تقارير
لماذا تصر جماعة الحوثي على مواصلة هجماتها ضد "إسرائيل"؟
تستمر هجمات الحوثيين على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنها لا تترك أثرًا يُذكر، في حين أن الغارات الإسرائيلية الانتقامية دمّرت معظم مؤسسات البلاد وتركت أثرًا بعد عين.
وفي كل أسبوع، تحشد المليشيا أنصارها إلى الميادين لتظهر أنها مسنودة بتأييد شعبي، ثم تعود لإرسال صواريخ لا تصل إلى الأراضي المحتلة، لتعود بعدها طائرات الاحتلال لضرب اليمن، وكأن الجماعة في سباق مع الزمن لتدمير كل مؤسسة لا تزال قائمة، من موانئ ومطارات ومحطات كهرباء وغيرها.
- أحدثت أثرًا كبيرًا
يقول الصحفي والباحث الاقتصادي رشيد الحداد: "هذه العمليات العسكرية التي تنفذها قوات صنعاء - أو كما يطلق عليهم الحوثيون - لها أثر كبير، فقد تمكنوا من إغلاق ميناء أم الرشراش، وتحدث الإعلام الدولي والأمريكي عن هذا الأمر، واعترف به الإسرائيليون أنفسهم، كما فُرض حظر على مطار بن غوريون، وتوقفت عشرات الشركات الدولية، وهناك حالة رعب يومية".
وأضاف: "هذه العمليات لا تهدف لاستعداء إسرائيل من أجل تدمير المؤسسات اليمنية، بل تأتي في إطار وطني وعربي وإسلامي لنصرة قضية إنسانية كبرى، وهي قضية الشعب الفلسطيني".
وتابع متسائلًا: "ماذا قدمت الدول العربية؟ هناك 57 دولة لم تتمكن من إدخال علبة حليب واحدة لأطفال غزة، فيما يُقتل الأطفال جوعًا أمام أعين الجميع".
وأوضح معترفًا: "نحن في حالة حرب، وكل الأطراف ارتكبت جرائم"، مؤكدًا: "لا يمكن تبرئة أي طرف، لكن الحديث اليوم يجب أن ينصب على القضية المركزية: فلسطين، شعب يُباد يوميًا، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة".
وأردف: "أستغرب من موقف هذه النقابات التي تصدر بيانات ضد الحوثيين، بينما لم نسمع لها صوتًا عندما استُهدف مصنع أسمنت عمران من قبل السعودية في سبتمبر 2015، ولم يتحدث أحد، حتى أعيد تشغيله باتفاق مع الأمم المتحدة وتحويله لمنشأة محايدة".
وزاد: "بعد تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية من قبل إدارة ترامب، بسبب مواجهتها للكيان الإسرائيلي ودعمها لفلسطين، دخلت الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي على الخط، وبدأت بالتحريض ضد المؤسسات الوطنية، ومنها مصنعا عمران وباجل، وميناء الحديدة ورأس عيسى".
وأكد: "هذا التحريض موثق، وكان يقوده معمر الإرياني وآخرون، وكأنهم يقولون لأمريكا: تعال واضرب مقدراتنا الوطنية، ثم نعود لنتهم الحوثيين بأنهم السبب".
ولفت إلى أن "ما جرى خلال السنوات الماضية هو تدمير ممنهج للمؤسسات الوطنية، بتحريض واضح من جهات يفترض بها حمايتها لا التواطؤ في استهدافها".
واستطرد: "نتنياهو كان يبحث عن حريق ليقول للإسرائيليين إنه ألحق ضررًا كبيرًا بالحوثيين، فاستُهدفت مخازن الوقود في مصنع باجل لإحداث انفجارات ضخمة، أما مصنع أسمنت عمران فقد تضرر بالفعل، لكن الدولة (جماعة الحوثي) سارعت لإجراء تقييم للأضرار، وزاره وزير الاقتصاد ورئيس مؤسسة الإسمنت (التابعان لها)، وهناك جهود لإعادة تشغيله رغم حجم الخسائر".
وبيّن: "الهجمات ستؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، وعلى قطاع الصناعات الاستخراجية وقطاع البناء، فضلًا عن آلاف العاملين، سواء في المصنع أو القطاعات المرتبطة به".
وقال: "عندما استُهدف ميناء الحديدة، تم احتواء الموقف وأعيد تشغيله خلال أيام. وكذلك ميناء رأس عيسى أُعيد للخدمة سريعًا، وأُدخلت سبع سفن دفعة واحدة لإنهاء أزمة المشتقات النفطية التي تسبب بها القصف الأمريكي، وكل ذلك خلال 48 ساعة، بينما حكومة عدن عجزت عن تشغيل محطات الكهرباء لأشهر، وهذا مجرد مثال".
