تقارير
لماذا فشلت كل تحالفات السعودية منذ بداية الحرب في اليمن؟
منذ الإعلان عن عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015، شكّلت السعودية عددا من التحالفات الإقليمية ذات الطابع الأمني والعسكري، وجميعها ارتبطت بتطورات الأزمة اليمنية، لكن تلك التحالفات تبخّرت بسرعة غير متوقعة، ولم تصمد ولو لمدة زمنية قصيرة على صعيد الفعل العسكري أو الأمني، أو حتى السياسي والدبلوماسي.
بدت تلك التحالفات مجرد ظواهر صوتية لحظية انتهت بمجرد الإعلان عنها، أبرزها: التحالف العربي لمساندة السلطة اليمنية الشرعية المكون من عشر دول، ثم التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب المكوّن من 41 دولة، وليس بأخير تحالف كيان البحر الأحمر وخليج عدن المكوّن من سبع دول.
تبخّرت تلك التحالفات تباعا، وكلما تبخر تحالف شكّلت السعودية تحالفا آخر.
-تلاشي التحالفات؟
في الأشهر الأولى من عملية "عاصفة الحزم"، اكتسب التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم السلطة اليمنية الشرعية زخما إعلاميا كبيرا، بوصفه أول تحالف عسكري عربي ضم عددا من الدول العربية لمواجهة خطر مشترك يتمثل في إيران ومليشياتها الطائفية.
ورغم أن حجم مشاركة أكثر دول ذلك التحالف في العمليات العسكرية أو الهجمات الجوية كانت محدودة أو غامضة، لكن لو أن السعودية أحسنت إدارة الأزمة اليمنية فإنه كان بإمكانها تطوير ذلك التحالف وتعزيز مكانته الإقليمية، وتوسيع رقعة عملياته العسكرية إلى مناطق صراع أخرى ضد إيران ومليشياتها، مثل سوريا والعراق ولبنان، وبالتالي ستتوسع عضوية ذلك التحالف، وسيكون أبرز تحالف إقليمي مؤثر، وستكتسب السعودية بقيادتها له مكانة إقليمية ودولية كبيرة.
لقد كان لتوقف المعارك باليمن في جبهات محددة، وظهور أجندة جديدة للسعودية والإمارات لا علاقة لها بالحرب على الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني، فضلا عن تزايد الغارات الخاطئة على الأحياء السكنية وقصف البنية التحتية وانتهاك القانون الدولي الإنساني من قِبَل السعودية والإمارات، كل ذلك جعل التحالف العربي يتلاشى ويتبخّر سريعا في وعي الناس وعلى الواقع، حتى لا يكون مظلة لجرائم وانتهاكات السعودية والإمارات في اليمن، وعدم كفاءة السعودية لقيادة تحالف بذلك الحجم.
كما أن تغريد الإمارات خارج السرب، ودعمها المبكّر لمشروع انفصال جنوب اليمن، وتشكيل مليشيات خارجة عن سلطة الدولة ساعد سرعة ذلك التبخّر للتحالفات.
-التلاشي المبكر
يمكن القول إن التلاشي المبكر للتحالف العربي لدعم السلطة اليمنية الشرعية، دفع السعودية إلى تشكيل تحالف جديد باسم "التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب"، في 15 ديسمبر 2015، وضم التحالف في عضويته 41 دولة، ويهدف إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته، حسب بيان إعلان التحالف.
وبما أن التحالف استثنى العراق وسوريا، فقد فُهِم بأنه تحالف للدول السُّنية ضد إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها، وانتقدت إيران حينها السعودية لاستثنائها العراق وسوريا من التحالف، واتهمتها بدعم تنظيمات متشددة، ومع ذلك فقد تبخّر هذا التحالف سريعا، ولم يقم بأي عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب، وعُقِد اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء في التحالف في الرياض في نوفمبر 2017، كما لم يخرج بتوصيات مهمّة.
ومنذ ذلك الحين، صار التحالف في طي النسيان، ولعل سبب فشل ذلك التحالف يكمن في غياب تعريف محدد وواضح للإرهاب، فضلا عن التوظيف السياسي للإرهاب من قِبَل الأنظمة الحاكمة وتحويله إلى وسيلة للابتزاز وقمع الخصوم السياسيين.
وعلى ما يبدو أن السعودية استهوتها لعبة تشكيل التحالفات، فرغم تبخّر التحالف العربي لدعم السلطة الشرعية في اليمن، ثم تبخّر التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، لكنها -أي السعودية- شكلت تحالفا جديدا، في ديسمبر 2018، باسم "كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن"، ويضم في عضويته الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهي: السعودية، ومصر، واليمن، والسودان، وجيبوتي، والأردن، والصومال.
