تقارير
لماذا يواصل الحوثيون هجماتهم على إسرائيل رغم المتغيرات الإقليمية؟
تواصل مليشيا الحوثيين هجماتها على الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من انهيار ما يسمى محور المقاومة، غير آبهة بما قد يترتب على ذلك من رد فعل إسرائيلي في حال استمرار تلك الهجمات، مما قد يجعل مصير الحوثيين أشبه بمصير حزب الله اللبناني وفق التهديدات الإسرائيلية، بعد أن اضطر الحزب في نهاية المطاف للاستسلام والقبول بالشروط الإسرائيلية للتهدئة ووقف إطلاق النار، ولا يبدو أنه سيستطيع إعادة بناء قوته في المدى المنظور لأسباب عديدة.
بالنسبة لمليشيا الحوثيين فهي ليست قوية عسكريا قياسا بما كان عليه حزب الله اللبناني، وهجماتها على مدن أو مواقع للاحتلال الإسرائيلي ليست بالكثافة والفاعلية كالتي كانت عليها هجمات حزب الله، الذي تسببت هجماته في تهجير سكان مستوطنات شمال إسرائيل (فلسطين المحتلة)، لكن استمرار الحوثيين في تنفيذ هجمات على الاحتلال الإسرائيلي بعد انهيار المحور الإيراني سيكون له وقع خاص في أوساط النخبة الحاكمة في تل أبيب، التي سترى أن ذلك يمس هيبتها وأمن مواطنيها، وأنه لا بد من الرد.
- عوامل مشجعة
هناك الكثير من العوامل التي تشجع الحوثيين على مواصلة هجماتهم على الاحتلال الإسرائيلي والاعتقاد بأنه لن تكون هناك عواقب كبيرة ستترتب عليها، بالرغم من تفكك المحور الإيراني وانهيار أبرز مكوناته، والتهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري واسع ضد الحوثيين، وأنهم سيكونون الهدف التالي بعد حزب الله اللبناني.
ومن أهم العوامل التي تشجع الحوثيين على استمرار هجماتهم على إسرائيل هذه الأيام، الحديث عن قرب التوصل إلى تهدئة محتملة في قطاع غزة. وبما أن الحوثيين ربطوا وقف هجماتهم بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإن الحديث عن تهدئة محتملة يشجع الحوثيين على استثمار اللحظات الأخيرة باعتبار أنه بعدها ستتوقف الهجمات ولن تكون هناك مبررات لهجوم إسرائيلي واسع يستهدف قياداتهم ومخازن أسلحتهم، وبنفس الوقت ستعفيهم التهدئة المزعومة في غزة من استمرار مغامراتهم، والاحتفال بالنصر، كما أن استمرار الهجمات على إسرائيل بمنزلة رسائل موجهة للداخل بعد ازدياد المطالب الشعبية بالقضاء على الحوثيين بعد انهيار نظام بشار الأسد، وفحوى تلك الرسائل أنهم ما زالوا في موقع قوة، وأن تحديهم لإسرائيل سيجعل ما دونها أهون بالنسبة لهم.
