تقارير
ما مخاطر إطالة أمد انقلاب مليشيا الحوثي؟
رغم مرور ثماني سنوات على انقلاب مليشيا الحوثيين على الدولة والحصاد الأسود لذلك الانقلاب، إلا أنه لم تظهر إلى الآن أي بوادر للحسم العسكري واستعادة الدولة، لا سيما أنه كلما طال أمد الانقلاب ازدادت المخاطر المترتبة على ذلك، وما زالت الأخطاء التي مهدت للانقلاب وعودة الإمامة الكهنوتية مستمرة، ولم يكن متوقعا أنه بعد مرور نحو خمسة عقود على ثورة 26 سبتمبر 1962، التي اندلعت ضد نظام الحكم الإمامي الكهنوتي، أن تعود الإمامة من جديد في ذروة العهد الجمهوري، مع أن خمسة عقود من الثورة والجمهورية ثم الوحدة الوطنية والتعددية السياسية والحزبية كانت كفيلة بتحلل فكرة "الإمامة الكهنوتية" تماما.
ويزيد من الحيرة أن الانقلاب الحوثي (الإمامي) على الجمهورية تم بعد أقل من أربع سنوات من اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 التي كانت بمنزلة محطة تحول مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر، وقدمت نموذجا متميزا في الوحدة الوطنية والسلوك الحضاري السلمي لإسقاط النظام والالتفاف الشعبي الجارف حول مطالب التغيير.
وعندما حانت لحظة حصاد نتائج الثورة، وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حدث الانقلاب الحوثي الكهنوتي بتواطؤ مريب من قِبَل بعض ألوية الجيش وبعض القوى السياسية التي كان يفترض أن تكون في مقدمة الصفوف للدفاع عن الجمهورية.
كما أنه بعد مرور كل هذه السنوات لم تراجع القوى والمكونات السياسية مواقفها وتبحث عن أخطائها التي كانت بمنزلة عوامل مساعدة لحدوث الانقلاب وغير ذلك من الأخطاء التي تراكمت عبر عقود ولم ينتبه لها أحد أو يحذّر منها، ولا يكفي إلقاء اللوم على الأطراف الخارجية التي هندست ذلك الانقلاب، لأن دورها كان مكملا فقط إثر بروز محفزات محلية شجعتها على ذلك، وما زالت تلك المحفزات تطيل عمر الانقلاب استجابة لرغبة حكام الرياض وأبو ظبي لاستمرار ذريعة التدخل في البلاد وهدمها تحت لافتة الحرب على الحوثيين.
كما أن مراكز البحوث والدراسات المحلية والأجنبية لم تبحث بموضوعية ومهنية في جميع الأسباب والأخطاء التي مهدت لذلك الانقلاب، وتقديم المقترحات الكفيلة بإنهائه وضمان عدم تكراره مستقبلا.
وإذا كان الحسم العسكري ممكنا اليوم ضد المليشيا الحوثية، إلا أنه كلما طال تأخر الحسم فإن كلفته ستكون باهظة أكثر، وربما تحدث متغيرات إقليمية ودولية وتتشكل تحالفات جديدة تصب في مصلحة إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها في المنطقة.
- مخاطر تأجيل الحسم العسكري
تدير مليشيا الحوثيين مناطق سيطرتها بأسلوب الراحل من الحكم يوم غد، وبنفس الوقت تعمل على الاستعداد بشكل دائم لأي خطر وجودي يهددها ومحاولة تأبيد سيطرتها بمختلف الوسائل، بل والاستعداد لحكم اليمن كاملا. فمن ناحية، هناك سباق على النهب والسرقة والفيد بشكل موحش وجرف كل ما يمكن نهبه وسرقته، دون الالتزام بأدنى مسؤولية اجتماعية إزاء المواطنين. ومن ناحية ثانية، تبذل المليشيا كل جهودها لتطييف المجتمع وتطوير أسلحتها والاستمرار في تهريب السلاح من إيران وحشد المجندين وسجن المعارضين وتعذيبهم ونشر الخوف والذعر في أوساط المجتمع كقمع استباقي لأي انتفاضة شعبية ضدها.
وبالتالي، فإنه كلما زاد عمر انقلاب المليشيا الحوثية، أو عمر حكمها في مناطق الكثافة السكانية في اليمن التي تسيطر عليها، فإن ذلك سيترتب عليه مخاطر كبيرة ستزداد حدتها كلما طالت مدة سيطرة المليشيا، فيما يلي أهمها:
أولا، تفخيخ اليمن والإقليم بجيل جديد من المقاتلين العقائديين الذين يتعرضون اليوم لغسيل دماغ ممنهج وتجريف موحش للهوية الوطنية والدينية وتعبئتهم بثقافة القتل وخطاب الكراهية، ويتم ذلك من خلال تغيير مناهج المدارس الحكومية والأهلية وفرض مناهج طائفية في التعليم الجامعي وتطييف التعليم بشكل عام، والتعبئة المستمرة والتحريض على العنف والقتل عبر خطب الجمعة والفعاليات التي تقام في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى خطاب التعبئة القتالية المتواصل عبر وسائل الإعلام الخاصة بالمليشيا والتي كانت مملوكة للدولة، وإجبار الموظفين والطلاب والوجاهات الاجتماعية على حضور دورات التعبئة الطائفية، وإغراق الجدران والشوارع باللافتات المكتوب عليها عبارات التحريض على القتال وتخوين الآخرين واتهامهم بالعمالة والارتزاق وشيطنتهم بمختلف الوسائل.
