، وكانت فيها العلاقة بين الناخب والمنتخب علاقة مشوهة إلى حد كبير، لذا لم يكن هناك ارتكاز على أرضية الناخب".

ولفتت إلى أن "السعودية دائما تدخل في مثل هذه العلاقة مع اليمن، تقف مع حليف دون آخر، كما حدث في 1962م، حيث وقفت مع الملكية، ووصلت إلى مرحلة معينة، وتخلت عن الملكيين، وأصبحت الجمهورية اليمنية حليفا لها، بل دخلت في علاقة شبه وصاية مع النظام الجمهوري".

وقالت: "السعودية تستطيع الآن، بعد أن اشتركت في تحالف كبير مع الشرعية، أن تنتقل إلى الضفة الأخرى، فهي ما تزال تمتلك الأدوات ذاتها التي تستخدمها، المتمثلة بالمال السياسي، والعلاقة برؤوس القبائل والعسكريين، وما إلى ذلك، بل وتستطيع أن تدير مثل هكذا تحالف".

وتساءلت: "أين تقف الحكومة الشرعية؟ وأين تقف الأحزاب السياسية والفاعلون المدنيون بشكل عام؟".
وفي حديثها عن خيار الشارع اليمني، تقول اللهبي: "الناس اليوم بدون رواتب، وحالتهم المعيشية غير عادية، والكلمة أحيانا تجعل الشخص يدفع ثمنها حياته، لكن من الجيد أن يتحد الجميع الآن تحت حالة الرفض المطلق والقول لن يمر هذا الاتفاق حتى على جثتي، والمطالبة بالضغط لمعرفة تفاصيل ما يحدث، هل ما تزال الحكومة المعترف بها في المشهد أو لم تعد موجودة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تمثل هذه الاتفاقيات مصالح اليمنيين؟ وكيف تسمح السعودية لنفسها أن تتفاوض على مصالح اليمنيين ودولتهم القادمة مع مليشيا لا تمثل اليمنيين في أي حال من الأحوال؟".

وأضافت: "شيطنة السعودية ليست حلا، وإنما الأفضل تكوين رأي عام ندي إلى حد ما، والخروج من مربَّع الهجاء إلى إيجاد حل داخل هذه المشكلة".

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.