يضاف إلى ذلك أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية السابقة لم تؤثر على الحوثيين، ولذا فهم يعتقدون أن أي ضربات جديدة حتى وإن كانت مكثفة فإنها ستستهدف مواقع فارغة وبنى تحتية مدنية، وبالتالي فلن يتضرر الحوثيون منها، كما أن البعد الجغرافي بين اليمن وإسرائيل سيجعل الضربات على الحوثيين شاقة ومكلفة، وكذلك فالمساحة الواسعة التي يسيطر عليها الحوثيون وتضاريسها الجبلية المعقدة ستمكنهم من امتصاص أثر الضربات الجوية، وهي عوامل تشجعهم على مواصلة هجماتهم على الاحتلال الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، لا تبالي مليشيا الحوثيين بتعريض المدنيين للخطر بسبب هجماتها غير المجدية على إسرائيل، فهي مليشيا بلا أي مرجعية أخلاقية تجعلها تضع مصالح المواطنين وأرواحهم فوق كل الاعتبارات، ولا تتورع عن التضحية بالمدنيين والتسبب في دمار مدن ونزوح سكانها من أجل تحقيق مكاسب سياسية غير مضمونة وخدمة إيران التي يبدو أنها لن تتخلى عن إستراتيجية الدفاع الأمامي بواسطة مليشيات طائفية موالية لها، وفي الوقت نفسه تحرص المليشيا الحوثية على أن تكون هجماتها على إسرائيل محدودة وغير فعالة حتى لا تستدعي ردا كبيرا يستهدف قيادات المليشيا ومخازن أسلحتها مما قد يؤثر على وضعها في الداخل ويجعلها في موقف ضعف أمام خصومها.
فضلا عن ذلك، فإن جمود الجبهات الداخلية، وعدم رغبة السعودية والإمارات في عودة الحرب في اليمن، وحرصهما على عدم القضاء على الحوثيين منذ عشر سنوات، وأيضا استئناف السعودية لجهود السلام وما يسمى خارطة الطريق الأممية في هذا التوقيت، تعد من أهم العوامل التي تشجع مليشيا الحوثيين على الاستمرار في تنفيذ هجمات متفرقة على الاحتلال الإسرائيلي، لاطمئنانها بأن الرياض وأبو ظبي ستحولان دون شن عملية عسكرية واسعة ضدها قد تقضي عليها وتنهي مستقبلها السياسي تماما.
- انتحار عسكري بحثا عن مكاسب سياسية
مؤخرا أفادت صحيفة معاريف الإسرائيلية بأن مليشيا الحوثيين أطلقت أكثر من 200 صاروخ وأكثر من 170 طائرة مسيرة متفجرة على إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة والقوات الجوية والبحرية الإسرائيلية اعترضتا معظم الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون من اليمن. وإذا كانت إحصائية صحيفة معاريف دقيقة، فإن العدد يبدو قليلا قياسا بالمدة الزمنية منذ عملية طوفان الأقصى وإلى اليوم، أي أنه كل 10 أيام أو 15 يوما يطلق الحوثيون صاروخا واحدا أو طائرة مسيرة واحدة باتجاه الاحتلال الإسرائيلي، وقد تم اعتراض معظمها، وهو ما يعني أن الهجمات الحوثية كانت بلا جدوى، وتحقق فرقعات إعلامية فقط.
وهكذا فالهجمات الحوثية على الاحتلال الإسرائيلي لن تغير من مجريات الصراع أو معادلات القوة، وضررها على الشعب اليمني أكثر من ضررها على إسرائيل في حال عمدت إسرائيل إلى شن عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا الحوثيين تشبه عملياتها العسكرية في قطاع غزة وجنوب لبنان، وتعمدت قصف ما بقي من البنى التحتية ومنازل المدنيين، وما سيترتب على ذلك من سقوط ضحايا مدنيين وتهجير سكان مدن بأكملها ونزوح داخلي سيزيد من عمق المأساة التي يعاني منها الشعب اليمني منذ عشر سنوات.
لا شك أن الحوثيين يدركون أن مثل هذه العواقب محتملة، لكنهم لا يبالون بذلك، فالأهم بالنسبة لهم في هذه المرحلة مواصلة هجماتهم لاعتقادهم بأنها ستمنحهم مكاسب سياسية آنية وأخرى على المدى الطويل، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي، فمحليا تعتقد المليشيا أن هجماتها على إسرائيل ستمنحها شرعية سياسية وقبولا شعبيا واصطفافا إلى جانبها يمكن توظيفه لاحقا في حربها الداخلية لترسيخ سيطرتها وتوسيعها، وأما إقليميا فالمليشيا ترى أن تلك الهجمات ستزيد من شعبيتها وسترسخ حضورها كبديل لحزب الله اللبناني ضمن ما بقي مما يسمى "محور المقاومة"، كما سيمنحها ذلك حظوة لدى إيران التي ستسخر كل الدعم الذي كانت تقدمه لحزب الله وغيره لها فقط، مع تقديم دعم محدود للمليشيات الطائفية في العراق.
وفيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية المحتملة التي ستستهدف قيادات مليشيا الحوثيين ومخازن أسلحتها، فالمليشيا تعتقد أنها اكتسبت مناعة ضد الغارات الجوية من خلال تجربة السنوات السابقة من الحرب في اليمن التي تخللتها غارات سعودية مكثفة على المواقع العسكرية للانقلابيين، ولم تستطع استهداف قيادات كبيرة من قيادات المليشيا التي تتحصن في مواقع سرية أو تتنقل في منازل منهوبة أو مهجورة في أوساط المباني السكنية للمدنيين. وكذلك الأمر بالنسبة لمخازن الأسلحة، فهي موزعة على مواقع كثيرة وبكميات قليلة، لا سيما الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي تستخدم في استهداف الاحتلال الإسرائيلي والسفن التجارية في البحر الأحمر.
- عن الدور الأمريكي المحتمل
ما سبق لا يعني أن قيادات المليشيا ومخازن أسلحتها ستكون في مأمن من الضربات الإسرائيلية، فإذا كانت الغارات الجوية الإسرائيلية السابقة على مواقع في مناطق سيطرة الحوثيين قد استهدفت بنى تحتية أو أهدافا مدنية، ولم تتسبب بأي خسائر فعلية للحوثيين، فإن ذلك يعني للوهلة الأولى أن إسرائيل ليس لديها بنك أهداف حوثية وبضربه يمكن تكبيد الحوثيين خسائر فادحة، وذلك لعدم وجود استخبارات إسرائيلية في مناطق سيطرة الحوثيين واليمن بشكل عام، لكن إسرائيل ستعتمد على المخابرات الأمريكية في حال قررت توجيه ضربة قاسية للحوثيين، وستستهدف معظم قياداتهم البارزة وأهم مخازن الأسلحة.
علما أن المخابرات الأمريكية لديها إمكانيات عالية وقدرات تكنولوجية فائقة، فهي حتى وإن كانت غير موجودة على الأرض، أو أن عملاءها غير قادرين على الحصول على معلومات كافية عن العدو، لكنها ستعتمد بشكل رئيسي على الصور والبيانات المخزنة في الأقمار الصناعية، ومن خلال تتبع تلك البيانات والصور ستتمكن من تحديد مواقع تخزين الأسلحة وغيرها من المواقع المشبوهة، بالإضافة إلى تتبع تحركات القيادات الرئيسية وأماكن إقامتها من خلال تتبع بصمات الوجوه عبر الأقمار الصناعية، وهذا سيستغرق وقتا طويلا حتى إنجازه، ولعل ذلك ما يفسر التصريحات الإسرائيلية عن استعدادات لعمل عسكري واسع ضد الحوثيين، وربما أن هناك تقنيات عالية الدقة ومستشعرات حديثة تستخدم في مثل هكذا حروب ولم يكشف بعد النقاب عنها.
وهكذا سيجد الحوثيون أنفسهم في موقف صعب، بسبب محاولاتهم المتاجرة السياسية بالقضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب في الداخل، وانخراطهم المتهور في المشروع الإيراني، ومقامرتهم بما بقي من بنية تحتية في البلاد وتعريض المواطنين لخطر كبير غير قادرين على درئه، أي أن المليشيا تنتحر عسكريا وتعرض حياة المدنيين للخطر، أملا في الحصول على مكاسب سياسية غير مضمونة ولا يشجع سياق الأحداث على الحصول عليها، وسيدفع المدنيون الثمن الأكبر لتلك المغامرات.