تقارير

لعنة الجغرافيا.. ماذا لو لم تكن السعودية جارة لليمن؟

23/12/2020, 06:30:22
المصدر : عبدالسلام قائد

ضاق اليمنيون ذرعا بتدخل السعودية في بلادهم ودورها السلبي الهادف إلى تكبيل الدولة اليمنية وتقويضها وجعلها في حالة فوضى وضعف مزمن، مستغلة المال السياسي ونفوذها المتزايد في اليمن الذي يأتي كنتيجة لأزمة "القيادة" في البلاد، أو فراغ القيادة، وعدم ظهور زعيم أو قائد يمني يعيد لليمن هيبتها ويضع حدا لأي محاولة تخريبية أجنبية في البلاد.


وقد ترسخ النفوذ السعودي في اليمن، بشكل متزايد، منذ تولي علي عبد الله صالح السلطة في الشطر الشمالي قبل الوحدة وحتى اليوم. ويأتي تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة مؤخرا، وفق الرغبة السعودية، بمثابة مصادرة نهائية للقرار السيادي لليمن، وسط ملامح فوضى مقبلة قد يكون من الصعب السيطرة عليها.


ويعكس الدور السعودي التخريبي في اليمن عوامل نفسية أكثر منها عوامل سياسية، بسبب التجربة السعودية المريرة مع مختلف محاور القوة في العالم العربي والإسلامي خلال العقود الأخيرة، والخوف من تحول اليمن إلى مركز قوة إقليمي منافس للمملكة أو يشكل تهديدا لها. 


 أحقاد قديمة


بدأ التدخل والدور السعودي التخريبي في اليمن منذ نشأة الدولة السعودية ذاتها، حيث بدأ التدخل السعودي في الشأن اليمني منذ عهد حكم الأئمة الزيديين، وبالتحديد بعد الانسحاب العثماني من اليمن، حينها شهدت البلاد صراعا حادا على السلطة بين الأئمة أنفسهم، فتسبب ذلك في إضعاف الوضع الداخلي في البلاد، وانفصل بعض مشايخ القبائل عن السلطة المركزية، وظهرت الحركات الاستقلالية، فشجع ذلك الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود على توسيع سلطاته في الجزيرة العربية، ونشر الدعوة الوهابية في عسير وتهامة اليمنيتين، ونتج عن ذلك خروج أهلها من المذهب الزيدي والتمرد على الأئمة.


وعندما حاول الإمام يحيى بسط نفوذه على المناطق الشمالية من اليمن بعد صلح "دعان" بينه وبين العثمانيين، واجه معارضة شديدة من الملك السعودي عبدالعزيز آل سعود. وبعد نشوب الحرب بين الإمام يحيى والاحتلال البريطاني، والتي على إثرها استرد بعض المناطق الوسطى من البريطانيين، رد البريطانيون على ذلك بتسليم ميناء الحديدة للإدريسي عام 1922، لكن الإمام يحيى استعاد ميناء الحديدة من الإدريسي عام 1925، فطلب الإدريسي الحماية من ابن سعود في فبراير 1926، والذي رفض في أول الأمر ثم وافق في أكتوبر 1926.


وفي عام 1932، أعلنت السعودية إلغاء إمارة الإدريسي وإلحاق أراضي عسير وجيزان ونجران بالمملكة، فاضطر الإمام يحيى لخوض حرب غير متكافئة مع السعودية، بسبب جيشه البدائي، انتهت بهزيمته وفقدانه نجران وعسير وجيزان، باتفاق أبرمه مع الجانب السعودي في 20 مايو 1934، سمي ب"معاهدة الطائف"، واعترف بنفوذ السعودية على الأراضي اليمنية في إطار المعاهدة.


وعندما اشتدت المعارضة الداخلية ضد الإمام يحيى، والتي توجت بثورة 1948 الدستورية، انزعجت السعودية جراء ذلك، وكان الملك عبد العزيز آل سعود ينصح الإمام يحيى بمعالجة أمر المعارضة خوفا من تدهور الأوضاع خارج الحدود اليمنية، لكن الثورة فشلت، وكان من أسباب فشلها وقوف بعض الدول العربية ضدها ومن بينها السعودية.


مناهضة الثورة والوحدة


وبعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، استاءت السعودية وبعض الدول العربية الملكية من الثورة، خشية تأثيرها عليها، ودعمت الملكيين بقوة ضد الجمهوريين خلال الحرب الأهلية بعد اندلاع الثورة خلال الفترة 1962 - 1970، بينما تدخلت مصر (عبدالناصر) لمساندة الثورة.


وفي مؤتمر الطائف المنعقد في أغسطس 1965، جمع الملك فيصل بين المشايخ الجمهوريين والملكيين، بهدف تكوين جبهة مضادة للوجود العسكري المصري في اليمن المساند لثورة 26 سبتمبر، ودعا إلى فكرة الدولة الإسلامية كحل وسط بين النظام الملكي والنظام الجمهوري، لكن هذا المقترح قوبل برفض الجمهوريين، وانتهى الصراع بأن رعت السعودية مصالحة وطنية بين الجمهوريين والملكيين عام 1970، قضت بقبول الملكيين بالنظام الجمهوري مقابل استيعابهم فيه، وذلك بعد أن عجز الملكيون عن الانتصار بعد انسحاب القوات المصرية من اليمن رغم استمرار الدعم السعودي لهم.


