تقارير
هل تحولت السجون السرية إلى جريمة مشتركة بين كل القوى المتصارعة في اليمن؟
زنازين بلا أسماء، وأبواب مغلقة على وجوه لا تعرف الضوء، وليل طويل يبتلع أصوات المعتقلين الذين لا يعرفون سبب احتجازهم ولا متى ينتهي عذابهم من شبكة سجون الحوثيين الواسعة والسرية التي تحتجز فيها آلاف الناشطين والصحفيين والأكاديميين، إلى سجون الانتقالي التي ترعاها دولة الإمارات، إلى قوات طارق صالح في الساحل الغربي، وغيرها من السجون. تتشابه الأدوات وتختلف الرايات لكن النتيجة واحدة، سجون خفية تُدار بعيدًا عن القانون، يتحول فيها الإنسان إلى ورقة مساومة ووسيلة ابتزاز، أو مجرد رقم في قوائم الاختفاء القسري، حتى الموظفون الدوليون لم يسلموا من هذا المصير.
في سابقة خطيرة كشفت للعالم ما يعيشه اليمنيون منذ سنوات، تتقاطع في هذا الملف شهادات الضحايا وتقارير المنظمات الدولية، وعجز القضاء عن الوصول، وعجز المبعوث الأممي عن الوقوف أمام هذا الملف، حيث تتشكل المشاهد لترسم لوحة سوداء من القمع الممنهج بلا محاسبة ولا مساءلة.
- جريمة مشتركة
يقول مدير المركز الأمريكي للعدالة، المحامي عبد الرحمن برمان، إن عمليات الاعتقالات التعسفية والاختطافات والإخفاء القسري لم تعد مقتصرة فقط على جماعة الحوثي التي هي جماعة مسلحة خارجة عن القانون، بل وصلت أيضًا إلى مناطق الحكومة الشرعية، التي يُفترض بها أن تكون حامية الدستور والقانون والحامية أيضًا لحقوق المواطنين وحرياتهم.
وأضاف: لا يمكن كذلك أن نقارن — يعني سجون ميليشيات الحوثي — بسجون مأرب، بسجون تعز، بسجون يعني المناطق المحررة على الخريطة اليمنية، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن أن نغفل أن هناك معتقلات سرية، وأن هناك عمليات تعذيب واعتقال خارج إطار القانون، وأن هناك أشخاصًا يتم اعتقالهم لسنوات دون أن يكون عليهم أي اتهامات.
وتابع: ربما كثير من المنظمات، خصوصًا المحلية، ركزت في عملها بشكل واضح على جماعة الحوثي باعتبار أنها تمارس الاختطافات على نطاق واسع، لكنها أهملت بشكل كبير الاعتقالات وعمليات الإخفاء القسري التي تتم في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وأردف: الطرف الأول والرئيسي الذي يمارس هذه الانتهاكات هو جماعة الحوثي؛ لديها سجون منتشرة في كل المحافظات والمديريات والمناطق التي تسيطر عليها، ولديها سجون سرية يتم اعتقال الأشخاص فيها لفترات طويلة، وبعضهم يُحال إلى سجون معروفة يستطيعون أن يتواصلوا مع أقاربهم، وبعضهم يظل لسنوات أماكنهم أو حتى مصيرهم مجهولًا.
وزاد: جماعة الحوثي لديها نحو 250 إلى 300 شخص تم رصد مصيرهم مجهولًا إلى الآن، بعضهم منذ 2015، منذ دخول الجماعة صنعاء، وبعضهم منذ دخول أرحب وعمران.
وقال: في الطرف الآخر، يتصدر المجلس الانتقالي الجنوبي قائمة المنتهكين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية؛ لديه معتقلات وسجون سرية، وهذه المعتقلات والسجون فيها نحو 67 شخصًا مصيرهم مجهول، وبعضهم منذ تحرير عدن في 2015.
وأضاف: حاولنا بكل الوسائل مع المجلس الانتقالي، وكان هناك وسيط منذ ثلاث سنوات فقط لمعرفة أهاليهم مصير أبنائهم المختطفين، لكن هذا الوسيط أخيرًا قال إنه التقى بمسؤول في المجلس الانتقالي وتحدث معه بصراحة أن أغلب هؤلاء قد قُتلوا أثناء عمليات التعذيب والتحقيق.
وتابع: عندما قلنا: "طيب، ممكن مصارحة أهاليهم، وتسليم جثثهم؟" قالوا للأسف الشديد: "لا نعرف أماكنهم، لأن الأشخاص الذين مارسوا عمليات التعذيب والاعتقال قد توفوا". وقال بالاسم، على سبيل المثال: "أبو اليمامة"، لديه مجموعة من الذين قُتلوا، ولا نعرف الأماكن التي دُفنوا فيها.
وأردف: أكبر مأساة قضية المخفيين قسريًا هي أن ذويهم لا يعرفون مصيرهم، والأم والأب والزوجة والأخ والأخت والابن يتخيلون كيف تكون ظروفه داخل السجن، أو ما هو مصيره.