ثانيا، سيكون المستقبل أشد قتامة وبؤسا جراء تنامي العديد من الظواهر، مثل: التفشي المستمر للفقر والجوع والأمراض وجرائم السرقة والقتل والعنف الأسري والأمراض النفسية وهجرة رؤوس الأموال وصغار المستثمرين وأيضا هجرة الكفاءات العلمية، جراء التضييق المتواصل والحكم بالحديد والنار، واستمرار الاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات وفرض الإتاوات الجائرة، وأيضا التعدي على الخصوصيات والتضييق على النساء وخطف الأطفال وتجنيدهم والتجنيد الإجباري لأبناء الأسر الفقيرة والضعيفة.
يضاف إلى ذلك تجنيد أعداد كبيرة من الجواسيس والمخبرين في مختلف المدن والأرياف التي يسيطرون عليها، والرقابة على الاتصالات والحوالات المالية، وخصوصا الحوالات من خارج البلاد، والرقابة المتواصلة على حركة المواطنين وتنقلاتهم، وتجميع بياناتهم بشكل دوري بذريعة توزيع الغاز، ومساعي التغيير الديمغرافي في المدن الرئيسية، ونهب الأراضي والعقارات وشراء الأراضي والبيوت التي يتعذر نهبها مهما كان ثمنها مرتفعا، لتحقيق التغيير الديمغرافي وسلب المدن الرئيسية هويتها اليمنية الأصيلة.
ثالثا، استمرار الضغط الهائل والعنيف على المجتمع، والقمع الوحشي والدموي لأي مؤشرات على انتفاضة شعبية مهما كانت محدودة، مثل القمع الدموي الذي طال انتفاضة منطقة حجور بمحافظة حجة، واستخدام القوة الغاشمة لقمع قرية خبزة بمديرية رداع في محافظة البيضاء، وهذا الضغط العنيف على المجتمع ممنهج ومدروس، والهدف منه جعل المجتمع في حالة دائمة من القلق والخوف والذعر والانشغال بلقمة العيش والسلامة الشخصية، للحد من ظهور أي انتفاضة شعبية ضد حكم المليشيا، الذي تجاوز في بشاعته مساوئ الحكم الإمامي الكهنوتي العنصري الذي خرجت من رحمه مليشيا الحوثيين.
رابعا، لا شك أن طول أمد حكم مليشيا الحوثيين، بعد ثماني سنوات من الانقلاب، سيجعل أمن الإقليم مكشوفا أمام إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها في منطقة المشرق العربي، فقبل الانقلاب لم تكن تجرؤ أي مليشيا طائفية في المنطقة على إطلاق رصاصة واحدة باتجاه أي دولة خليجية أو تتحدث مجرد حديث عنها أو عن اليمن، وكانت هناك مخاوف ليس من ردة فعل أي دولة خليجية، وتحديدا السعودية، ولكن من ردة فعل الدول الغربية الحليفة للسعودية ودول الخليج استجابة لاتفاقيات حماية أمنية.
غير أن انقلاب مليشيا الحوثيين واستمرار سيطرتها على عاصمة البلاد وما حولها، وفشل السعودية في حربها على الحوثيين، كل ذلك جعل أمن المملكة والإقليم مكشوفا أمام إيران ومليشياتها، كما أن مخاوف السعودية ورضوخها لابتزاز الحوثيين، سيشجعهم ويشجع إيران والمليشيات الموالية لها في المنطقة على التمادي في استثمار الانكشاف الأمني للسعودية والإمارات واستمرار التهديد والابتزاز، وأيضا تهديد الملاحة البحرية وأمن الطاقة.
وهكذا تتضح خطورة طول أمد سيطرة مليشيا الحوثيين بعد انقلابها المشؤوم على السلطة الشرعية وعلى النظام الجمهوري واغتيال العملية السياسية ونسف كل المكتسبات الوطنية التي تحققت بفضل نضال الأحرار اليمنيين قديما وحديثا، فالمجتمع على وشك الانهيار جراء الضغوط العنيفة والإرهاق المتواصل، وضعف السلطة الشرعية والانقسامات بين مكوناتها ومؤامرات التحالف السعودي الإماراتي كلها عوامل تطيل عمر الانقلاب الحوثي وتعزيز سيطرته وتقويته عسكريا، وسيجعل ذلك الحسم العسكري ضد الحوثيين مستقبلا أكثر كلفة من الحسم في الوقت الراهن.
كما أن أمن الإقليم والمصالح الدولية ستكون عرضة لمخاطر متزايدة، لا سيما في ظل استمرار إيران في مواصلة الدعم للحوثيين وإمدادهم بالخبراء العسكريين وخبراء تطوير الأسلحة وصناعتها، فهي تنظر لليمن كقاعدة متقدمة لها تستخدمها في تهديد أمن الإقليم وأمن الطاقة والملاحة البحرية، وكسب مزيد من الأوراق التفاوضية وابتزاز المجتمع الدولي.