تقارير

مدرستان في وطن واحد.. الانقسام التعليمي يُعمّق جراح اليمن

15/07/2025, 13:50:13
المصدر : قناة بلقيس - خاص

في اليمن، لم تعد الحرب تكتفي بتقسيم الجغرافيا والسياسة؛ بل امتدت إلى تقسيم التقويم المدرسي، والمناهج الدراسية، وحتى نُظم الامتحانات، إذ أعلنت وزارتا التربية في صنعاء وعدن -الخاضعتان لسلطة الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا- عن بدء العام الدراسي الجديد 2025 – 2026 في تاريخين مختلفين، وفق تقويمين، ومناهج، ونُظم تربوية متباعدة، ما يُعمّق الانقسام الوطني ويهدد مصير جيل بأكمله.

وزارة التربية في صنعاء، التي تخضع لسيطرة الحوثيين، أعلنت، في وقت سابق، بدء العام الدراسي الجديد في 3 محرم 1447هـ، الموافق 28 يونيو 2025م، بينما حدّدت وزارة التربية في عدن، التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، موعد بدء الدراسة في 31 أغسطس 2025م، بفارق زمني يقارب الشهرين، في تعبير واضح عن انقسام مؤسسي وهيكلي في منظومة التعليم في اليمن.

ويمتد التباين إلى سير العملية الدراسية ومواعيد الامتحانات والإجازات، في وقت يعجز فيه الكثير من الطلاب وأولياء الأمور، خصوصًا في مناطق التماس أو النزوح، عن مواكبة هذا الانفصام ضمن جدول زمني واحد.

- مناهج دراسية مختلفة

إلى جانب التقويم المدرسي، أصبحت المناهج الدراسية ساحة صراع موازية، ففيما تُدرّس المدارس الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية مناهج 2014 دون تعديل، لجأت جماعة الحوثي إلى إجراء تغييرات جذرية في مناهجها الدراسية.

مصادر تربوية أكدت لـ"قناة بلقيس" أن الحوثيين أضافوا هذا العام مواد جديدة لطلاب الثانوية العامة، ذات طابع طائفي أيديولوجي، وفرضوا مواد ثقافية إلزامية خارج الإطار الرسمي، مع تعيين مُعلمين يتبعون لهم خصيصًا لتدريس تلك المواد في المدارس الحكومية والخاصة.

كما أُعيدت صياغة دروس التاريخ والتربية الإسلامية لتتماشى مع خطاب الجماعة، مما أثار مخاوف من نشوء جيل مشوّه الهوية الوطنية، ومفتقر للمعايير التربوية الموحّدة.

في المقابل، لا تزال مناهج التعليم في مناطق الحكومة الشرعية ثابتة كما كانت قبل الحرب، ما جعل الطلاب في مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين يتلقون تعليمًا مختلفًا جوهريًا، ويخرجون من المدارس بحمولات معرفية وفكرية متباعدة.

- نُظم امتحانات متباينة

ويستمر الانقسام أيضًا في نُظم الامتحانات. ففي مناطق الحكومة الشرعية، تمّ إلغاء الامتحانات الوزارية للصف التاسع، مع اعتماد نتائج الصفين الأول والثاني الثانوي كجزء من المعدّل التراكمي لطلاب الثانوية العامة، في توجّه يهدف إلى تحديث آليات التقييم، وتقليص الضغط على الامتحانات المركزية الموحّدة، وتعزيز التقييم التراكمي.

في المقابل، تُبقي جماعة الحوثي على نظام الامتحانات الوزارية المركزية للصفين التاسع والثالث الثانوي، بل وعادت مؤخرًا إلى إحياء الامتحانات الوزارية لطلاب الصف السادس الابتدائي، وهو إجراء يعود إلى ما كان معمولًا به في اليمن خلال تسعينات القرن الماضي، وتُضمَّن أسئلة الامتحانات بصبغة مذهبية وسياسية، وفقًا لشهادات طلاب وأولياء أمور.

وتؤكد مصادر تربوية أن إعادة الحوثيين امتحانات الصف السادس بالنظام المركزي -ولو على مستوى المديريات- ليس الهدف منه تربويًا؛ بل أمني وأيديولوجي لضبط المدارس من سِن مبكرة، وفرض رقابة مباشرة على بيئة التعليم، خصوصًا فيما يتعلق بتدريس المنهج الحوثي الذي يلقى معارضة شديدة في الأوساط التربوية.

