تقارير

كيف تسببت الحرب في نزيف الكوادر الطبية في اليمن؟

22/04/2025, 11:00:54
المصدر : قناة بلقيس - خاص

في أحد مساءات عام 2021، أنهى الطبيب أحمد الحمادي آخر نوبته في أحد المستشفيات الحكومية بمدينة تعز. جمع أدواته، وطوى ملفاته بصمت، ثم اتخذ قراره الذي كان يؤجله منذ سنوات: الرحيل، بعد أكثر من 12 عامًا قضاها بين غرف العمليات وممرات الطوارئ، ليشق طريقه نحو الخارج، هاربًا من انهيار المنظومة الصحية، وضيق الحال، واللا جدوى.

“كنت أعود إلى بيتي بعد 12 ساعة من العمل المتواصل، أحيانًا دون أن أتناول وجبة. راتبي بالكاد يغطي تكاليف المواصلات، ولا أملك ثمن دواء لوالدتي، ناهيك عن أجرة السكن. ولهذا كله قررت أن أهاجر حينما عجزت عن إنقاذ طفل بسبب انقطاع الأوكسجين”، يقول العبسي، من مقر عمله الحالي في القاهرة.

قصة أحمد ليست استثناءً، بل جزء من ظاهرة تضاعف مآسي اليمنيين منذ بداية الحرب، إذ أدى الصراع المستمر منذ نحو عقد إلى نزيف حاد في الكوادر الطبية، وهجرة جماعية لأطباء وطبيبات، وصيادلة، وممرضين، يعانون الإهمال والتهميش في بلد ممزق، كل من بداخله يحاولون الكفاح لأجل البقاء.

انهيار مزدوج

من صنعاء إلى عدن، ومن تعز إلى الحديدة، يعاني القطاع الصحي من انقسام إداري، وضعف تمويل، وغياب شبه كلي للبنية التحتية.

في مناطق سيطرة الحوثيين، تشكو المستشفيات من تدخلات أمنية وممارسات طائفية طالت حتى المهنة الطبية، حيث تُفرض على الكوادر دورات فكرية، وتُعتمد التعيينات على أسس الولاء لا الكفاءة.

أما في مناطق الحكومة الشرعية، فالصورة ليست بأفضل حال: مستشفيات متهالكة، نقص في الأدوية، ومرتبات غير منتظمة، ناهيك عن الفساد الذي يلتهم الموازنات الضئيلة، في ظل غياب دور فاعل لوزارة الصحة.

الطبيبة “سُمى.ن”، المقيمة حاليًا في القاهرة، تقول في حديثها لـ”بلقيس”: “عملتُ خمس سنوات في مستشفى بتعز. لم نتلقَّ رواتب لأشهر، كنا نشتري القفازات والكمامات على حسابنا الشخصي. بعد تهديدي من قبل أحد المسلحين لعدم إسعاف مصاب ينتمي لجماعته، حزمت أمتعتي وغادرت”.

في إحدى مستشفيات محافظة إب، يصف الطبيب “محمد قائد” الوضع قائلاً: “نحن أطباء بدون أجهزة، وبدون أدوية، وأحيانًا بدون غذاء. نواجه أوبئة بوسائل بدائية، ونتعرض للابتزاز من قبل سلطات الأمر الواقع. يتم التعامل معنا كمستخدمين لا كوادر طبية، وحقوقنا مهدورة بالكامل”.

ولا يقف الأمر عند نقص الإمكانيات فقط، بل يتعداه إلى غياب منظومة تشخيص واضحة، أو بروتوكولات علاجية موحدة، ما يجعل اليمن ساحة مفتوحة للتجريب، ويزيد من أخطاء التشخيص والوفيات.

رواتب لا تسد الرمق

يتقاضى الأطباء في المرافق الحكومية - في أحسن الأحوال – ما بين 50 إلى 70 دولارًا شهريًا - بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة -  وهي مبالغ لا تكفي لسد أدنى احتياجاتهم.

وفي ظل انهيار العملة وارتفاع الأسعار، باتت مهنة الطب أقرب إلى التطوع منها إلى المهنة، ما جعلها بيئة طاردة لأصحابها.

وبحسب تقارير صادرة عن نقابة الأطباء اليمنيين، فقد غادر أكثر من 60% من الكوادر المؤهلة خارج البلاد منذ اندلاع الحرب.

وتحذر الأمم المتحدة من أن أقل من 50% من المنشآت الصحية في اليمن تعمل بشكل جزئي، ومعظمها يفتقر للتجهيزات الأساسية.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن اليمن يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في العالم، مع عجز في الكادر الطبي يصل إلى أكثر من 70%.

ووفقًا للصحة العالمية، فإن أقل من نصف المنشآت الصحية تعمل بشكل جزئي، ومعظمها من دون أطباء متخصصين أو معدات حديثة. أما من تبقى من الأطباء في الداخل، فهم يعملون تحت ضغط هائل، وخوف دائم من التهديد أو الملاحقة، أو حتى الموت المفاجئ جراء قصف أو اشتباك.

ولا توجد حتى اللحظة أي استراتيجية وطنية لإعادة بناء القطاع الصحي، أو حتى لوقف نزيف الأدمغة والكفاءات.

وبينما تتجاهل السلطات - في كلا الطرفين – وضع الكوادر الطبية، يُترك المواطن وحيدًا يواجه المرض، والجوع، والحرب، في بلد فقد أكثر من جسده، وفقد الآن عقولَه.

تقارير

الورش الفنية ومراكز التدريب.. تصنيع عسكري واستثمار خاص بالحوثيين

بذهنية العصابة وحِرفية اللصوص، تواصل مليشيا الحوثي السطو على مقدرات ومصالح الشعب دون أدنى اعتبار للحقوق والخدمات، سواء كانت عامة أو خاصة، دون أي احترام للقوانين واللوائح المنصوص عليها في دستور البلاد.

تقارير

في ظل غياب المعلومات المؤكدة.. كيف يمكن تقييم نتائج الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن؟

مضى أكثر من شهر، حتى الآن، على بدء العملية العسكرية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن، ولا تزال المعلومات بشأن نتائجها وآثارها غير كافية وغير واضحة، وفق تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.