وأضاف: "الهجوم الإسرائيلي على مطار صنعاء جريمة، لكن المطار عاد إلى العمل خلال ثلاثة أيام". متهما "السعودية والإمارات هما من حاصراه، وعلى التحالف رفع الحصار، واستئناف الرحلات، وعلى العليمي تسليم الطائرة الرئاسية لخدمة اليمنيين العالقين".
وتساءل: "لماذا تُتّهم صنعاء (جماعة الحوثي) بينما مطارات الجنوب كمطار عدن لا تزال تعمل رغم استهدافها من قبل الحوثيين، في حين تم تحويل مطار الريان إلى قاعدة أمريكية، وتعطيل مطار الغيضة وميناء بلحاف النفطي؟ ولماذا تم استهداف موانئ الحديدة؟"، داعيًا إلى نظرة متوازنة تجاه ما يحدث في صنعاء والمناطق الأخرى.
وقال زاعمًا: "نقول بفخر إننا نقف مع كل عربي ومسلم يساند الشعب الفلسطيني، وندرك أن لهذه الحروب أثمانًا".
وأضاف: "اليوم نحن في مواجهة مع إسرائيل، ونفخر بذلك"، متسائلًا بفخر: "من غيرنا حاصر ميناء إيلات؟ من غيرنا قصف عمق الكيان؟ صدام حسين أطلق 39 صاروخًا على إسرائيل ويعد بطلًا عربيًا، فلماذا يُستنكر ما تقوم به صنعاء؟".
وتابع: "هؤلاء الذين يتباكون على تدمير مؤسسات ومنشآت البلاد، كانوا أول من اشتكى واستنكر عندما تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الحوثيين وترامب، وكانوا يسعون إلى تأجيج الحرب".
- يُكملون ما بدأه الإسرائيليون
بدوره، يقول الكاتب والباحث سلمان المقرمي: "نحن لسنا ضد دعم المقاومة الفلسطينية، لكن يجب أن يكون ذلك في إطاره الصحيح".
وأضاف: "نقابات العاملين، ومنهم من عملوا مع الحوثيين لسنوات، حمّلوا الجماعة مسؤولية تدمير المؤسسات اليمنية، كما فعلت نقابة مصنع إسمنت عمران التي قالت إن الحوثيين 'صهاينة اليمن' لأنهم دمّروا المصنع، وقطعوا أرزاق آلاف العاملين".
وتابع: "بعد تدمير مصنعي إسمنت باجل وعمران، قامت المليشيا بفصل 4000 موظف، ومنعت عنهم مستحقاتهم والرعاية الصحية، وشرعت في بيع المعدات كخردة، بمعنى أوضح: الاحتلال دمّر المنشآت، والحوثيون دمّروا العاملين".
وتساءل متعجبًا: "فإذا كنت تقف مع الفلسطينيين وتناصرهم، فلم تخف الجريمة البشعة التي حدثت في صرف؟ ما الذي يخيفك من الكشف عنها؟ لماذا لا تعامل الضحايا هناك كما تطالب بمعاملة ضحايا غزة؟ إن لم يكن هذا سلوكًا احتلاليًا، فماذا يكون؟".
وأشار إلى تناقضات أخلاقية في خطاب الجماعة، قائلًا: "حين يقول مراسل قناة المسيرة محمد معوضة: 'انظروا إلينا على أننا مثل الفلسطينيين أو تعاملونا كأننا صهاينة'، فهذا اعتراف ضمني بالتناقض".
وأكد: "الحوثيون يفقدون أي بُعد أخلاقي في الداخل اليمني، فلو كانوا بالفعل يقاتلون من منطلق أخلاقي، لماذا يمنعون نشر أسماء قتلاهم في غارة رأس عيسى؟".
وتابع: "الوحيدان اللذان يخفيان عدد ضحاياهم هما الاحتلال الإسرائيلي والحوثيون، فعبد الملك الحوثي قال إن القتلى 93، بينما رئيس شركة النفط ذكر 85، والنقابات تتحدث عن عدد يتراوح بين 60 و90، حتى اليوم لا يعرف أحد الرقم الدقيق"، متعجبًا: "كيف يزعمون أنهم يقاتلون من موقع أخلاقي وهم لا يعترفون بضحاياهم؟".
واستطرد: "قبل أن يُحاسب الحوثيون خصومهم، عليهم أن يجيبوا على أسئلة قواعدهم، وموظفيهم، والذين كانوا في صفوفهم، فهؤلاء اليوم يشعرون أنهم خُدعوا تحت رايات براقة لا تمت للواقع بصلة".