وشكّلت السعودية ذلك التحالف بعد تهديد الحوثيين باستهداف ناقلاتها النفطية، لكن ذلك التحالف هو الآخر تبخّر أيضا كغيره من التحالفات السابقة التي شكّلتها المملكة، ولم يقم بأي عمل يذكر لحفظ أمن البحر الأحمر، رغم تنفيذ الحوثيين هجمات عدة بواسطة زوارق بحرية مفخخة استهدفت ناقلات نفط سعودية.
وكانت فكرة إنشاء تحالف إقليمي لحفظ أمن البحر الأحمر قد أطلقها رئيس الشطر الشمالي من اليمن، إبراهيم الحمدي- رحمه الله- في يناير 1976، ضمن إطار معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتوجّه حينها خبراء عسكريون من مصر والسعودية إلى باب المندب، لإجراء دراسات ميدانية حول كيفية توفير الحماية والأمن للمنطقة، وجاءت تلك التحرّكات بعد حرب 1973، وإغلاق القوات البحرية المصرية مضيق باب المندب أمام التحركات الإسرائيلية، كما أرسل الشطر الشمالي من اليمن قواته، في 14 أكتوبر 1973، إلى بعض جزر البحر الأحمر لمنع أي محاولة إسرائيلية لاحتلالها.
لكن تلك الفكرة فشلت حينها بسبب عدم جدّية السعودية، وانتهت الفكرة بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وصار أمن البحر الأحمر شأنا يمنيا ومصريا خالصا لإشراف الدولتين على مضائق البحر في شماله وجنوبه، كما أن انحسار المخاطر على أمن البحر الأحمر وخضوعه لقانون البحار والمحيطات انتفت معه الحاجة إلى تشكيل تحالف لحفظ أمن البحر.
وبعد عودة المخاطر التي تهدد أمن البحر الأحمر، ما زالت السعودية تدور في مربّع الفشل، بدليل تبخّر تحالف الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج وعدن، الذي شكّلته قبل نحو ثلاث سنوات.
-دلالات تلاشي تحالفات السعودية
لقد أقدمت السعودية على تشكيل التحالفات المذكورة مدفوعة برغبة الانفراد بزعامة الإقليم، أو زعامة الدول العربية السُّنية ضد أطماع إيران ومليشياتها الطائفية في المنطقة، بعد تنامي نفوذها وازدياد خطرها، ورغم استجابة عدد من الدول لدعوة الرياض إلى الانضمام إلى تلك التحالفات، لكن الاستجابة لا تعكس رغبة حقيقية في الانخراط الفاعل فيها، وربّما تمت تحت ضغط الإلحاح والإحراج.
أما دلالات تبخّر تلك التحالفات وتلاشيها مبكّرا، فتكمن في أن السعودية غير مؤهلة لقيادات تحالفات إقليمية كبيرة، لأنها بلا رؤية إستراتيجية لزعامة الإقليم، ويغلب على سياستها الخارجية المكائد والمؤامرات على الأصدقاء قبل الخصوم، لا سيما أن تلك التحالفات بلا أهداف واضحة تماما، وكان فشل السعودية في اليمن أبرز الأسباب التي أظهرتها كدولة هشّة تفتقد للحزم والإرادة، خصوصا أن دور الإمارات التخريبي في اليمن أزاح السعودية جانبا، وولّد ذلك انطباعا بأن الإمارات هي من تقود السعودية في اليمن وليس العكس، وأن تمدد النفوذ الإماراتي على حساب النفوذ السعودي يعني أن السعودية ليست مؤهلة لقيادة أي تحالف.
يضاف إلى ذلك أن هناك بعض دول المنطقة ما زالت تتطلع لاستعادة دورها وتولّي زعامة الإقليم، مثل جمهورية مصر، ولذلك فهي غير جادة للانخراط في تحالفات تقودها السعودية، كما أن زخم الدور التركي في المنطقة العربية قزّم دور السعودية وجعلها بلا فاعلية، خصوصا أنها بدت غير جادة في حسم الملفات الأمنية الحساسة، وتنتهج سياسات غير مقبولة، ولا تحظى بإجماع الدول التي أبدت موافقتها المبدئية على الانضمام إلى التحالفات التي شكّلتها، وهي كلها تحالفات تشكّلت على هامش الأزمة اليمنية، والسبب الرئيسي لفشلها يكمن في فشل السعودية في إدارة الأزمة اليمنية، وعدم حسم الحرب ضد الحوثيين.