تقارير
مجاعة في الأفق.. أزمات متفاقمة تهدد حياة اليمنيين في ظل تراجع المساعدات
أكثر من تسع سنوات من الحرب المستمرة، وطوال عقد من الزمن من الأزمات الاقتصادية والإنسانية، لا يزال الشعب اليمني يعاني من تأثيرات كارثية تمسُّ جميع جوانب الحياة اليومية، حيث يعجز الآباء عن تأمين لقمة العيش لأطفالهم، وتتفشي الأوبئة في غياب الرِّعاية الصحية، وبينما تواجه الأسر تحدِّيات يومية للبقاء على قيد الحياة، في خضم هذا الواقع الصعب، تظهر قصص مأساوية تعكس حجم المعاناة.
تقول أم مازن: "آخر مرة وصلتنا مساعدات كانت قبل أربعة أشهر، كنا نعتمد عليها في توفير الطعام والشراب لأطفالنا، لكن الآن لا نعرف ماذا سنفعل، الوضع أصبح أصعب بكثير، وأسعار المواد الغذائية أصبحت فوق طاقتنا".
ورغم المحاولات المستمرة من بعض الجهات المحلية لإيجاد بدائل، فإن الوضع يبدو أكثر تعقيدا.
تقول مشيرة: "كنا نعتمد على المواد الغذائية، التي توزعها المنظمات، لكن، منذ بداية عام 2025، توقفت الكثير من البرامج الإنسانية، بدأنا نبيع ما تبقى لدينا من أشياء منزلية لنتمكن من شراء المواد الغذائية الضرورية، الوضع بالنسبة لنا أصبح صعبا للغاية، حتى إن اطفالي ينامون أحيانا بدون عشاء".
- نقص التمويل وأثره
منسق اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية، جمال بالفقيه، يقول لـموقع "بلقيس": "نقص التمويل، الذي تعاني منه برامج الأمم المتحدة، يشكل عبئا إضافيا على اليمنيين، خاصة في مجال الأمن الغذائي".
وأضاف: "تكرار الانخفاضات الجوية في العديد من المناطق أدى إلى تدمير المنازل، وجرف الممتلكات الزراعية، مما فاقم من الوضع المعيشي للأسر اليمنية".
وأوضح: "هذه الظروف أدت إلى صعوبة قدرة الأسر على شراء المواد الأساسية، مما يزيد من معاناتهم اليومية، خاصة في ظل اقتراب حلول شهر رمضان المبارك".
ودعا بالفقيه جميع الدول المانحة والمنظمات الدولية إلى زيادة دعمها لليمن في هذه المرحلة الحساسة، والتوجّه نحو المناطق المحررة لتوسيع نطاق العمل الإغاثي هناك.
وشدد على أهمية التعاون مع المنظمات المحلية لتسهيل وصول المساعدات إلى جميع المناطق المستهدفة دون تأخير.
- تفشي الأزمات الاقتصادية
تشهد اليمن أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يعيش أكثر من خمسة ملايين أسرة تحت وطأة الأزمات الإنسانية المتفاقمة بسبب الصراع المستمر وتدهور الاقتصاد.
ووفقا لتصريح الباحث في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، إيهاب القرشي، فإن الوضع الحالي في اليمن أصبح أكثر صعوبة مع تدهور الخدمات الصحية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، حيث تسكن أربعة ملايين أسرة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ومليون أسرة في المناطق المحررة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
وأوضح القرشي لـموقع "بلقيس" أن "الوضع الإنساني تفاقم بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، حيث يفقد طفل دون الخامسة حياته كل دقيقة ونصف؛ نتيجة سوء التغذية، بينما تموت امرأة أثناء الولادة كل أربع ساعات بسبب ضعف الخدمات الصحية".
كما أدى تدني قيمة الريال اليمني بنسبة 995٪ إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية، مما جعل سلة الإنفاق للأسرة اليمنية ترتفع من 52,100 ريال إلى 570,000 ريال، في حين أن متوسط دخل الموظف لا يتجاوز 40 دولارا شهريا.
وأشار القرشي إلى أن "الأسر في مناطق سيطرة الحوثي تعاني بشكل خاص بعد توقف برنامج الغذاء العالمي في أبريل 2024، ما زاد من معاناتهم. كما ارتفعت أسعار الغاز والسلع الأساسية، مع استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
- مجاعة محققة
مع تراجع المساعدات الإنسانية وتوقف العديد من المنظمات الدولية عن تقديم الدعم؛ بسبب القيود المفروضة، يواجه الملايين من المواطنين ظروفا معيشية قاسية.
في هذا السياق، حذَّر الباحث في الشؤون الاجتماعية، محمد المقرمي، من "مجاعة محققة" قد تلوح في الأفق بعد انحدار الوضع الإنساني من المرحلة الرابعة (الطوارئ) إلى المرحلة الخامسة (المجاعة)؛ إثر توقف ثلث المساعدات الأممية في بداية عام 2025، مما أثر سلبا على أكثر من 4 ملايين مستفيد.
وأشار المقرمي، لـموقع "بلقيس"، إلى أن القيود، التي تفرضها جماعة الحوثي على المنظمات الإنسانية، وحملات الاختطاف، التي تستهدف العاملين في المجال الإغاثي، تعيق وصول المساعدات إلى المدنيين.
وطالب المقرمي المجتمع الدولي بزيادة الضغط على الحوثيين لتقديم التسهيلات للمنظمات الإنسانية من أجل إنقاذ المدنيين المتضررين، كما شدد على ضرورة زيادة الدعم في المناطق التي تحتاج إلى المساعدة العاجلة، خاصة في ظل الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد.
- ظواهر جديدة تزداد تفشياً
ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، يواجه اليمنيون أزمة إنسانية حادة بسبب تزايد معاناتهم من انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع الأسعار الجنوني.
يقول المقرمي: "إن أكثر من 22 مليون يمني يواجهون صعوبة في تأمين قوت يومهم"، مؤكدا أن "بعض الأسر اضطرت إلى بيع أعضائها لتغطية احتياجاتهم الأساسية".
إضافة إلى ذلك، بدأت ظواهر جديدة؛ مثل اختطاف الأطفال والاتجار بالبشر، بالانتشار في المجتمع اليمني، مما يزيد من تعقيد الوضع.
وحذّر المقرمي من تفشي ظواهر لا أخلاقية بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأسر.
وأكد على ضرورة أن تتحمل الحكومة اليمنية مسؤوليتها تجاه الشعب اليمني، وتتحرك نحو إيجاد حلول تضمن وقف المعاناة التي يعيشها المواطنون.
في ختام تصريحاته، دعا المقرمي إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي بالضغط على جماعة الحوثي للجلوس على طاولة المفاوضات، بما يسهم في إيجاد حلول سلمية تضمن استقرار اليمن.
وشدد على أن الحلول الحقيقية لن تتحقق إلا بتعاون داخلي بين جميع الأطراف، مع دعم دولي فاعل يساعد في إعادة بناء اليمن على أسس سياسية واقتصادية مستقرة.
تتجلى الصورة القاتمة للأوضاع الإنسانية في اليمن في ظل الأزمات المتفاقمة، التي تهدد حياة الملايين. ومع استمرار التحديات الاقتصادية، يبقى الأمل في تحسين الوضع رهينا بتضافر الجهود الدولية والإقليمية. ورغم الظروف الصعبة، تظل الفرص قائمة لتحقيق التغيير إذا توفرت الإرادة السياسية والتعاون الفعال بين جميع الأطراف المعنية.