تقارير

لماذا يحرص التحالف على إطالة أمد الحرب في اليمن؟

22/02/2022, 18:58:12
المصدر : عبدالسلام قائد - خاص

بعد التصعيد العسكري الأخير ضد مليشيا الحوثيين، لم يدم تفاؤل اليمنيين (الحذر) كثيرا بتحقيق تحول نوعي في الحرب على المليشيا يفضي إلى تحقيق الحسم العسكري، أو إجبارها على تقديم تنازلات، والانخراط بجدية في مفاوضات السلام، فالتصعيد العسكري الذي جرى في جبهات عدة -خلال الأسابيع القليلة الماضية- سرعان ما بدأ في التلاشي، وكأن الهدف منه تمرير إجراءات سياسية تخدم مشروع الانفصال من جانب، ومن جانب آخر اختبار القدرات العسكرية للحوثيين بعد تزايد عمليات تهريب السلاح من إيران، ومصادرة البحرية الأمريكية كميات كبيرة من الأسلحة، التي كانت في طريقها إلى الحوثيين، خلال فترات متقاربة.

لا شك أن حرص السعودية وحليفتها الإمارات على إطالة أمد الحرب في اليمن سيترك آثارا وتداعيات في العلاقة بين اليمن والدولتين المذكورتين، ستمتد لمرحلة زمنية طويلة بعد انتهاء الحرب، وسيظل للنتائج السلبية لذلك التدخل التأثير الأكبر في رسم محددات تلك العلاقة، وقد يؤثّر ذلك على علاقات الدولتين (السعودية والإمارات) ببقية دول المنطقة والعالم، ورسم أنماط سلوك سياسي جديد متّبع في علاقات مختلف الدول ببعضها، والحذر من التدخل السلبي غريب الأطوار للرياض وأبو ظبي في أزمات المنطقة، أو في الشأن الداخلي لأي دولة من دول الإقليم، إذا اندلعت فيها حرب أهلية أو شهدت أزمة عاصفة.

- الفشل الإستراتيجي والاستجابة غير الواعية

ما زالت الأزمة اليمنية تدور في حلقة مفرغة، ويعد حرص السعودية والإمارات على إطالة أمد الحرب الثابت الوحيد في مسار تلك الأزمة. وإذا كان السلوك السعودي والإماراتي في اليمن يعكس فشلهما الإستراتيجي، فإن أسلوب الاستجابة لذلك السلوك من الحكومة اليمنية الشرعية وبقية المكوّنات اليمنية الفاعلة في الأزمة يعكس فشل أدائها الوظيفي في الدفاع عن سيادة البلاد، وفشلها في جعل التدخل العسكري الأجنبي لا يميل عن أهدافه المعلنة، لكن ما يحدث عكس ذلك، إذ انخرطت بعض المكوّنات اليمنية في تلميع السلوك التآمري للسعودية والإمارات على البلاد، أو الدفاع عنه والتعاون معه، طمعا في مكاسب خاصة أو نكاية بالخصوم السياسيين.

ومنذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015 وحتى اليوم، يُلاحَظ أن نمط السلوك السعودي والإماراتي في اليمن نمط غريب وغير مسبوق، ويتجاوز حتى بعض نظريات العولمة الخاصة بالعلاقات الدولية، مثل نظريات التبعية، بمعنى أنه حتى لو أرادت السعودية والإمارات جعل اليمن مجرد دولة تابعة لهما أو منقوصة السيادة فإنهما ما كانتا ستتعاملان بهذا السلوك التآمري الدنيء مع الأزمة اليمنية وبأسلوب سيكون له ارتدادات سلبية على الدولتين المذكورتين إذا استمرت الأمور تمضي وفق المسار السائد منذ نشوب الحرب قبل سبع سنوات.