وأكد: "نقابة عمال مصانع أسمنت عمران وباجل هي من قادت الاحتجاجات في 2016 و2017 لإعادة تشغيل المصانع، وليس الحوثيون، والنقابات هي من أكدت أن الحوثيين يرفضون تكليف الكوادر الفنية بإعادة التشغيل، ويصرّون على تفكيك المصانع وبيعها كخردة، ويمنعون تصنيع قطع الغيار محليًا".
وأضاف: "ليس أنا من اتهم الحوثيين بالصهينة، بل موظفو المصانع أنفسهم، وبيان نقابة مصنع عمران في 8 مايو قال بوضوح: 'نحن لا علاقة لنا بالصراع، ونعيش البطالة والجوع والتسول'، هذا يعني تنصلًا واضحًا من سردية الحوثيين، الذين يستخدمون شعارات المقاومة لتأمين مصالح عائلية ضيقة".
وتابع: "من استفاد من هذه الحرب هو علي حسين بدر الدين الحوثي، الذي أنشأ جهاز استخبارات وشرطة مكافحة الإرهاب، واعتقل عمالًا من شركة النفط وميناء رأس عيسى، وسيطر على القطاعات المالية والموانئ".
واستطرد: "الحوثيون ليسوا بحاجة لتشغيل المصانع؛ مصادر تمويلهم الرئيسية هي تجارة السلاح والمخدرات والدعم الإيراني".
وزاد: "حتى إن أعادوا التشغيل، فسيكون بعد فصل الموظفين وتحويل المصانع إلى مؤسسات حوثية خاصة، كما فعلوا في قطاع الكهرباء، حيث يبيعون الطاقة بسعر السوق السوداء"، مؤكدًا أن "الهدف هو التخلص من النقابات والقوى الاجتماعية غير الموالية".
ونوّه بأن "الحوثيين هم من بدأوا استهداف المطارات والموانئ، مستشهدًا بتصريحات واضحة من قياداتهم؛ إذ ظهر عبد الملك الحوثي في أكتوبر 2022 متفاخرًا بقوله: 'ضربنا بالصاروخ حتى دقّينا البزبوز حق تصدير النفط في ميناء حضرموت'، كما صرّح مهدي المشاط في أغسطس 2023 بالقول: 'أخذنا حربًا صارمة ضد سفن حاولت الاقتراب من موانئ عدن'، ما يؤكد أن استهداف المنشآت الاقتصادية كان توجهًا رسميًا".
وأشار إلى أن "الحوثيين يمنعون التجار من التنقل بحرية بين الموانئ، ويعرقلون حركة الحجاج عبر مطار صنعاء، رغم معرفتهم بعدم قدرتهم على تأمين الرحلات، ومع ذلك لم يُبدوا أي التزام بإعادة الرسوم المدفوعة أو اتخاذ إجراءات بديلة".
وأوضح: "ورغم تحميلهم الاحتلال المسؤولية، فإنهم يطالبون اليوم المجتمع الدولي بحمايتهم من الهجمات، بعدما فقدوا ميزة الحصانة الجوية التي تمتعوا بها سابقًا".
وقال: "الحوثيون الذين يتحدثون الآن عن رفع الحصار عن المظلومين في غزة، نحن في تعز نعاني منذ أربع سنوات دون دخول شاحنة واحدة عبر الحوبان، لذلك لا يمكن لهؤلاء الحديث عن رفع الحصار عن غزة".
وأضاف: "نعاني في تعز منذ عشر سنوات، الحوثيون لم يقطعوا الطريق فقط، بل منعوا دخول المياه في الهشمة وفي الحيمة، حتى بعد مسيرة الماء عام 2015، الحوثيون تعاملوا بالقنص والألغام، ويرفضون إدخال دبة الماء، هؤلاء المجرمون لا يحق لهم الحديث عن أي بُعد أخلاقي".
وتابع: "الحوثيون يمنعون أهالي الضحايا من الإعلان عن قتلاهم المدنيين، يدفنون القتلى سرًّا ويخفون الجرائم، خاصة بعد توقف الغارات الأمريكية".
السؤال: "هل يدافع الحوثيون عن الناس أم يواصلون الجريمة؟ عليهم الإجابة لأهالي الضحايا، خاصة عن خطف وإخفاء عشرات القتلى في صنعاء ومحافظات أخرى، مثل حالة الشيخ علي عزمان الذي اختطفوه عام 2015، وعائلته لا تعرف مصيره حتى الآن، لا أحد يجيب سوى الاحتلال الإسرائيلي والحوثي نفسه".