تقارير
من تحت الركام.. مبادرة لإنقاذ مئات الطلاب في الوازعية
لم تجد أم حمزة (30 عاما) مجالًا للبقاء في منزلها سوى المبادرة السريعة لإنقاذ المئات من طلاب قريتها في منطقة "حنا" بعزلة المشاولة في مديرية الوازعية بمحافظة تعز، حيث باتوا عُرضة للتسرّب من التعليم والجهل؛ جراء عدم تأهيل مدرسة الوفاق في "حنا"، التي طالها دمار واسع أثناء الحرب، التي شهدتها المنطقة، خلال الفترة بين عامي 2015 - 2018م.
تمثلت مبادرة أم حمزة مع رفيقاتها الأخريات، البالغ عددهن عشر متطوّعات (البعض منهن من حملة الدبلوم والأخريات من خريجات الثانوية العامة) في التطوّع بالتدريس فيما تبقّى من المدرسة.
يدرس تحت الدّمار والجدران المهترئة زهاء 300 طالب وطالبة؛ هم من تبقّى من عدد الطلاب في المدرسة، التي كانت قبل الحرب تدرّس إلى المرحلة الثانوية.
تقول أم حمزة لموقع "بلقيس" إن ما دعاها إلى هذا التطوّع هو الوضع الذي كان يعانيه طلاب المدرسة من هجرة الكادر التعليمي، وعدم وجود معلِّمين، والخوف من تسرّب الأطفال من التعليم؛ لما لذلك من انعكاسات سلبية على العملية التعليمية برمتّها في المنطقة.
توضّح أم حمزة أنها تقوم بالتطوّع في المدرسة دون الحصول على عائد مالي؛ وذلك مساهمة منها في تعليم النشء، والحفاظ على الجيل من التسرّب من التعليم والجهل؛ جراء الدّمار في المدرسة، الذي لم يشجِّع البعض من الأهالي على إرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو لانعدام المعلِّمين، ولذا كان من الواجب الأخلاقي -برفقة زميلاتها- التطوّع في هذه المدرسة؛ للحفاظ على الأطفال.
عقب انتهاء الحرب، في منتصف مايو من العام 2018، في مديرية الوازعية تبيَّن الأثر الكبير الذي أحدثته الحرب في القطاع التعليمي بالمديرية.
تضررت سبع مدارس في المديرية جزئيا وكليا، وكان الضرر الأكبر الذي تعرّضت له مدارس الوفاق في حنا وعزان بالأحيوق، وكريم في السويدا، والميثاق في عُزلة الظريفة، ناهيك عن فقدان خدمات أكثر من 35 معلما في المديرية بسبب قتلهم أو إصابتهم، بالإضافة إلى إصابة البعض منهم بحالات نفسية جراء الحرب.
في السياق، يقول عبدربه الطلبي -قائم بأعمال إدارة مدرسة الوفاق في حنا- إن المتطوِّعات يقمن حاليا بدور محوري وأساسي في تعليم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل الأجيال في المنطقة، عقب الدّمار الذي تعرّضت له المدرسة؛ جراء استخدامها من قِبل جميع الأطراف أثناء الحرب، بالإضافة إلى القصف الجوي الذي أحدث الضرر الأكبر في بنيتها، وأخرجها من الجاهزية.
وأضاف الطلبي أن "المدرسة كانت تضم -قبل الحرب- أكثر من 600 طالب وطالبة في مختلف المراحل، وأكثر من 14 معلما، وكانت من المدارس النموذجية في المنطقة".
وتابع: "عقب الحرب والدمار، الذي لحق بها، البعض من الطلاب انتقل إلى مدارس أخرى، والبعض لم يستطع الذهاب؛ وذلك لخوف الأهالي على أطفالهم أثناء عبورهم الخط الرسمي نحو مدارس المنطقة".
وزاد: "لهذا السبب لم تنتظم الدراسة مباشرة، وتأخرت عامين قبل انتظامها، فكانت هؤلاء المتطوّعات اللائي يعملن بجهود ذاتية هن من قاد مشاعل التنوير، وإنقاذ الجيل الذي كاد يُحرم من التعليم؛ بسبب المبنى وغياب الكادر التعليمي، في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ".
من جانبه، قال نبيل طه -رئيس مجلس الآباء في مدرسة الوفاق-: "المدرسة، التي كانت من المدارس النموذجية في المديرية، جرى تفريغ غالبية طاقمها، ولم يبقَ سوى معلِّمَين أو ثلاثة في قوامها الوظيفي، فيما البقية تم الاستغناء عنهم، رغم حاجة المدرسة إلى هذا الكادر، الأمر الذي خلق الإشكالية".
وأضاف: "مكتب التربية يقف مسؤولا عمّا حصل من تفريغ لهذا الكادر دون إيجاد بديل مؤهل يستطيع خدمة العملية التعليمية في المنطقة".
وأوضح أنهم يحاولون -قدر المستطاع- توفير مستحقات زهيدة وقليلة -بين الحين والآخر- للمتطوعات العشر في المدرسة؛ من خلال توزيع مرتّب بعض البدائل عنهن، وتوزيع مبالغ بالتساوي بينهن (15000ريال) لا تكفي لأدنى مقوّمات يوم.
وأكد أنه رغم ذلك إلا أن "بعض المتطوعات إلتزمن، لأنهن يمتلكن ضميرا حيا جعلهن يخاطرن بأنفسهن تحت هذه الجدران المدمَّرة والآيلة للسقوط؛ إنقاذا للجيل".
وأشار إلى أن "هناك تدخلا من بعض المنظمات في مدارس المديرية، ولكن يتم تجاهل متطوِّعات مدرسة الوفاق، رغم متابعتنا المستمرة مع الجهات المعنية، والوعود، التي نتلقاها مع كل بداية عام دراسي، بحل المعضلة".
وبيّن أن "تلك الوعود جميعها تتبخّر مع استئناف العملية التعليمية"، مجددا مطالبته الجهات المعنية بسرعة العمل على إعادة تأهيل المدرسة، وعمل عقود للمتطوِّعات؛ تقديرا لخدمتهن في المدرسة، منذ أكثر من خمس سنوات تقريبًا.