تقارير
هل تمثل موجة الاختطافات الأخيرة مؤشر أزمة داخلية في بنية المليشيا؟
تشهد عدد من المحافظات حملة اختطافات غير مسبوقة تنفذها مليشيا الحوثي، وتحديدًا في كلٍّ من إب وذمار وصنعاء. فقد اختطفت المليشيا عشرات المدنيين.
وبحسب تقرير حقوقي، تم توثيق نحو 140 حالة اختطاف خلال الأسابيع الماضية، بينهم أطفال، ولا يزال مصير كثير من المختطفين مجهولًا.
وعلى الرغم من أن السؤال عن دوافع هذه الحملة الشرسة من الاختطافات يبدو خارج السياق بالنسبة لمليشيا، تمارس هذه السياسة منذ سيطرتها على السلطة قبل أكثر من عدة أعوام، إلا أن العدد الكبير من المختطفين وتركيز الاختطافات في ثلاث محافظات يثير التساؤلات حول دلالات هذه الحملة وأسبابها.
- كشف خلايا التجسس
يقول الصحفي طالب الحسني: "مناقشة الأدلة ومناقشة الاتهامات ومناقشة الوقائع وما يُعرض من أدلة هو أمر دقيق، ويجب أن نناقش هذه المسائل. حتى عندما تم عرض الأدلة على الأمم المتحدة وعلى المنظمات الأممية حول تورط أشخاص يعملون في هذه المنظمات، فإن هذه المنظمات لا تستطيع مناقشة هذه الأدلة، وتحاول التهرب منها بمحاولة القول إن المسألة إرهاب".
وأوضح: "الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي يحمل موظفوها هذه الملفات لا تناقش الأدلة، ومحاولتهم التهرب هو ما يجعل هذه القضايا أكثر تعقيدًا، خصوصًا في اليمن".
واعترف: "نعم، هناك اعتقالات يقوم بها جهاز الأمن والمخابرات، وربما يشير البعض إلى عدم التواصل مع الأهالي لأسباب تتعلق بكشف بقية الخلايا أو بقية الملابسات".
وشدّد: "يجب أن نناقش موضوع الأدلة، ونناقش الاعترافات، ونناقش الوقائع، ونناقش جملة كبيرة مما يثبت على كثير من الشخصيات، ويجب ألا نكرر فكرة أن المعتقلين -مثل المياحي- اعتُقلوا لأنهم يكتبون، فهذا غير صحيح".
وأضاف: "الدكتور العودي حتى الآن لم يتم الحديث عنه وعن الأدلة، وهناك انتظار لما سيسفر عنه التحقيق؛ لذلك لا أريد أن أستبق الأمور".
وأكّد: "المياحي -تحديدًا- هناك أدلة كثيرة على تورطه بالتعامل مع أطراف خارجية، وهذا أمر واضح تمامًا؛ أما كيف ستكون قوة الأدلة أو شكل الحكم فهذا ما لا نعرفه حتى الآن".
وبيّن: "يمكن القول بشكل قطعي إن هناك أدلة كثيرة على تورط البعض بالتعامل مع جهات خارجية أو العمل لصالحها، لكن هذا لا يعني أن جميع من يتم استجوابهم الآن هم بنفس الدرجة، فهناك درجات".
وانتقد: "الإشكالية لدى الكثير ممن يتعاطى مع هذا الملف في الخارج، أو يريد أن يجرّه لصراع، أنه ينفي وجود أي اتهامات أو أدلة، وينفي وجود محامين، ويطعن في شخصية القضاء، ثم يشكك في الاعترافات الرسمية التي يتم الإعلان عنها ويقول إنها تحت الإكراه".
وتابع: "هذا النوع من التشكيك غير دقيق، يجب أن نتحدث بواقعية وشفافية؛ فهناك عدد محدود من الحالات، وفكرة أنها حالة عامة ليست صحيحة، وهناك اتهامات مبنية على أدلة قطعية تُعرض في وسائل الإعلام، وهناك قضاء ومحامون وإجراءات".
وأوضح: "لدى الطرف الآخر إشكاليات متعددة؛ فالأمم المتحدة مثلًا لا تعترف بشرعية بعض الاعتقالات؛ لأنها لا تعترف بشرعية الدولة في صنعاء، ولا تعترف باستقلال القضاء".
