تقارير
في تعز.. المآسي ترافق المهمَّشين النازحين حتى الخيام!!
قبل أسابيع، كانت الأُسر النازحة من فئة المهمِّشين تبحث لأطفالها عن مكان في المدارس الحكومية المجاورة لعدد من المخيمات في مدينة تعز، لكنها لم تتمكن من ذلك، فالمدرستان المجاورتان لمُخيم "البيرين" رفضتا استقبال أطفال هذه الشريحة، الأمر الذي أوجع تلك الأُسر ودفعها نحو توجيه نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية المعنية، والسلطات المحلية والوحدة التنفيذية لإدارة مخيّمات النازحين، وطالبتها بالنظر إلى هذا الموضوع بعين الاعتبار، وتمكين أبنائها من الالتحاق بالمدارس.
مثّل ذلك الصوت الحزين المهمّشين في مختلف مخيمات النزوح، ولخَّص واحدة من أبرز أوجه المعانات التي لازمتهم على مدار العقود، التي سبقت الحرب، ولم تنتهِ عند هذا الحد، بل امتدت إلى منافيهم الإجبارية، ورافقتهم حتى الخيام التي يُقيمون فيها منذ سنوات، ويُعانون صنوف التشرُّد والحرمان، والفقر والجهل، والمرض، وغياب الخدمات، وندرة المساعدات، والافتقار للأعمال، والمهن، ومصادر الدخل، ووسائل الإنتاج.
تترنّح مئات الأُسر النازحة من الفِئة المهمَّشة في خيامها الرَّثة والمهترِئة تحت وطأة الأمطار، التي تُبلل أشياءهم البسيطة وملابسهم المتهالكة، فيستفرد بهم البرد، ويفرض سطوة صقيعه على أجسادهم المُنهكة، التي ترتجِف في العراء، الذي لا يجدون فيه طريقاً لمقاومته، ودرْء أضراره الصحية، والأمراض، والمضاعفات التي قد يتسبب بها.
تتطّلع في الأفق آملةً في انتهاء الحرب التي دمَّرت منازلها، وممتلكاتها، وسلبتها مواشيها، وأرزاقها، ومِهنها الدُّونية، وسُبل عيشها، وأسفرت عن تردٍ مأساوي في أوضاعها المادية، والمعيشية، والصحية، والإنسانية، وفاقمت معاناتها، وأثقلت كواهلها، وأغرقتها بالمزيد من البُؤس، والشقاء، والعوز، والبطالة، وغلاء المعيشة، والأسعار، وشِدّة الحاجة إلى الغذاء، والماء، والدواء، والمأوى، والفرش، والبطانيات، والغاز المنزلي، ووسائل الإضاءة، والتدفئة، وغيرها من متطلّبات العيش والبقاء.
يقول النازح الخمسيني المهمَّش عبده سعيد، المُقيم مع أُسرته منذ سنوات في مُخيم "جبل زيد" بتعز لموقع "بلقيس": "الخيمة مُمزقة، وتتسرّب إليها مياه الأمطار من جميع النواحي، وأطفالي حُفاة، عُراة، ولم يتمكّنوا من الالتحاق بالمدارس، كما أنّهم محرومون من الغذاء، والرعاية الصحية، ومتطلبات العيش الضرورية وغيرها".
يضيف بحسرة: "حال أسرتي مأساوي، ومعاناتها شديدة، وحاجتها ماسَّة للمواد الغذائية، ومياه الشرب، والضوء، والملابس، والأحذية، وخيمة جديدة، وأدوات مطبخ، ومستلزمات نظافة، وأدوية، وفرش، وبطانيات، وغاز منزلي، وغيرها من الاحتياجات التي لا أستطيع ذكرها، نظراً لكثرتها".
*خلفية
يُشكل المهمَّشون 11٪ من سكان البلاد، ويقطن 7% منهم في أكثر من 14 منطقة في مدينة وريف تعز، وترتفع معدلات الفقر، والأميَّة، والبطالة في أوساطهم، وتقلُّ نسبة الملتحقين منهم بالمدارس، والمعاهد، والجامعات، والحاصلين على وظائف، كما تتواصل سياسة تهميشهم، ومصادرة حقوقهم، ومنعهم من لعب أي أدوار، وإقصائهم من التمثيل الحكومي، والمشاركة السياسية، والتعبير عن آرائهم، ومواقفهم، وتشكيل كيانات لتمثيلهم، وتبنِّي مشاكلهم، وقضاياهم.
أجبرت الحرب الدائرة في مدينة تعز وحدها قرابة 28 ألف مهمّش على النزوح إلى مديريات ريفية، ك: 'دِمْنَة خَدِير'، و'المواسِط'، و'التَّعِزِية'، و'جبل حَبَشِي'، و'المَعَافِر'، ويتوزع في الأخيرة قرابة 12 ألف نازح مهمّش، وذلك على 5 مخيَّمات، هي: 'التعاون'، و'جبل زيد'، و'الملكة'، و'الصافية'، و'دُبَع'.
تتشابه معانات النازحين من الفِئة المهمّشة بين الأمس واليوم، إذْ أنَّ ظروفهم، وطريقة عيشهم، والصعوبات التي تواجههم في المخيّمات منذ بدء الحرب، لا تختلف كثيراً عن تلك التي عاشوها من قبل في التجمّعات العشوائية المبنية من الصفيح، وبقايا المواد المعدنية، والبلاستيكية.
