تقارير
"مهاجر يمني" سافر أمريكا قبل 25 عاما وتخلى عن زوجته وأبنائه التسعة
ما إن وصل المواطن "عبد الله الشِعري" إلى مهجره في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، تفاجأت أسرته، التي تعيش في صنعاء، بانقطاع التواصل فيما بينهم مُنذ أكثر من عقدين، متخلياً عن مسؤولياته والتزاماته تجاه زوجته وأبنائه التسعة، دون علمهم بدوافع ذلك.
ظنّ المهاجر بأن المسافات البعيدة، التي قطعها لوصول أرض الأحلام، تحرراً من الالتزامات العائلية، وهروباً من توفير احتياجاتهم الضرورية، فيما الأسرة لم يخب رجاؤها، وانتظرته طيلة سنوات غربته التي لم تنتهِ بعد، رغم قسوة الأوضاع التي تعيشها داخل اليمن.
"أبو بكر" -نجل المهاجر الأكبر- يقول لموقع بلقيس: "الوالد مغترب في أمريكا من عام 98، تركنا كلنا هنا في صنعاء، لا يرسل بمصاريف، ولا يتواصل معنا، كنا مؤملين في حياتنا ومستقبلنا عليه، لكن بدون فائدة، أنا وإخواني مرينا بفترات قاسية من شأن نعيش، لم نكمل دراستنا بسبب ما حصل لنا".
تحمَّل أولاد المهاجر وزوجته الأمرّين، بسبب غربته الطويلة، وتخليه عنهم في أحلك الظروف، كانوا بأمسّ الحاجة إلى الرعاية والاهتمام خلالها، ولم يعمل جاهداً لتعويضهم عبر فتح آفاق العبور لتأمين مستقبلهم، ولو بالشكل البسيط.
- حِيلة للتواصل
لم تيأس الأسرة من البحث عن طُرق للتواصل مع عائلها المهاجر، الذي تركهم فريسة لعذابات السنين ومرارة الزمن، ورغم طول السنين والمسافات استمرت زوجته وأولاده، الذين صاروا رجالاً، باتباع حِيَل للوصول إليه، عبر التواصل مع معاريف ومقرَّبين منه، لإثنائه عن القرار الأليم الذي اتخذه بحق أسرته.
لكن تلك المحاولات الدائمة باءت بالفشل، وأصابت أولاده بخيبة أمل كبيرة، فيما زوجته تسلَّحت بالوفاء والصبر رغماً عن غُصة الدهر، التي طالت أجمل أيام سنين عمرها، في انتظار عودة رجلٍ جاحد للعِشرة والأسرة.
تقول الزوجة لموقع بلقيس: "قبل غربته لم يكن بهذا الشكل، كان ملتزماً ومحافظا على أسرته واطفاله، لكن تنكَّر لي أنا وأولادي، وقطع كل شيء علينا، حاولنا نوسِّط بعض الأقارب هناك يكلموه، لكن ما في أي فائدة، قد أخرجنا من حياته تماماً".
يحيط الانكسار والحزن بحياة أفراد أسرته، من فداحة المأساة التي لحقت بهم، جراء تخلي عائلهم الوحيد وأقرب الناس لهم، إذ تشتت الأولاد للعمل في مشقات بعض المهن البسيطة، بحثاً عن مصدر للدخل يمكِّنهم من العيْش.
"إبراهيم" -أحد أبناء المهاجر- يعمل حارساً في بوابة إحدى المدارس الأهلية في صنعاء. يقول لموقع بلقيس: "أشتغل حارس في هذه المدرسة منذ فترة طويلة، أبي تركنا هنا وهاجر أمريكا، ما معنا من يعطينا مصروف، ولا هو يرسل لنا، رجعت أنا وإخواني كل واحد يشتغل بمهنة، الذي يعمل فوق موتور، والذي فوق باص، نعيش هكذا".
- ندم مُكرر
لم يحظَ أبناء المهاجر بترف الحياة، وثمرة سِني غربة والدهم المادية، مقارنةً ببعض عوائل المغتربين، التي نالت قسطاً وافراً، من الراحة المعيشية والاستقرار بشتَّى صنوفه المتعددة، خصوصاً من يعيشون في مختلف أرجاء محافظات البلاد، التي تواجه ويلات الحرب والتشظِّي والمعاناة.
يضيف الابن الأكبر لموقع بلقيس: "تمنينا لو أن الوالد يعطينا جزءا من الاهتمام والرعاية، مثل أبناء المغتربين الذين حصلوا على الدعم من آبائهم، نحن وضعنا عكس الآخرين، ما حصلنا إلا المعاناة والندم".
يشار إلى أن ظروف الأسرة استمرت في تعقيداتها على مختلف المستويات، بالرغم من هجرة الأب لسنوات طويلة في بلدٍ يُعد الوصول إليه أمنية للباحثين عن الهجرة من أجل تحسين مستوى حياتهم، ومستقبل أطفالهم.
- غُربة الفاشل
لم يكن تخلي "الشِعري" ونسيانه لأسرته في اليمن كونه فاشلاً في غربته، لكنه تعمَّد فعلته تلك بحثاً عن ملذات الحياة بمفرده، إذ تمكَّن من إنشاء مشروع خاص به، في ولاية كاليفورنيا الأمريكية محققاً نجاحاً لافتاً، وفقاً لأبنائه (نقلاً عن مصادر مقربة لوالدهم في الولايات المتحدة الأمريكية).
يضيف نجله الأكبر لموقع بلقيس: "أبلغنا واحد من المعاريف هناك أن الوالد يملك سوبر ماركت ضخم، لما حدثه علينا رد بألا علاقة له بنا، ولا له دخل بنا".
بقدر ما تعتبر الهجرة إلى أرض الأحلام فرصة للنجاة من جحيم الأوضاع في بلد طحنته الصراعات، تشكلت حالة من الكراهية في وجدان هذه الأسرة المنسية.