وفسّر: "هذه قضايا مختلفة يجب أن تُناقش في إطار مختلف: هل القضاء مستقل أم لا؟ ما الأدلة على عدم استقلاله؟ أما إسقاط كل شيء دفعة واحدة -فإذا كانت هناك اعتقالات نقول إنها اختطافات، وإذا كانت حالات فردية نقول إنها مجموعات، وإذا كانت هناك أدلة نقول إنها قسرية، وإذا كانت هناك محاكمة نقول إن القضاء غير مستقل- فهذا لا يمكن مناقشته بهذه الطريقة".
واستطرد: "من يتهمون بالتعامل مع جهات خارجية يتم الإعلان عن أسمائهم وكشفهم كخلايا تجسس، وتُعرض اعترافاتهم وأدلتهم الملموسة؛ أما قضية الدكتور العودي فهو ما يزال في إطار الاعتقال، ويبقى السؤال: هل هذا قانوني أم لا؟ وهذه مسألة يمكن مناقشتها".
وأردف: "عندما تم اعتقال المياحي عادوا إلى صفحته ورأوا بعض الكتابات، لكن هناك كتابات نشرها قبل فترة طويلة من اعتقاله"، متسائلًا: "لماذا لم يتم اعتقاله بسبب تلك الكتابات؟"، لافتًا إلى أنّه "عند اعتقال شخصية معينة يعودون ويقولون: اعتُقل لأنه كتب كذا، بينما يتجاهلون كثيرًا من كتاباته السابقة".
وأضاف أن "عمليات الخلايا، التي يتم عرض اعترافاتها أمام الإعلام والرأي العام تُعدّ أدلة، وقد مرّت بشكل كبير على المحاكم حتى أصبحت ثابتة".
وأوضح أنه يوافق على أنّه قد يكون هناك اعتقال ثم تمرّ فترة من عدم الوضوح في مصير المعتقل، معتبرًا أن الأمر يرتبط بـ الأمن القومي، خصوصًا في حال وجود خلايا تجسس أو ضرورة الوصول إلى أسماء أخرى أو لتلافي حدوث انفلات مرتبط بخلايا متعددة"، مبينا "عند الحديث عن هذه الحالة لا ينبغي حصرها في الأسماء التي تُذكر".
ويرى أنه "لا يمكن إعطاء تصور بأن (المليشيا) تعتقل أشخاصًا فقط لإثبات أنها قوية؛ فهي -بحسب قوله- ثبتت قوتها لأنها تجاوزت مراحل كثيرة من التهديد، بما في ذلك الهجمات العسكرية والعمل الاستخباراتي ومحاولات الإطاحة بها من الداخل ومحاولات إثارة الفوضى، إضافة إلى استهداف الحكومة التابعة لها".
واعتبر الحديث عن استمرار الاعتقالات والاختطافات في ذمار وصنعاء وإب "نوعا من الفقاعات الإعلامية الكبيرة".
وقال: "هناك أشخاص يتم إطلاقهم عندما يتبين أن اعتقالهم كان خاطئًا أو ملتبسًا"، مؤكدًا أنهم يتحدثون عن "مجموعات محدودة وليس عن جماعات واسعة".
وأضاف: "هناك محاولات متكررة لـ إحداث الفوضى؛ كانت هناك محاولة في أكتوبر وفشلت، وقبلها محاولة أخرى في سبتمبر وفشلت، ثم محاولة ثالثة في نوفمبر الجاري وفشلت أيضًا".
وأوضح: "الطرف الآخر ينشط في هذا الاتجاه، سواء أطراف محلية أو خارجية، من خلال التحريض والتحريك واستمالة مجموعات معينة لعمليات شغب، إلا أن هذه المجموعات تسقط في النهاية"؛ حسب اعتقاده.
- ضغط وترهيب
يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: "الحملة، التي تشنها اليوم مليشيا الحوثي، هي ليست الحملة الأولى من نوعها، بل هي حملات متكررة؛ ربما تهدأ في بعض الأحيان لتعود بصورة عالية أو بوتيرة أكبر في فترات أخرى."، مؤكدا أن "هذه الحملات لها أسباب ودوافع متعددة".
وأوضح: "مثل هذه الحملات أو هذا السلوك الذي يمكن وصفه بالممنهج والمتواتر هو جزء من بنية وثقافة هذه المليشيا التي تستخدم الجسد كورقة سياسية من أجل الضغط والإرهاب والقمع وإسكات هذه الأصوات".