كان نجاح السعودية في إجراء "المصالحة الوطنية" بين الجمهوريين والملكيين بداية لمرحلة جديدة من النفوذ والتدخل في الشأن اليمني، والتأثير في مجرى الأحداث بما يخدم الرغبة السعودية، ومن أمثلة ذلك: عرقلة التسريع بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، والتخطيط لاغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، والضغط لتنصيب علي عبد الله صالح رئيسا لليمن الشمالي قبل الوحدة، ودعم المحاولة الانفصالية في جنوب اليمن عام 1994، وأخيرا عسكرة ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، وجر البلاد إلى حرب أهلية مدمرة والحرص على إطالة أمدها، وإضعاف السلطة اليمنية الشرعية لصالح جماعات متمردة أو إرهابية أو انفصالية، وغير ذلك.


لعنة الجغرافيا


تتمتع اليمن بموقع إستراتيجي فريد يؤهلها لتكون أهم مركز تجاري إقليمي وواحد من أهم المراكز التجارية في العالم، وما لذلك من تأثير إيجابي على الاقتصاد اليمني، وبالتالي إكساب البلاد ثقلا سياسيا، غير أن فراغ القوة وفراغ القيادة الذي عانت منه اليمن خلال حقب زمنية مختلفة من تاريخها، جعل ذلك الموقع يتحول إلى "لعنة جغرافية"، وظلت اليمن تدفع الثمن غاليا بسبب محاولات العديد من الدول والإمبراطوربات الاستعمارية السيطرة عليها، طمعا في موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يقع في قلب العالم، ويشرف على أهم طرق التجارة الدولية. 


وبعد التحرر من كافة المحاولات الأجنبية للسيطرة على البلاد واحتلالها، برزت الدولة السعودية، حديثة النشأة، كلاعب إقليمي جديد ومؤثر في اليمن، وكان للطفرة النفطية التي شهدتها المملكة دور كبير في ضخ المال السياسي إلى اليمن لشراء الولاءات والنفوذ وتكبيل الدولة اليمنية وجعلها رهينة للنفوذ السعودي، حتى آل الأمر مؤخرا إلى يد السفير السعودي لدى اليمن، الذي صار بمثابة الحاكم الفعلي للبلاد، ولا يمكن تشكيل أي حكومة أو اتخاذ أي قرار سيادي إلا بموافقته، بعد أن ظلت ما تسمى "اللجنة الخاصة"،برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز، هي الممسكة بالملف اليمني منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى وفاته في 22 أكتوبر 2011.


 ضريبة الجوار


لم يعد خافيا مدى العبء الذي أصبحت تشكله السعودية على اليمنيين بسبب جوارها الجغرافي لبلادهم، والذي زاد من حدته فساد النخبة اليمنية الحاكمة وانتهازيتها ومتاجرتها بالوطن، وفراغ القوة وأزمة القيادة التي تعاني منها البلاد، مما فتح الباب على مصراعيه للعبث الأجنبي في اليمن، وفي المقدمة العبث السعودي، يليه العبث الإماراتي والإيراني، وهنا يبرز السؤال: ماذا لو لم تكن السعودية جارة لليمن وبعيدة عنها جغرافيا، وسَلِمَ اليمنيون من دورها التخريبي في بلادهم؟ 


لا شك أن اليمن كانت قد أصبحت الآن شيئا آخر، ولكانت البلاد قد حققت، منذ ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، أشواطا وقفزات كبيرة في التنمية والاستقرار والازدهار، ولكانت متحررة من أعباء ومتاعب الجوار مع السعودية، التي تصدر الجهل والتخلف والفوضى والأزمات إلى اليمن وبلدان عربية أخرى، والحرص على جعلها في حالة من الفوضى المزمنة، ورهينة الاضطرابات السياسية والاجتماعية المعقدة وغيرها.

تقارير

تقرير: الحوثيون يوسّعون نفوذهم عبر "الكبتاغون" على خطى نظام الأسد

تقرير دولي يكشف عن توسّع ميليشيا الحوثي نحو تجارة المخدرات، مع تسجيل تحوّل نوعي في نشاطها من زراعة وبيع نبتة القات المحلية إلى تصنيع وترويج مخدر "الكبتاغون"، مستغلّة تراجع الإنتاج في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

تقارير

بعد التشدد في التهم المنسوبة إليه.. ما وراء إطلاق سراح الشيخ الزايدي؟

قبل أيام، احتُجز أحد المشايخ القبليين الموالين لمليشيا الحوثي أثناء محاولته مغادرة البلاد من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ثم أُطلِق سراحه لاحقًا، ليحتدم النقاش والجدل حول الحادثة وملابسات إطلاق سراح المحتجز.

تقارير

هل يُعكس تعافي الريال تحسُّنًا اقتصاديًا حقيقيًا، أم أنه خداعٌ ومضاربةٌ مكشوفة؟

شهد الشارعُ اليمني في الآونةِ الأخيرةِ تراجعًا ملحوظًا ومفاجئًا في سعرِ صرفِ الدولارِ مقابلَ الريال، حيثُ انخفضَ في مناطقِ الحكومةِ المعترفِ بها دوليًا إلى ما دون 2000 ريال، بعد أن لامسَ سابقًا حاجزَ 3000 ريالٍ يمنيٍّ للدولارِ الواحد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.