وزاد: في المقابل أيضًا، هناك في الساحل الغربي، أو إلى المخا، وهذه المناطق التي تسيطر عليها قوات حراس الجمهورية، والمقاومة الوطنية، والعمالقة، هذه الأماكن فيها معتقلات، سجن 400 وسجن أبو موسى، وفي هذه المعتقلات أعداد كبيرة، وربما نحن لا نرصد إلا القليل فقط، لكن الخارجون من هذه السجون يؤكدون أن هناك أعدادًا كبيرة جدًا داخل هذه المعتقلات.
وقال: هناك أيضًا في لحج وأبين وحضرموت، في هذه المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي؛ معتقلات سرية، وأيضًا في تعز هناك عمليات اعتقال تتم، وإن كانت لا تصل إلى هذا الحجم، لكن لدينا مختفون قسريًا منذ 2015 حتى الآن، وهناك اسمين كنا نتابع بعدهما إلى أن وصلنا إلى أنه تم إعدامهما أو وجدنا جثثهما من أيام ما كان تنظيم القاعدة له انتشار في هذه المناطق.
وأضاف: في مأرب ما حدث خلال الأيام الأخيرة من حملة كبيرة جدًا على سجون مأرب؛ الحملة الكبيرة التي رافقها نوع من الاستهداف السياسي يقتل القضايا الحقوقية بشكل كبير، لكن هناك معتقلين يُحتجزون بطريقة غير قانونية، وهناك أيضًا عمليات إخفاء قسري للمعتقلين، وإن كان يتم بعد ذلك الإفراج عنهم، ولكن الجريمة قد تمت.
وتابع: لا يزال هناك في مأرب أشخاص مختفون، خصوصًا من أسرى جماعة الحوثي، ولم تفصح القوات الحكومية في مأرب عن مصيرهم.
وأردف: هذه هي الخارطة بشكل عام، وهذا هو الوضع لدينا؛ أسر تتألم كثيرًا، ونحن يوميًا نستمع إلى آهاتهم ونرى الدموع على خدود الأمهات والآباء.
- مأساة مستمرة
تقول رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج، إن هناك مأساة كبيرة جدًا تعاني منها الأسر؛ فقضية الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والإخفاء في أماكن غير رسمية ومجهولة، يصعب على الأهالي معرفة أبنائهم وذويهم، شيء مؤلم، وتظل المأساة مفتوحة.
وأضافت: المخفي قسرًا تظل أسرته معلقة قلبها، لا تعرف مصير ابنها؛ هل هو مع الموتى فتُعزيه، أم هو غير ذلك؟ فهذه مأساة ومشكلة كبيرة جدًا نعاني منها مع الأمهات ومع ذوي المختطفين، وجرح مفتوح نازف.
وتابعت: في هذا الوقت الطويل من الصراع، بدل أن تُنهي هذه المشكلة أو تخف، بالعكس تزيد هذه المأساة، وتستمر الاختطافات والإخفاء القسري بشكل ممنهج وبشكل كبير جدًا.
وأردفت: هذه الانتهاكات ليست فقط من جماعة الحوثي، وإنما زادت من الجهات الأخرى المنضوية تحت إدارة الحكومة الشرعية.
وزادت: المفرج عنهم من السجون خرجوا بحالات صعبة جدًا، وبعد ذلك مأساتهم أكبر؛ عندما يخرجوا من السجون يخرجوا للمجهول؛ ليس لديهم من يحتضنهم، أو من يعالجهم، ونحن إمكانياتنا كرابطة بسيطة، وهم يحتاجون إلى دعم نفسي وإلى علاج، وإلى أماكن إيواء، لأنهم ينتقلون من مكان السكن الذي كانوا فيه إلى مناطق الشرعية، وليس هناك ضمانات بعدم إعادتهم إلى السجون في حال خرجوا وظلوا في مناطق الحوثي.
وقالت: هذه المأساة مستمرة ومفتوحة؛ سواء مأساة الأسر، أو مأساة المفرج عنهم، وستظل تلاحق الجميع إلى أن يُعالج هذا الملف الإنساني.
وأضافت: نحن نطالب بالإفراج الفوري والكلي عن المختطفين عموماً في كل السجون، ونطالب بتحريك هذا الملف، وحاليًا لدينا حملة بعنوان "أنقذوا المختطفين"، وخلال شهر أغسطس الجاري قاموا ببعض الأنشطة، وأرسلوا لكثير من الجهات رسائل مختلفة لتفعيل هذا الملف، وأنه لا بد أن يُفعل هذا الملف حتى تنتهي مسألة الظلم الحاصل على المجتمع المدني.
وتابعت: نحن في رابطة أمهات المختطفين، حزينات اليوم، لأننا فقدنا أم واحد من المختطفين، الذي له مختطف منذ 2016 إلى الآن، وأمه توفيت يوم أمس، وهي تتمنى أن تحتضن ابنها، وهذه المأساة تتكرر كل يوم، وكل وقت، وكلما طالت المدة، كلما زادت الجراح وزاد الألم.
وأردفت: أبناؤنا داخل السجون المعروفة، يزورهم أهلهم؛ وكل أم تزور ابنها تقول: "ابني كاد يشيب، خطفوه وعمره 20 سنة، واليوم قد الشيب في وجهه؛ يعانون من المرض، وأجسادهم ضعيفة"، والأسر تعاني من الامتهان أمام السجون؛ يعني شيء فظيع، نرجو من الجميع أن يتفاعل مع هذا الملف.