تقارير
عدن تغرق بالسيول.. أين ذهب المليار دولار المخصص للصرف الصحي؟
سيول جارفة داهمت البيوت على رؤوس ساكنيها، جرفت السيارات من الشوارع، وشلّت الحركة في أحياء بكاملها لتتحول العاصمة المؤقتة عدن إلى مدينة مشلولة.
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها عدن أمطاراً بهذه الغزارة، لكنها المرة الأشد قسوة والأكثر كشفاً لهشاشة بنيتها التحتية، كمدينة بلا شبكات تصريف مياه، تغرق عند أول اختبار موسمي، لتتحول الأمطار إلى كابوس يهدد حياة الناس.
الأزمة ليست مناخية فحسب بل سياسية وإدارية في المقام الأول، فمنذ سنوات تُنفق مئات الملايين من الدولارات تحت لافتة مشاريع المياه والصرف الصحي، بينما تغرق شوارع عدن بالمجاري مع كل هطول مطري.
مليار دولار مخصص لهذه المشاريع وحدها بين عامي 2015 - 2024، لكن ما على الأرض لا شيء من ذلك. أين ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا يغيب المجلس الانتقالي والحكومة والتحالف في لحظة اختبار كهذه؟ ومن يحاسب تلك المنظمات التي تسلّمت التمويلات باسم اليمنيين؟
-عدن مدينة منكوبة
يقول الصحفي الموالي للمجلس الانتقالي صلاح السقلدي: "هذه الأمطار التي حصلت فجر يوم أمس ليست كبيرة قياساً بالأمطار التي حصلت في السنوات الماضية، ولكن رغم أنها ليست كبيرة، إلا أنها كشفت كثيراً من المساوئ وكثيراً من كومة الفساد التي تعتري محافظة عدن والمشاريع التي تم التلاعب فيها والمناقصات التي تم الاحتيال باسمها".
وأضاف: "رغم ذلك، السلطات المحلية ومحافظ عدن، أحمد حامد لملس، يبذلون جهداً كبيراً، فهذا ما شاهدناه يوم أمس".
وتابع: "ما حدث يوم أمس كارثة بكل المقاييس؛ لأنه إذا كانت الأمطار تفاقمت أكثر ربما كان سيكون هناك ضحايا أكثر. فهذه السيول كشفت أولاً أن هناك بناءً عشوائياً بشكل واضح دون تدخل السلطات، وهناك بناء في مجاري السيول، واختلالات في المشاريع خصوصاً في الطرقات السريعة، وتكدس للقمامة وغيرها من المساوئ".
وأردف: "المهمة كبيرة أمام المحافظ والسلطات المحلية في وضع نعرف تماماً أن البنية التحتية فيه منهارة قبل أن تأتي هذه الأمطار، فلا وجود حتى لما يسمى بالدفاع المدني الذي يفترض أن يكون من أساسيات هذه المدن خصوصاً في مثل هكذا كوارث".
وأشار إلى أن "السيول جرفت الأتربة وغيرها إلى البيوت، خصوصاً في الأحياء الواقعة تحت جبل شمسان وفي سفحه، أما الأحياء الأخرى التي لا تطل عليها جبال فقد غرقت شوارعها في السيول، وكونت بحيرات آسنة".
وزاد: "هذا الوضع لا يمثل فقط تحدياً للمشاريع وتضرراً للمنشآت وأملاك الناس، بل قد تكون له تبعات صحية إذا بقيت هذه المستنقعات كما هي".
وقال: "نعرف تماماً أن القمامة مكدسة في كل الشوارع، والأتربة في كل مكان، ومخلفات البناء في كل حي وحارة، وهذا الوضع بحاجة إلى وقفة جادة".
وأضاف: "نحن نناشد كل السلطات وبالذات الحكومة والرئاسة إذا كانت هناك رغبة للتدخل وإنقاذ هذه المدينة المنكوبة بمن يحكمها، وليس فقط المنكوبة بالكوارث".
وتابع: "إذا كانت عدن رمز المدن ويفترض أن تكون العاصمة، أو كما يسميها البعض العاصمة المؤقتة، فهي بحاجة إلى خدمات وبنية تحتية أكثر. لا كهرباء موجودة، ولا وجود لشبكات مياه بالمعنى، وهناك أحياء انقطعت عنها المياه تماماً، والكهرباء طافية منذ بداية المطر".
-فساد السلطات والمنظمات
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية عبدالواحد العوبلي: "المليارات التي عمل على رصدها وإصدار تقارير حولها، يمكن أن تصل إلى أكثر من 28 مليار دولار؛ دخلت اليمن عبر ما يسمى خطة الاستجابة والأمم المتحدة".
وأضاف: "هناك أكثر من 33 مليار دولار أخرى جاءت عبر دول الخليج، السعودية والإمارات والكويت وغيرها".
وأشار إلى أن "هذه المليارات لم يتم الاستفادة منها، لا سيما وأن أكثر من مليار دولار رُصدت لمشاريع الصرف الصحي والمجاري".
وتابع: "منذ بداية الانقلاب الحوثي، هذه الأموال ذهبت أو خُصصت لمشاريع مفترض أنها موجودة، أو كانت بناءً على أرقام سابقة قبل 2014، ولم يتم تحديث أي بيانات أو التواصل مع السلطات المحلية سواء في تعز أو عدن أو المناطق التي بحاجة إلى هذه المشاريع".
وأضح: "تم التنفيذ بناءً على ما تريده منظمة اليونيسف ووفق مصالحها وبما يتناسب مع رواتب موظفيها".
وأردف: "لم يكن هناك أي تنسيق، والمفترض أن لا تأتي أي تمويلات إلا بتنسيق مع الحكومة اليمنية، بحيث تُصرف في القطاعات المتوافقة مع احتياجات السكان الطارئة والملحة"، مستدركًا: "لكن الحاصل أنه للأسف الشديد سيئ الذكر".
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء الأسبق، معين عبدالملك، كان يتسول باسم اليمن، وفي الأخير هذه الأموال كلها تذهب إلى مليشيا الحوثي وإلى جيوب المنظمات، وتستهلك في مصارفهم التشغيلية".
وقال: "نحن نتحدث عن أكثر من 30 مليار دولار وصلت اليمن، كانت قادرة على بناء يمن جديد ومدن جديدة لليمنيين منذ عام 2015 وحتى اليوم".
-شبكة قديمة
تقول رئيسة "مؤسسة أكون للحقوق والحريات"، لينا الحسني: "ما حصل في عدن، يوم أمس، ليس بتلك الكارثة الكبيرة، لكن ما حدث كشف عن كارثة مختفية لسنوات، أي أنه لا يوجد دفاع مدني ولا خطط للطوارئ في البلد، ولا نملك أي شيء نبدأ منه في حال حدوث الكوارث".
وأضافت: "أحب أن أُذكّر بشيء بسيط عن هشاشة البنية التحتية؛ شبكات الصرف الصحي قديمة، تعود إلى ما قبل 1990؛ أي قبل الوحدة، ولا تغطي سوى 40% من مدينة عدن، وهي غير مصممة للطاقة الاستيعابية الحالية".
وتابعت: "الشبكة صُممت في وقت كان عدد سكان عدن لا يتجاوز 500 ألف نسمة، بينما اليوم يتجاوز 3 ملايين نسمة، وليس هناك تنظيف أو صيانة".
وأردفت: "شبكة الصرف الصحي هي الشريان لأي مدينة في العالم، وفي عدن هذا الشريان مسدود ومزدحم، ومع أول قطرات مطر بسيطة ينهار".