تقارير
ما هي خسائر الحوثيين في حال سقوط النظام الإيراني؟ "تحليل"
لا شك أن ما تتعرض له إيران من قصف إسرائيلي واسع النطاق، وربما يتبعه تدخل عسكري أمريكي، سيلقي بظلاله على وضع المليشيات الطائفية التابعة لها في عدد من البلدان العربية، وفي مقدمتها مليشيا الحوثيين، التي تبدو اليوم الأكثر قلقا من مآلات ما تتعرض له راعيتها إيران من هجوم وإذلال قد يصل إلى تدمير برنامجها النووي تماما وإسقاط نظام حكم الولي الفقيه، الذي بسقوطه ستتأثر مختلف أذرع إيران أو ما بقي منها، وستتآكل قوة تلك الأذرع تدريجيا وربما تختفي من المشهد جراء توقف الدعم بالمال والسلاح والتدريب الذي كانت تزودها به طهران.
- علاقة الراعي والوكيل
وكانت مليشيا الحوثيين قد برزت كواحدة من أبرز أدوات إيران في تنفيذ إستراتيجيتها الإقليمية، التي تقوم على مبدأ "الدفاع الأمامي" وتحقيق النفوذ خارج الحدود، وكان الدعم الإيراني المقدم لها مشروعا متكاملا لتغيير التوازنات، يبدأ من اختبار الأسلحة الإيرانية ومواجهة خصوم طهران، وانتهاء بجعل الحوثيين من أكثر وكلاء إيران فاعلية، خصوصا لكون اليمن نقطة انطلاق محتملة لعمليات أوسع في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب ودول الخليج، ومنح إيران امتداد بحري غير مسبوق، بخلاف حزب الله اللبناني الذي كان مجرد أداة إيرانية ضد إسرائيل فقط.
وإذا كانت مليشيا الحوثيين قد حققت مكاسب إعلامية ودعائية على هامش العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وكانت الرابح الأكبر من بين أذرع إيران التي انهار بعضها وتراجع دور البعض الآخر جراء الأحداث التي شهدتها المنطقة بعد عملية "طوفان الأقصى"، وكانت تظن أنها وصلت إلى مرحلة مراكمة المزيد من المكاسب التي ستجعل منها لاعبا إقليميا يدور في فلك إيران، وما سيوفره لها ذلك من مناعة عسكرية في الداخل، إلا أن التطورات الأخيرة وضعت تلك المكاسب على المحك، وبدأت بوادر الانهيار الفعلي تلوح في الأفق، لا سيما في حال سقوط نظام الولي الفقيه في طهران، وانكفاء أذرع إيران الإقليمية في أكثر من ساحة.
لقد بات واضحا أن الدعم الإيراني، الذي شكل شريان الحياة السياسي والعسكري للحوثيين، آخذ في التآكل، مما ينذر بخسارتهم أهم مصدر للتمويل والتسليح، وفقدانهم للغلاف الإقليمي الذي وفر لهم الحماية والشرعية الدعائية.
ومع تراجع النفوذ الإيراني، أو سقوط النظام، ستفقد مليشيا الحوثيين كثيرا من أوراقها التفاوضية والعسكرية، وستجد نفسها معزولة إقليميا، وأن ما كانت تعتقد أنه بداية لصعود إقليمي، قد يتحول في ضوء المستجدات الراهنة إلى بداية لانحدار يهدد بقاءها السياسي والعسكري مستقبلا.
- الخسائر العسكرية
تتمثل أبرز الخسائر التي سيتكبدها الحوثيون في حال سقوط النظام الإيراني أو إضعافه في الدعم العسكري، الذي مكنهم من تعزيز حضورهم الإقليمي خلال الأشهر الأخيرة، وقبل ذلك ضرب عمق الأراضي السعودية والإماراتية، فضلا عن دور ذلك الدعم في معارك الحوثيين في جبهات الداخل.
بدأت إيران بتسليح الحوثيين وتدريبهم منذ عام 2015، فأرسلت لهم صواريخ باليستية وكروز، ثم طائرات مسيرة بحلول عام 2017، وفقا لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، واستُخدمت تلك الترسانة من الأسلحة في مهاجمة الخصوم وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، كما كانت تلك الهجمات بمنزلة استعراض إيران لأسلحتها خارج حدودها.
ظلت إيران تهرب الأسلحة والمدربين والمستشارين العسكريين إلى مليشيا الحوثيين طوال سنوات عبر طرق تهريب بحرية وبرية، منها بحر العرب، وخليج عدن، والقرن الأفريقي، وعبر سلطنة عمان. وبين عامي 2013 و2024، صادرت الولايات المتحدة وشركاؤها 18 شحنة أسلحة مهربة للحوثيين.
بدأ الدعم بأسلحة خفيفة، ثم توسع ليشمل صواريخ باليستية، وصواريخ كروز، وطائرات مسيرة بعيدة المدى. وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن إيران أنفقت "مئات الملايين من الدولارات بين عامي 2012 و2020 لدعم مليشيا الحوثيين".
ومنذ عام 2014، تعاونت إيران وحزب الله اللبناني في تدريب الحوثيين وإنشاء ورش لتجميع الأسلحة، وتصاعد هذا الدعم مع بدء التحالف السعودي الإماراتي حملته العسكرية ضد الحوثيين في عام 2015 بزعم إسناد السلطة الشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي، وقد مكنت الأسلحة الإيرانية الحوثيين من تنفيذ هجمات بعيدة المدى. ورغم نفي إيران وحزب الله تورطهما المباشر، أشارت تقارير لاحقة (مايو 2024) إلى أن تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن أصبحت في حوزة الحوثيين.