والسؤال الأهم -في هذا السياق- هو: كيف يحدث ما يحدث؟ ولماذا برزت هذه العلاقة المختلة، التي لا تستند ولو إلى مرجعية أخلاقية، إذا افترضنا أن النظام الدولي برمّته -والمنطقة العربية جزء منه- يتسم بالفوضوية كونه يفتقد لأي سلطة مركزية عالمية تمتلك التفويض والقدرة على المحافظة على الأمن والسلم الدوليين وتطبيق القانون الدولي، وحماية مصالح الدول وتنظيم العلاقات فيما بينها في مختلف المجالات سياسيا وعسكريا واقتصاديا وغير ذلك، بالإضافة إلى تعزيز مكانة الدول وسيادتها، وإجبارها على التصرّف بشكل عقلاني يستند إلى مرجعيات قانونية وتشريعية، وليس إلى مرجعية القوة والسلوك الانتهازي؟!

- الحرب ومتطلّبات الواقع

لم يأتِ حرص السعودية والإمارات على إطالة أمد الحرب في اليمن من فراغ، وإنما هناك اعتبارات جيوسياسية وجيوإستراتيجية تحدد سلوك الدولتين في علاقتهما مع اليمن، وترسم طبيعة التدخل العسكري، وتحدد أهدافه ومساراته، وبالتالي فإن نمط ذلك السلوك ليس سوى استجابة وترجمة لمتطلبات واقع سياسي وجغرافي واقتصادي معين، خصوصا أن اليمن تتمتع بموقع إستراتيجي مهم تتحدد قيمته باعتباره أحد العناصر الرئيسية في التوازن الإستراتيجي الدولي، حيث تتواجد العديد من الأساطيل البحرية للقوى الإقليمية والدولية بالقرب من مضيق باب المندب، الذي تشرف عليه اليمن، كما أن الموقع الجغرافي لليمن يعد عمقاً إستراتيجيا لدول الخليج، وبالمثل فإن الموقع الجغرافي لدول الخليج يعد عمقاً إستراتيجياً لليمن، وهو ما يعني أن أي اضطرابات أمنية أو سياسية تشهدها اليمن ستؤثر مباشرة على دول الخليج.

وبما أن دول الخليج هشّة من الناحية الأمنية والعسكرية، رغم ضخامة الإنفاق على التسليح، ومخزونها الهائل من الثروات النفطية جعلها ساحة سباق على النفوذ للقوى الكبرى في العالم، وتزامنت نشأتها مع ثورات التحرر العربية والمد القومي ثم صراع النفوذ بين القوى الكبرى خلال حقبة الحرب الباردة، فإن ذلك جعلها -أي دول الخليج- مسكونة بالهواجس الأمنية، وتفزعها أي مؤشرات على تهديد استقرار العوائل الحاكمة، أو الثورات الشعبية، أو قيام أنظمة جمهورية ديمقراطية بالقرب منها.

كما أن استناد دول الخليج إلى الحماية الأجنبية من شأنه ترسيخ عامل نفسي يظل يزرع المخاوف التي تزداد وتيرتها كلما بدا أن ثمة تهديدات جديدة، أو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالتخلي عن حلفائها في الشرق الأوسط والاتجاه نحو السيطرة على البحار والمحيطات والتواجد بالقرب من المناطق الساخنة في العالم.

يضاف إلى ذلك أن سوء إدارة بعض دول الخليج لعلاقاتها مع اليمن، وغلبة أسلوب المؤامرات والمكائد في نمط تلك العلاقات، جعل كل عوامل قلق دول الخليج تمتد إلى اليمن ليس كنمط علاقات جوار، وإنما مجرد رد فعل على علاقات عدم حسن الجوار، فالشيوعية التي وجدت موطئ قدم لها في جنوب اليمن -خلال حقبة الحرب الباردة- كانت تشكل تهديدا لدول الخليج، وبدأ ذلك بالفعل من خلال دعم حكام عدن لجبهة ظفار اليسارية وتهديدهم بإسقاط الحكومات الملكية "الرجعية" في الخليج واستبدالها بأنظمة اشتراكية "تقدمية"، كما أن مصر (عبد الناصر) كان لها دور كبير في دعم ثورة 26 سبتمبر 1962، ردا على دعم السعودية وملكيات عربية أخرى للحكم الإمامي الكهنوتي المستبد.

