تقارير
منظمة صحفيات بلا قيود: انفجارات صرف جريمة حرب تتطلب تحقيقا ومساءلة عاجلة
قالت منظمة "صحفيات بلا قيود" إنها تتابع بقلق بالغ التقارير الواردة بشأن الانفجارات المروعة التي هزت منطقة صرف بمديرية بني حشيش شمال صنعاء.
واعتبرت المنظمة ما حدث جريمة حرب موصوفة تعكس استخفافًا صارخًا بحياة المدنيين، وتتطلب فتح تحقيق دولي عاجل لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
وذكرت أنه استنادًا إلى شهادات عيان ومصادر متعددة، فإن الانفجارات وقعت داخل منشأة مغلقة وسط حي مكتظ بالسكان، حولتها مليشيا الحوثي إلى مخزن سري للصواريخ والمواد شديدة الانفجار.
وأشارت إلى قربها من نقطة تفتيش تابعة لمليشيا الحوثي تعرف باسم "خشم البكرة"، مما يؤكد سيطرة المليشيا الكاملة على الموقع ومعرفتها التامة بطبيعته الخطيرة، حسب تعبير بيان المنظمة.
وأكدت أن هذا السلوك يرقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ويشكل نمطًا ممنهجًا من تعريض المدنيين للخطر واستخدامهم كدروع بشرية.
- تفاصيل مروعة
أوضحت المنظمة، استنادًا لإفادات سكان محليين وتقارير صحفية ومصادر مفتوحة، أن انفجارات عنيفة هزت منطقة صرف عند قرابة الساعة التاسعة من صباح الخميس، 22 مايو 2025، عقب تصاعد سحابة كثيفة من الدخان من فناء يضم مبنيين وملحقًا، كانت مليشيا الحوثي قد حولته إلى مستودع سري لتخزين الأسلحة والذخائر.
أعقب ذلك انفجاران هائلان تسببا في دمار واسع النطاق، شمل ما لا يقل عن 15 منزلًا سكنيًا، انهار بعضها بالكامل على رؤوس قاطنيها، في حين تطايرت المقذوفات والصواريخ في محيط المنطقة، مما ألحق أضرارًا مباشرة بأكثر من 100 منزل.
وأسفرت هذه الانفجارات الكارثية، وفق مصادر متعددة، عن سقوط ما يزيد على 250 ضحية بين قتيل وجريح، من بينهم نساء وأطفال، وقد أُبيدت أسرٌ بأكملها تحت أنقاض منازلها، فضلًا عن وجود ضحايا لم تُعرف هوياتهم بسبب شدة الدمار، حيث تناثرت جثث أطفال وبالغين في محيط الانفجارات، وتظهر لقطات سجلها سكان محليون أثناء انتشال جثامين لأطفال من تحت ركام منازلهم، في مشهد مروع يجسد هول الكارثة، وحجم المأساة الإنسانية التي خلفها تخزين الأسلحة والمواد المتفجرة في قلب منطقة سكنية مكتظة، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، مما يؤكد مجددًا فداحة المخاطر التي تترتب على استخدام الجماعات المسلحة للمناطق الآهلة بالسكان في أغراض عسكرية.
- طبيعة المواد المتفجرة
أشارت المنظمة إلى أنها اطلعت على مشاهد مصورة، سجلها سكان محليون، تظهر تصاعد دخان أبيض من موقع الانفجارات قبل لحظات من وقوعها، تلتها لقطات تظهر إطلاق صواريخ من ذات الموقع باتجاه الأبنية السكنية المحيطة.
كما أفادت تقارير بأن المنشأة كانت تحتوي على صواريخ أرض–جو ومتفجرات شديدة الخطورة مثل مادة C4، ونترات الصوديوم والبوتاسيوم، وهو ما يفسر شدة الانفجارات واتساع نطاق الدمار الذي طال الحي السكني بأكمله.
ونقلت المنظمة، استنادًا إلى إفادات سكان محليين - تتحفظ على أسمائهم حرصًا على سلامتهم - أن قوة الانفجارات التي هزت منطقة صرف كانت هائلة لدرجة شعرت بها الأحياء المجاورة على بعد مئات الأمتار، حيث اهتزت الأرض بعنف وتناثرت شظايا الزجاج من النوافذ، في مشهد خلف حالة من الذعر الواسع بين السكان.
وأظهرت مشاهد مرئية ومقاطع مصورة تحققت منها المنظمة، حجم الدمار الكارثي الذي طال الأعيان المدنية في محيط موقع الانفجار، حيث دُمِّرت عشرات المنازل بشكل كلي أو جزئي، وتحولت بعض الأبنية إلى أنقاض.