ومع بدء الحوثيين بشن هجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي، في 19 أكتوبر 2023، بالصواريخ والطائرات المسيرة، بذريعة إسناد قطاع غزة ضد العدوان الصهيوني، وإعلانهم استهداف السفن التجارية والعسكرية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، زادت إيران من دعمها الاستخباراتي لهم، وربما سرعت من إمدادات الأسلحة المتطورة، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادة للسفن، وصواريخ كروز طويلة المدى تصل إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد أتاح الدعم العسكري الإيراني للحوثيين بناء ترسانة صاروخية وطائرات مسيرة مكنتهم من ضرب عمق السعودية والإمارات ولاحقا الكيان الصهيوني، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر، واستخدام إيران لمناطق سيطرة الحوثيين كمنصة تهديد عابر للحدود.
وفي حال سقوط النظام الإيراني، فإن منظومة تهريب السلاح ستتوقف أو تتفكك، مما سيؤدي إلى انقطاع خط الإمداد الرئيسي الذي مكن الحوثيين من تعويض خسائرهم في الجبهات وتجديد قدراتهم الهجومية، ومن دون طهران لن تكون هناك ورش لتجميع الصواريخ، ولا خطوط لوجستية خفية، ولا مدربين من حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني يشرفون على تطوير قدرات الحوثيين.
وإذا كان الدعم العسكري الإيراني قد منح الحوثيين قدرة عسكرية تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، فإنه في حال سقوط النظام الإيراني ستكون تلك القوة تحت خطر التآكل السريع، فغياب الإمداد المنتظم يعني نفاد الذخيرة المطلوبة، وتعطل ورش التصنيع المحلية، وتراجع دقة العمليات التي كانت تعتمد على إشراف استخباراتي إيراني مباشر، وستفقد المليشيا توازنها أمام خصومها المحليين والإقليميين.
- الخسائر المالية
وبالإضافة إلى الخسائر العسكرية، ستخسر مليشيا الحوثيين الدعم المالي الذي كانت تقدمه لها طهران. وسبق أن كشفت تقارير رسمية أمريكية وأممية عن ذلك الدعم، الذي يتم إما بشكل مباشر عبر تحويلات نقدية، أو غير مباشر عبر شبكات تهريب النفط والمعادن، وصفقات تسليح تدار في الظل.
ووفقا لتقديرات أمريكية، يتراوح الدعم المالي الإيراني للحوثيين ما بين 100 إلى 300 مليون دولار سنويا، تُستخدم في تمويل عمليات الحوثيين العسكرية والإعلامية، ودفع رواتب للمقاتلين تصل إلى 100 دولار شهريا للفرد، وُصفت بأنها تأتي في إطار إستراتيجية "التعبئة الرخيصة" مقارنة بتكاليف دعم حزب الله في لبنان.
لكن هذا الدعم لا يُقدم في صورة دفعات مالية مباشرة فحسب، وإنما يتم عبر منظومة معقدة من شبكات التهريب والتمويل، تديرها شخصيات إيرانية ويمنية، من أبرزهم "سعيد الجمل"، الذي تصفه وزارة الخزانة الأمريكية بأنه العقل المالي المدبر لتمويل الحوثيين، ويقيم في إيران، وفرضت عليه عقوبات.
وتُظهر الوثائق الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2021 وحتى عام 2025، أن إيران تستخدم شبكة من شركات الصرافة لتحويل عائدات النفط الإيراني للحوثيين. وتؤكد التقارير أن عشرات الملايين من الدولارات تم ضخها عبر تلك الشبكات، التي تعتمد على بيع النفط والقمح والوقود في الأسواق العالمية، ثم تحويل الأرباح إلى المليشيا الحوثية عبر السوق السوداء.
وضمن صفقات "التمويل المتبادل"، كشفت تقارير أن الحوثيين استوردوا شحنات قمح وزيت من روسيا، دُفعت أثمانها بأموال إيرانية أو من عائدات النفط المهرب، كما تم نقل أسلحة وذخائر للمليشيا الحوثية، في تكرار لسيناريو دعم حزب الله اللبناني لكن على الساحة اليمنية.
وكان فريق خبراء أممي قد كشف، عام 2019، أن طهران هربت وقودا إلى مليشيا الحوثيين في اليمن، واستُخدمت عائداته لتمويل الحرب، كما أدارت شبكات تهريب لدعم الحوثيين ماليا.
لقد اعتمدت مليشيا الحوثيين، طوال السنوات الماضية، على شبكة مالية إيرانية محكمة تمثل شريانا حيويا لتمويل أنشطتها العسكرية والإعلامية، وهذا الدعم لم يكن يتدفق عبر قنوات تقليدية، وإنما تشكل من منظومة معقدة من التهريب والتحايل المالي. وفي حال سقوط النظام الإيراني، فإن هذه المنظومة ستنهار بالضرورة، مما يعني توقف التدفقات المالية التي اعتاد الحوثيون عليها.
وبالتالي فإن قدرة الحوثيين على الاستمرار في الحرب بنفس الوتيرة ستضعف تدريجيا، وسيتراجع حضورهم العسكري والدعائي، وربما أن ذلك قد يفتح المجال أمام انهيارات داخلية متسلسلة، ويعيد رسم خارطة التوازنات في اليمن بعيدا عن النفوذ الإيراني.