وكذلك فإن وصول ثورات الربيع العربي إلى اليمن، وغلبة توجس السعودية والإمارات من تلك الثورات، جعلها تتعامل مع الأزمة اليمنية بأسلوب ثأري انتقامي، كما أن السعودية والإمارات منزعجتان من اتساع القاعدة الشعبية لحزب الإصلاح، وهو من الأحزاب التي تبغضها الرياض وأبو ظبي بسبب رفعها شعارات تطالب بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وأيضا فإن المشروع الإيراني التخريبي في المنطقة والمهدد لدول الخليج وصل إلى اليمن، وصارت إيران تؤذي السعودية والإمارات بقصف عمق أراضيهما بواسطة الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة انطلاقا من اليمن، يضاف إلى ذلك مخاوف الدولتين من أن يتمكن اليمنيون من النهوض ببلادهم في حال حسمت المعركة سريعا، ونجح مشروع الحكم الفيدرالي.

- التدخل لأجل الانتقام

وهكذا يمثل كل ما سبق ذكره الاعتبارات التي تفسّر سلوك السعودية والإمارات إزاء اليمن، وحرصهما على إطالة أمد الحرب، وإنهاك البلاد وتمزيقها وملشنتها، والمباعدة بينها وبين التنمية في مرحلة ما بعد الحرب، ومحاولة وأد كل عوامل القلق القادمة من اليمن، بما في ذلك الخوف من نجاح التحوّل الديمقراطي، ونجاح الفيدرالية، وتنشيط الموانئ، والارتقاء بها، وتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية. 

والحقيقة هي أنه ما كان لعوامل القلق لدول الخليج أن تصل إلى اليمن لولا النهج العدائي لبعضها إزاء اليمنيين، خصوصا السعودية، فوصول عوامل قلق الخليج إلى اليمن يعكس تدخلها السلبي وغلبة النهج التآمري على إدارة علاقاتها مع اليمنيين، وهو ما يولّد علاقات تنقصها الثقة والتعاون، ولو أن دول الخليج دعمت اليمن اقتصاديا وعسكريا، وتركت التدخل في شؤونه السياسية، فإن اليمن سيكون رقما صعبا في التحالف مع دول الخليج ضد إيران، وسيكون لذلك التحالف زخمه السياسي والعسكري.

وأخيرا، لا يمكن إغفال الاستجابة الفاشلة للسلوك التآمري السعودي والإماراتي ضد اليمن من قِبَل الحكومة اليمنية الشرعية والمكوّنات اليمنية المتحالفة معها ضد الحوثيين، ويعكس ذلك عجز وضعف السلطة اليمنية الشرعية عن القيام بوظيفة سياسية كاملة، ولهذا السبب فإن البلاد صارت عرضة لأشكال متعددة من النفوذ والتأثير والتعدي على السيادة الوطنية من الآخرين، وبسبب ضعف الحكومة اليمنية وعجزها فإنها اضطرت للتخلي عن جزء أو حق من حقوقها السيادية، لأجل ضمان استمرار الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية وغيرها، خصوصا أنها لم تعمل على اتباع منهج الاعتماد على الذات لتأمين حاجتها الأمنية والاقتصادية، فالسيادة ترتبط بالأداء الوظيفي للسلطة الشرعية، وأي خلل كبير في الأداء الوظيفي سيكون ثمنه التعدي الأجنبي على سيادة البلاد، وإدارة المعركة وفق ما تريد الأطراف الخارجية.

تقارير

صحيفة أمريكية ترجح: إعادة تصنيف الحوثيين بالإرهاب وضربات تستهدف قادتهم

توقع تحليل لصحيفة "ناشونال إنترست" أن توجّه إدارة ترامب مجموعة من الضربات على قادة الحوثيين رفيعي المستوى، والمواقع العسكرية لإضعاف الجماعة، مرجحا -في الوقت ذاته- أن يتجنب ترامب نشر قوات أمريكية على الأرض في اليمن.

تقارير

صحيفة فرنسية: الحوثيون من أكثر الأنظمة انغلاقا وجنون عظمة في العالم

نادراً ما يظهر اليمن في الأخبار. فالبلاد التي دمرتها الحرب الأهلية منذ عام 2014، والتي ضربتها كارثة إنسانية وانقسمت إلى كيانين أو ثلاثة كيانات إقليمية، تعد ثقباً أسود غامضاً نادراً ما يغامر الصحفيون بالوصول إليه.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.