وبيّن: "عندما نتحدث عن فئة المعتقلين أو المختطفين في الفترة الأخيرة سنجد أنهم عبارة عن أصوات ثقافية وأصوات صحفية؛ مثل الدكتور العودي، والدكتور العلفي، والمصطفى، والصحفي المياحي، ثم ماجد، ثم الإرياني، بمعنى أن هذه العملية تستهدف الصوت بدرجة أساسية الذي يمكن أن يحدث أثرًا داخل هذا المجتمع".
وأشار: "هذه الجماعة استخدمت هذا الجسد من أجل سياسة أمنية معينة، من أجل الضغط والترهيب داخل المجتمع نفسه".
وأضاف: "تريد هذه المليشيا من خلال هذه العملية الواسعة أن تؤكد على تحولها، أو تقديم رسالة بأنها تحولت إلى سلطة مطلقة؛ ليست فقط داخل المجتمع وإنما داخل بنيان المليشيا نفسها".
وأوضح: "بمعنى أن الصوت الأمني داخل هذه الجماعة هو الذي يتحكم وهو الذي يصدر الأوامر وهو الذي اليوم يدير هذا المشهد بصورة قمعية داخل المجتمع".
وتابع: "باعتقادي، الجماعة اليوم تحاول أن تصدّر مشاكلها الداخلية باختلاق عدو وهمي من قبل اليمنيين؛ اليوم ادعاءات العمالة التي تُنسب للموظفين والصحفيين تأتي من طرف واحد".
وذكر: "الجماعة اليوم أغلقت الفضاء العام، حتى على مستوى النقاش الاجتماعي والنقاش الإعلامي، وبالتالي هو صوت واحد".
واستطرد: "هذه الممارسات التي تمارسها المليشيا على المستوى القانوني هي انتهاكات متراكبة ومتعددة: لدينا اليوم انتهاكات متعلقة بالاعتقالات التعسفية، وانتهاكات متعلقة بالإخفاء القسري، وانتهاكات متعلقة بالتعذيب".
ولفت إلى أن "كثيرا من المعتقلين لم يُسمح بزيارة أهاليهم أو الالتقاء بمحاميهم، وهذه -على الأقل- نصوص ضمنها الدستور اليمني وضمنتها القوانين".
وقال: "من يتابع مسار هذه الحملات التي تشنها المليشيا منذ إسقاطها للدولة اليمنية ومؤسساتها في صنعاء في 21 سبتمبر المشؤوم عام 2014 سيلاحظ أن التهم موحدة، مع اختلاف الجهة التي تُنسب إليها العمالة".
وأوضح: "كانت التهمة سابقًا هي العمالة لصالح المملكة العربية السعودية أو الإمارات، واليوم، وفي ظل حالة الهدنة غير المعلنة مع القوات الشرعية والتحالف السعودي - الإماراتي، بدأت الجماعة تتحدث عن عمالة من نوع آخر: العمالة لأمريكا والعمالة لإسرائيل، ولا ندري لمن سيكون عميلًا غدًا".
وأضاف: "الأغرب في الأمر أن الفضاء مغلق؛ فلا أحد قادر على الوصول إلى الحقيقة؛ حتى المحامون لا يستطيعون التواصل مع المعتقلين إلا بعد فترات إخفاء قسري قد تصل إلى ثلاثة أشهر".
وتساءل: "اليوم عندما يُقال إن الاعتقالات تتم بموجب القانون اليمني وإنهم دولة، فماذا يقول القانون اليمني؟ أليس من حق أي شخص الالتقاء بمحاميه خلال 24 ساعة؟ أليس من حقه معرفة التهمة خلال 24 ساعة؟ أليس من حقه زيارة أهله؟".
وأكّد: "الاعتقالات لا تتم عبر جهة قضائية، بل تتم عبر جهة أمنية سلطتها أعلى من سلطة القضاء، وهي جهاز الأمن والمخابرات".
وانتقد: "من سيصدق أن الصحفي المياحي عميل وهو الذي بقي في صنعاء وله رأيه الحر؟ ومن سيصدق هذه التهمة بحق زايد أو الدكتور العودي أو غيرهم ممن يعرف الجميع تاريخهم وصدقهم ودورهم في إصلاح ذات البين؟".
ولفت: "إذا استعرضنا المعتقلين في ذمار أو إب سنجد سيرًا ذاتية معروفة، ولا يمكن للمجتمع أن يصدق مثل هذه الاتهامات".
وقال: "الاعتقالات التي تمت لكثير من الصحفيين جاءت بسبب مقال أو منشور على صفحة فيسبوك، في إطار سعي المليشيا لإغلاق الفضاء العام".