يُرافقهم في الخِيام -التي يفتقرون فيها للحماية ويتعرّضون للمضايقات والإعتداءات والتهميش والتمييز- إهمال الحكومة، والسلطة المحلية، والمنظمات، ويتلقّون مساعدات إغاثية شحيحة، بينها مواد غذائية مسْوِسَة، وفاسدة، وغير صالحة للاستخدام الآدمي، وهو ما تشير إليه مصادر متطابقة.
ورغم أن المعانات، التي يكابدها اليوم النازح أحمد نعمان (48 عاماً) مع أسرته في إحدى الخِيم، شبيهة بتلك التي عاشها قبل الحرب في كوخ بدائي، مُتّسخ، وغير صالح للعيش الآدمي، وخالٍ من أبسط مقوِّمات الحياة، يجد بعض الفروقات.
فالأعمال الدُّونية التي كان يزاولها في الماضي لم يعد قادراً على إيجادها، ومزاولتها، وإعالة أسرته من عائداتها المتواضعة، كما كان يفعل في السابق.
يذكر لموقع "بلقيس": "انقطعت عنّا في المخيم سُبل العيش، ومصادر الرزق، ولم أعد قادراً على توفير القوت الضروري لأسرتي، التي صارت تعتمد كلياً على المساعدات الإغاثية الشحيحة، والتالفة، التي تتلقاها بين الحين والآخر".
تشير تقارير أممية إلى أن 64% من الأُسر النازحة بلا مصادر دخل، ويَقِلّ دخلها الشهري عن 50 دولارا.
وذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن عائلتين من كل ثلاث نازحة تلجأ إلى آليات تتكيّف مع وضعها، كالحد من وجباتها الأساسية، أو تخطيها، أو إخراج أطفالها للعمل في النظافة، أو جمع الخردوات، وبيعها، أو التسوُّل.
* صعوبات
لا تصل المنظمات إلى عشرات الأُسر النازحة من الفِئة المهمّشة، في حين انقطعت عن أخرى، الأمر الذي فاقم معاناتها، وعرّضها لتدهور معيشي، وإنساني، متسارع في مخيمات بدَت بالنسبة لها كالجحيم، وجعلتها تملُّ العيش فيها، وتكرَه أجواءها، وتتوقُ إلى العودة إلى ديارها.
مئات الأُسر لا تتلقى أي مساعدات، وتعيش ظروفاً بالغة السُّوء، والتعقيد، وأبلغ صُور المُعانات.
وتشير الروايات الرسمية إلى أن التدخلات، التي تجري للتخفيف من معانات النازحين، مؤقتة، وغير كافية، ومتقطِّعة، وتغطِّي المساعدات المقدَّمة هذا الاحتياج، أو ذاك، لفترة معيَّنة، ثم تنعدم بعدها، وبالتالي تتجدد المُعانات بشكل مُقلق للغاية.
يقول مصدر رسمي في الوحدة التنفيذية للنازحين لموقع "بلقيس" -دون أن يدلي باسمه-: "لا يوجد برنامج مستمر لتغطية الغذاء، حيث يتم توفيره عبر شُركاء لمدة محددة، وما إن تنقضي تلك المُدة حتى يتم البحث عن شركاء آخرين، ويأخذ ذلك وقتاً، ما ينعكس سلباً على أوضاع النازحين".
تُخيِّم حالة من اللإستقرار على المهمّشين في المخيمات، بفعل نشوب خلافات بينهم وبين المجتمعات المُضيفة، وذلك على خلفية الأراضي التي يُقيمون فيها، والانتهاكات التي يتعرّضون لها، والأنشطة اليومية التي يُمارسونها، ك: الرعي، وجمع الحطب، وجلب المياه، وغيرها - حسب المصدر.
يصعب على الكثير من الأُسر إعداد وجباتها الغذائية، وسَد رمق أطفالها، الذين يشاركون كبارَهم في رحلة بحث يومية، وشاقة، عن الطعام، وينتشرون خارج المُخيمات للعمل، والتسوّل، وجمع الحطب، وجلب المياه من الآبار البعيدة.
أم خالد (38 عاماً) تُعِد بطريقة بدائية وجبات متواضعة لأطفالها الأربعة، إذ تُشعل في الظهيرة تَنُّورَها الذي يعمل بالحطب، وتخبز عددا من الأقراص، ثم تتجه إلى حَجَرة مسَطّحة، وتسحِق عليها الطَّماطِم مع البِسْبَاس الأخضر، وبذلك تكون قد انتهت من إعداد وجبة الغداء، التي تلتَفّ عائلتها حولها، وتتناولها، لكنّها لا تُشبع جُوعها، ما يبعث -في نفسها- الحَسرة والألم، كما تقول.
تتفشّى الأوبئة، والأمراض الجلدية، والالتهابات، والاسهالات، والحُميات، الفيروسية، والأمراض المُزمنة، وغيرها، في أوساط المهمَّشين النازحين، الذين يفتقرون للمال اللازم لإسعاف مرضاهم، ونقلهم إلى المستشفيات، وتحمّل نفقات العلاج الباهظة، ما يضطر البعض إلى البحث عن الأعشاب، أو شراء بعض المُسكِّنات، أو الاستسلام لعجزهم، وترك مرضاهم يُصارعون الألَم.