كما أشارت إلى أن الانفجارات، التي استمرت قرابة ساعتين وفقاً لشهادات متطابقة، تسببت أيضاً في تشريد مئات الأسر التي اضطرت إلى الفرار من منازلها، تاركة خلفها كل ما تملك، وقد وجدت العديد من هذه الأسر نفسها في العراء دون مأوى أو مأمن، في مشهد يجسد فداحة الخطر الكامن في تخزين الأسلحة داخل الأحياء السكنية، والاستهتار المتعمد بأرواح المدنيين.
- تعتيم شامل
وقالت المنظمة إن الحصيلة النهائية لأعداد الضحايا والدمار لا تزال غير معروفة بدقة، ويرجح أن تكون أكبر بكثير، في ظل حالة التكتيم والتعتيم الشامل الذي تفرضه مليشيا الحوثي، حيث فرضت طوقاً أمنياً محكماً على المنطقة، ومنعت الدخول والخروج، وصادرت هواتف السكان، واعتقلت عدداً من الأشخاص الذين قاموا بتوثيق الحادثة.
كما نقلت المنظمة عن عدد من أهالي الضحايا أن المليشيا هددتهم في حال نشر أي معلومات أو صور تتعلق بالكارثة، أو إقامة مراسم عزاء علنية، أو حتى نشر تعاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي جرى فيه نقل الضحايا إلى عدد من المستشفيات العامة والخاصة في صنعاء، من بينها مستشفيات الثورة والجمهوري والشرطة ومستشفى 48، عمدت المليشيا إلى فرض رقابة مشددة على المرافق الطبية، ووجهت العاملين بعدم الإدلاء بأي معلومات عن أعداد القتلى والجرحى أو حالاتهم، في إطار سعيها لطمس معالم الجريمة وإبقاء الرأي العام في حالة من الغموض والتضليل.
وأكدت المنظمة أن مليشيا الحوثي لم تصدر أي بيان توضيحي حول الانفجارات أو الضحايا، بل اتجهت إلى سياسة التعتيم الشامل، وأصدرت تعميماً داخلياً يقضي بمنع كافة عمليات التصوير أو إجراء مقابلات صحفية داخل صنعاء دون إذن مسبق من وزارة الإعلام التابعة لها، في خطوة تهدف إلى طمس الحقيقة والتغطية على الجريمة.
- جريمة حرب
وأكدت "صحفيات بلا قيود" أن ما جرى يعد جريمة حرب موصوفة وانتهاكاً فاضحاً لقواعد الحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني للمدنيين. واعتبرت أن تحويل منطقة سكنية إلى مخزن للأسلحة والمتفجرات يشكل استخفافاً سافراً بالحياة البشرية، ونهجاً متعمداً في استخدام المدنيين كدروع بشرية، في خرق صارخ للمادة (58) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، وجريمة حرب بموجب المادة (8)(2)(ب)(xxiii) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تحظر استخدام المواقع المدنية لأغراض عسكرية.
وأكدت المنظمة أن هذا الفعل الإجرامي يعبر عن سياسة متكررة تنتهجها مليشيا الحوثي تقوم على تحويل المدنيين إلى أدوات في الصراع المسلح، وتعريض حياتهم وأمنهم وسلامتهم للخطر، بما يستوجب إدانة قاطعة وتحركاً دولياً عاجلاً لضمان عدم الإفلات من العقاب.
كما أدانت بأشد العبارات هذه الجريمة النكراء، محملة مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين.
- توصيات ومطالب عاجلة
وطالبت المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية وكافة الآليات الأممية، باتخاذ موقف عاجل يدين الجريمة، وفتح تحقيق دولي مستقل عبر لجنة تقصي حقائق محايدة.
ودعت المبعوث الأممي إلى اليمن إلى تضمين هذه الجريمة في إحاطاته الرسمية، وعدم تجاهل الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المدنيين.
وأكدت المنظمة على ضرورة ممارسة المجتمع الدولي لضغوط حقيقية وجادة لإجبار مليشيا الحوثي، على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ووقف استخدام المنشآت المدنية والأحياء السكنية لأغراض عسكرية، وضمان حماية المدنيين.
وجددت أيضا تأكيد التزامها بمواصلة رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على المدنيين، والدفاع عن ضحايا الحرب والعنف بكافة أشكاله، والعمل من أجل تحقيق العدالة، وإنصاف المتضررين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع.