تقارير
للهروب من أصحاب الديون.. طرقات متعرجة للوصول إلى المنزل
ما بين السخرية من مشاهد الهروب اليومية، وسرد تفاصيل الألم، يجلس مجموعة من الأصدقاء ليحكوا معاناتهم مع مرارة الديون التي تتراكم كل يوم مع انقطاع مصادر الدخل، وغلاء المعيشة، وتبعات الحرب وحالة عدم الاستقرار.
لكل شخص حكايته المريرة مع الديون، التي طالت أغلب فئات المجتمع، وخاصة موظفي القطاع الحكومي التي انقطعت مرتباتهم منذ قرابة 8 سنوات، وصارت كحبل المشنقة الذي يلتف حول أعناقهم ويشتد أكثر بمرور الوقت.
حياة أشبه بالجحيم
"الديون أنواع، لكن أشدها وأقساها إيجار المنزل، الذي يجعلك تعيش حياتك تحت رحمة المالك، ومهددا بالطرد في أي لحظة" بحسب منصور جرادة، الذي يؤكد أنه يجعل أولوية دفع الإيجار قبل توفير المواد الغذائية الأساسية لعائلته.
يكافح جرادة لتسديد الإيجار شهريا لكن ما يزال مدين بأكثر من 500 ألف ريال من سنوات سابقة علاوة بالإضافة إلى إلحاح المالك رفع المبلغ كل فترة.
يسخر جرادة من تعامله الاضطراري مع مالك المنزل، وهروبه من أمامه، كلما رأه في الشارع، وتغيير اتجاهه، أو يصاب بالخوف إذا تفاجأ بوجوده، ولم يستطيع الهروب.
ويقول في حديثه لـ"بلقيس": كنت اجامل مالك البيت، وأرسل له تهنئة بيوم الجمعة دائما على الوتس آب، لكنه كان يجدها فرصة لفتح موضوع الديون، أو الحديث عن رفع الإيجار، فتوقفت عن الإرسال.
ويضيف: ديون البيت تحول الحياة إلى جحيم، على الرغم من أنها ليست الوحيدة، ولا يفارق هاجسها تفكيري طول الوقت، منذ أن افتح عيني من النوم.
ممرات أمنة
محمد الهجري استفاد من قدرته على بناء العلاقات من الآخرين، للحصول على مصادر متعددة يستدين منها احتياجات المنزل، إلا أن طول سنوات الضايقة المعيشية جعلت الطريق إلى المنزل محفوف بأصحاب محلات المواد الغذائية، الذين يطالبونه بالسداد، مما يجعله يسلك طرق متعرجة وطويلة للوصول إلى البيت.
يقول الهجري لـ"بلقيس": عندما أمر من جوار بقالات الحارة، ادعوا الله أن يكون التاجر بعمل بعيد عن الباب حتى لا يراني.
يعمل الهجري على سداد الدين أو جزء منه في كل مرة لمتجر حتى يجد ممر أمن، ولو لفترة محددة
قصص كثيرة لمعاناة أصحاب الديون خلال السنوات الأخيرة، وصلت إلى المساس بكرامة الكثير من الناس، وأضرت بمكانتهم الاجتماعية، وكسرتهم أمام أطفالهم وعائلاتهم.
ولم تعد الديون ممكنة للجميع، فأصحاب المحلات والتجار يرفضون التعامل مع الموظفين المنقطعة مرتباتهم أو الفئات الفقيرة، بحجة أنهم لا يملكون مصدر دخل، ولن يستطيعوا السداد، بحسب الموظف الحكومي مختار الشوافي لـ"بلقيس".
ويعتقد الشوافي، أن أصحاب المحلات معذورين، والتسامح مع ديون الزبائن سيوصلهم للإفلاس، ولهذا لا يشعرون بالأمان والثقة مع الموظفين ومحدودي الدخل.
ويقول الشوافي: "بعض التجار ما يزالون يقدمون تسهيلات الديون لبعض الأشخاص المقربين منهم من باب التعاطف، لكن عجزهم عن السداد، يجعلهم يشعرون أنهم يماطلوا، فيوقفوا الحسابات".
ضغوط نفسية
تولد الديون المتراكمة ضغوط نفسية كبيرة على الكثير من الناس، ودفعت البعض منهم إلى الإقدام على الانتحار أو الإصابة بحالات نفسية مستعصية تزايدت بشكل متسارع خلال سنوات الحرب.
وتعيش صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي حالة من الركود الاقتصادي، وخمول في حركة السوق بشكل غير مسبوق، مما جعل دائرة الفقر تتسع بشكل أكبر، وتغلق أمام المواطنين ما تبقى من منافذ الدخل.
وعلى ذمة الديون، شهدت السنوات الأخيرة، ازدياد عدد السجناء المعسرين، على الرغم من أن القوانين اليمنية تستثني من الحبس الأشخاص المعسرين، الذين لا يعدون مماطلين وفقا لرؤية المحكمة والقاضي.
وتبقى الديون قضية شائكة وسيف مسلط على رقاب الناس في اليمن عموما وفي المحافظات الخاضعة لمليشيا الحوثي مادامت الظروف الاقتصادية متدهورة ولم تصل الأطراف إلى الخروج بالبلد من الحالة الراهنة، ووضع حلول لعودة مرتبات الموظفين، ومعالجات للأزمة الاقتصادية.