تقارير
على الرغم من مخاطرها.. مشاريع المياه التجارية تغطي احتياجات البيوت بصنعاء
بعد طول معاناة مع توفير المياه عبر الصهاريج “الوايتات”، انتهت مشكلة عبدالرحمن الحمادي الذي يعيش شمال العاصمة صنعاء، وصارت المياه تتوفر على مدى الشهر بعد ربطه من الشبكة التجارية من بئر خاصة تقع في نفس الحي الذي يعيش فيه.
الحمادي الذي اشترك في مشروع المياه التجاري قبل ما يقارب أربعة أشهر، يشعر بفارق كبير عن الفترة السابقة التي كان يمد المنزل بالماء عبر الوايتات التي تكلف أضعاف السعر، وتحتاج إلى متابعة وتواصل مع مالكيها حتى يحصل على المياه.
يقول الحمادي في حديثه لـ”بلقيس”: الاشتراك بالمشروع مكلف في البداية، حيث يحتاج المشترك إلى تكاليف شراء العداد الذي يصل سعره إلى ٢٠ ألف ريال، والأنابيب التي ترتبط بالشبكة الرئيسية في الحي، لكن بعدها تشعر بالفارق، وبارتياح من توفر الماء على مدى الشهر.
قطاع تجاري مربح
تعاني العاصمة اليمنية صنعاء من مشاكل مزمنة في توفير المياه للمنازل، ولم تكن شبكة مشروع المياه الحكومي تغطي سوى ٣٠% من الأحياء السكنية، وتسببت الحرب في تدمير وتهالك أجزاء كبيرة منها، علاوة على أن التوسع العمراني قلص نسبة المساحة المستفيدة من الشبكة إلى حد كبير.
ونظرًا لغياب المشاريع الحكومية، اعتمد الأهالي بدرجة رئيسية على الوايتات في جلب المياه إلى المنازل، والتي تكلف في حدودها الدنيا 6000 ريال للوايتات الصغيرة إذا كان المنزل قريبًا من البئر، وتصل إلى قرابة 15 ألف ريال في حال كان حجم الوايت أكبر، أو المسافة كبيرة بين البئر والمنزل، أو هناك مشاكل في توفر الديزل.
ونتيجة لهذا الوضع المائي المتعثر على مدى عقود من الزمن، اعتبر كثير من المستثمرين التجارة بالمياه، وبيعها للبيوت عبر الوايتات أو الشبكة الخاصة مربحة، فارتفعت أعداد الآبار إلى مستويات قياسية، على الرغم من تحذيرات المنظمات الدولية والمختصين بخطورة استنزاف حوض صنعاء بشكل جائر، وتعريضه للجفاف.
وبحسب إحصائيات وزارة المياه والبيئة، فقد بلغ عدد الآبار في حوض صنعاء ما يزيد عن 14,600 بئر حتى 2007م، مما يشكل خطرًا يهدد بنفاد المخزون، لا سيما أن الاستهلاك السنوي يصل إلى 258 مليون متر مكعب مقارنة مع الكم المتجدد سنويًا في الحوض والذي يتراوح ما بين 80 إلى 120 مليون متر مكعب فقط.
وعلى الرغم من العدد الكبير للآبار، إلا أن مؤسسة المياه والصرف الصحي لا تمتلك منها سوى 125 بئرا، تعرضت أكثرها للجفاف، كما يؤكد المهندس عبدالواحد الجمالي، الإداري السابق في المؤسسة.
اليوم هو الأهم
لا يهتم المواطن عبدالله سيف بتفاصيل مخزون المياه الجوفية لحوض صنعاء، أو بتقارير المنظمات الدولية التي تصنف اليمن ضمن أكثر 10 دول فقيرة بالمياه، بقدر ما يهتم بحصوله على المياه للمنزل بانتظام، وسعر أقل عبر شبكة المياه التجارية أو غيرها.
ويؤكد سيف أن تكاليف المياه بعد الاشتراك في المشروع تتراوح بين 300 إلى 4000 ريال شهريًا، فيما كانت في السابق تكلف أضعاف هذا المبلغ عبر الوايتات، على الرغم من الترشيد والحرص الشديد في الاستخدام، وهذا ما يؤكده تقرير البنك الدولي، الذي يوضح أن تكاليف المياه التي توفرها الصهاريج في عام 2018 بلغت سبعة أضعاف سعر مياه المشاريع الحكومية في صنعاء.
يقول المهندس الجمالي لـ”بلقيس”: على الرغم من الفوائد التي يلمسها المواطن عند اشتراكه بمشاريع المياه الخاصة، إلا أنه لا يدرك حجم الخطورة التي سيلحقها التنافس في الاستثمار بالمياه الجوفية على مستقبل البلاد وأجيالها القادمة.
ظهور شبكات المحسوبيات والرشاوي
فيما يرى المواطن التوسع في مشاريع المياه التجارية مخرجًا لمشكلة المياه التي ظلت تثقل كاهلهم سنوات طويلة، يرى المختصون أن المشاريع ليست إلا حلولًا مؤقتة سيكون لها الكثير من العواقب الكارثية في المستقبل، خاصة أن عمليات الحفر عشوائية ويشوبها الفساد.
وبحسب المهندس الجمالي، فإن تصاريح الحفر تخضع للمحسوبيات والواسطات، وتتجاوز القوانين والسياسات التي تضعها الدولة، خاصة في سنوات الحرب التي رافقتها الكثير من المخالفات.
وفي السياق، يؤكد تقرير المركز اليمني للسياسات، حول عشوائية حفر الآبار الجوفية بصنعاء، فشل وقف الحفر غير القانوني لآبار المياه، على الرغم من قانون المياه الوطني الصادر في عام 2002، الذي يشترط الحصول على تصاريح تسمح بعملية حفر آبار جديدة.
ويوضح أنه في ظل غياب الضوابط المنظمة، وعدم إنفاذ القوانين ذات الصلة، فإنّ التصاريح تصدر عبر الرشاوي والتسهيلات التي توفرها شبكة المحسوبيات، مما سمح في حالات عديدة لشخصيات تنتمي إلى طبقة النخبة وتتمتع بالنفوذ، مثل المسؤولين الحكوميين وزعماء القبائل، بحفر آبار المياه بشكل غير قانوني ومن دون مساءلة.
ولم تُصب مشكلة انهيار القوانين والسياسات المنظمة للعديد من الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية، ومنها ضوابط الاستثمار في المياه الجوفية، لصالح المستثمرين من دون أن تلحقهم تبعاتها، حيث وجدوا أنفسهم في وقت لاحق عرضة للجبايات والرسوم غير القانونية، وتحولوا إلى أهداف سهلة لعمليات الابتزاز.
وبصمت، يضطر مالكو الآبار إلى دفع الجبايات، ويخشون من الحديث عن مشاكلهم، ومعاناتهم مع الجهات المختصة، خوفًا من إثارة سخطهم، والقيام بممارسات انتقامية.