وقد أدى هذا التفاوت إلى غياب معيار وطني موحّد للمخرجات التعليمية، ما يجعل مستقبل الاعتراف بالشهادات اليمنية، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، محل شك وتساؤل داخليًا وخارجيًا، ويُربك مؤسسات التعليم العالي والمنظمات الدولية الساعية لدعم التعليم في اليمن.

- جيل على مفترق طرق

وحذّر تربويون من مغبة هذا الانقسام الخطير، مؤكدين أنه يعكس استغلال التعليم كأداة للصراع السياسي والفكري، خصوصًا من قِبل جماعة الحوثي، التي حوّلت المدارس إلى معسكرات مُصغّرة لتجنيد الطلاب والدَّفع بهم نحو جبهات القتال، بدلًا من كونها وسيلة للارتقاء بالمجتمع وبناء المستقبل.

وأكدت المصادر التربوية أن المدارس في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تحوّلت إلى منابر للتجنيد الأيديولوجي والتعبئة السياسية، ما يُهدد الأجيال القادمة بفقدان روح الانتماء الوطني، وتكريس الانقسام الفكري والمناطقي.

ويشدد تربويون وحقوقيون على أن تحييد التعليم عن الصراع، وتوحيد المناهج والتقويم والامتحانات، يجب أن يكون أولوية عاجلة في أي مسار للسلام وإعادة الإعمار؛ لأن استمرار الانقسام في هذا القطاع الحساس يعني زرع ألغام فكرية وذهنية في أجيال قادمة، قد يصعب نزعها في المستقبل القريب.

وبين هذه الانقسامات، يقف طلاب اليمن أمام مفترق طرق؛ فهم ضحايا لجغرافيا متصدِّعة، ومنظومة تعليمية مشطورة، ومناهج متضاربة، وتقاويم متباينة، وامتحانات غير موحّدة. 

ففي كل إطار جغرافي زمن تعليمي مختلف، وشهادة مختلفة، ومستقبل معلّق على تفاهمات سياسية لم تولِ التعليم أي أولوية.

تقارير

الحوثيون يوسعون الانقسام النقدي.. وخبراء يحذرون من "مسار اللاعودة"

في خطوة تصعيدية جديدة تهدد بتفكيك ما تبقى من النظام المالي الموحد في اليمن، أعلنت مليشيا الحوثي، عبر "البنك المركزي" في صنعاء، عن إصدار أوراق نقدية جديدة من فئة 200 ريال وطرحها للتداول اعتبارًا من الأربعاء، وذلك بعد أيام من سك عملة معدنية من فئة 50 ريالًا.

تقارير

تواطؤ أممي وتحايل حوثي.. كيف تحولت "نوتيكا" إلى منصة لتهريب النفط وتمويل الحرب؟

كانت السفينة «صافر» العائمة قرب سواحل اليمن في البحر الأحمر تُعد قنبلة موقوتة، لكن بفضل الأمم المتحدة، تحولت إلى قنبلتين، وفوق ذلك أصبحت أداة جديدة لتعزيز اقتصاد ميليشيا الحوثي الحربي، ووسيلة لتربّح الموظفين الأمميين، ومحطة لعبور النفط الإيراني والروسي المهرّب.

تقارير

كيف استلهم الحوثيون مساوئ الطائفية في إيران وبعض الدول العربية؟

بعد استكمال سيطرتها على المساجد في المدن الرئيسية وإغلاق مراكز تحفيظ القرآن الكريم فيها، بدأت مليشيا الحوثيين حملة ممنهجة للسيطرة على المساجد وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن في المدن الثانوية والأرياف النائية، ويتخلل ذلك حملات قمع وترويع واعتقالات، مثل قتل أحد أبرز معلمي القرآن في محافظة ريمة، الشيخ صالح حنتوس، والسيطرة على عدد من المساجد في بعض أرياف محافظة إب بعد طرد أئمتها أو اعتقالهم، وتنفيذ حملات اعتقال واسعة في المحافظة ذاتها، وامتداد هذه الحملة إلى محافظة البيضاء، وقد تتسع في الأيام المقبلة لتشمل مناطق أخرى تسيطر عليها المليشيا.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.