وأوضح: "من يتابع مثلًا ما كتبه الصحفي المياحي بعد عودته من الميدان واستماعه لكلمة عبد الملك الحوثي يجد أنه اعتقل، وكذلك الدكتور العودي بعد كتابته عن فوز ممداني وقضية المساواة، وعبد المجيد صبرة بعد حديثه عن 26 سبتمبر، وحتى الروائي الإرياني بعد كتابته بالرمز ثم اعتقل".
وأكّد: "هناك شواهد كثيرة تؤكد أن الاعتقالات تمت بسبب حرية الرأي فقط، دون أي شيء آخر، إضافةً إلى كثير من المعتقلين السابقين الذين خرجوا من السجون-من صحفيين وغيرهم- وكان محور التحقيق معهم هو منشورات كتبوها على فيسبوك، فضلًا عن ما تعرضوا له من تعذيب".
وبيّن: "عملية التشكيك في القضاء ليست من عندنا؛ اليوم هناك عملية هيكلة للقضاء، ووفق تقارير واضحة؛ فمنذ سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة سيطرت على وزارة العدل، وهيئة التفتيش القضائي، وحتى معهد القضاء العالي، ولم تعد التعيينات تتم وفق المعايير المنصوص عليها في لوائحه الداخلية، بل داخل فئات وبيوتات معينة تابعة المليشيا".
وأشار: "الصحفي الجبيحي اعتُقل بسبب مقال كتبه حينها، وزُجّ به في السجون، وتعرّض للمحاكمات، والعجيب أن المحاكمة تمت في باحة السجن، وليس في قاعة المحكمة".
وتابع: "القاضي قال له بوضوح: سنقف ضدكم، أنتم عملاء العدوان، ثم أصدر حكمه بإعدام الصحفي عبد الرقيب الجبيحي في فترة لم تتجاوز سبع دقائق".
وأردف: "المحاكمة والبنية القضائية التي تتم أمام المحاكم الجزائية على وجه التحديد، تشبه —كتيبة عسكرية بلباس قضائي"، قائلاً: "وأنا أسميهم دائمًا قضاة الإعدامات".
وزاد: "فيما يتعلق بقضايا الأدلة وعرضها على التلفزيون، فإن ذلك لا يجوز قانونًا، سواء استنادًا إلى القوانين الدولية أو الأعراف والمبادئ القضائية؛ إذ لا يجوز عرض هذه الأدلة على التلفزيون مطلقًا"، معلّلا ذلك باحترام كرامة الشخص، وبسبب وجود قرينة البراءة، إضافة إلى أن القضاء لم يفصل بعد في القضية.
وأوضح: "عندما تصعد جهة ما إلى التلفزيون وتقول إن هذا الشخص عميل وتعرض الأدلة، فإنّها تكون قد أصدرت حكمًا بالإعدام قبل أن يبحث القاضي ويمحّص الأدلة".
واعتبر أن "مثل هذا التصرف يتعدّى المتهم إلى أهله"؛ وقال: "وثّقنا شهادات لأهالي معتقلين سابقين ممن تم عرض قضاياهم في فيلم قبل أربع أو خمس سنوات، حيث كان بعضهم لا يستطيع الذهاب إلى المدرسة بسبب اتهامات الزملاء بأن والدهم عميل، أو في الحارة كذلك".
وتساءل موضحا: "بعض المحاكمات تمت من دون أن يستطيع المحامي حتى تصوير ملف القضية، فكيف سيدافع عن موكله دون الاطلاع على مضمون الأدلة؟".
ويرى: "هناك اختراقات بالجملة (من قبل مليشيا الحوثي)، وقد أجرينا دراسة من 200 صفحة حول ملف أبناء الحديدة الذين تم إعدامهم".
وقال: "لدي يقين مطلق بأن وطنية العودي والمياحي والإرياني وزايد أكثر من وطنية عبد الملك الحوثي نفسه".
وأضاف: "عبد الملك الحوثي وجماعته ألقوا بأنفسهم في أحضان إيران، وجلبوا الخراب والدمار لليمنيين".
وأردف: "لو جرى اليوم استفتاء حول عمالة الدكتور العودي وعبد الملك الحوثي، فستكون النتيجة واضحة".
وختم: "هذه المليشيا -للأسف الشديد- تسعى لإعادة هيكلة المجتمع، ومنع أي صوت يقول 'لا'، وهو ما يظهر بوضوح في كل احتفالات 26 سبتمبر وغيرها".