تقارير

هل يتحول الحوثيون إلى حزب الله جديد في المنطقة؟

15/08/2025, 07:09:55
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد - خاص

بعد اغتيال إسرائيل زعيم حزب الله اللبناني في سبتمبر 2024، ثم انهيار الحزب نتيجة للضربات الإسرائيلية المكثفة التي طالت قياداته وأهم مخازن أسلحته، تحاول مليشيا الحوثيين التسويق لنفسها كحزب الله جديد في المنطقة وملء الفراغ الذي خلفه انهيار الحزب، من خلال تكثيف خطابها الدعائي ضد الكيان الإسرائيلي، والاستمرار في إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه فلسطين المحتلة.

في البدء، اكتسب الحوثيون أهميتهم لدى إيران من كونهم يمثلون لها قيمة إستراتيجية في تهديد السعودية ودول الخليج وليس الكيان الإسرائيلي، نظرا لبُعد المسافة عن فلسطين المحتلة التي تقلص دورهم المباشر ضد إسرائيل، لكن مع الضغوط المتزايدة على إيران، وتراجع دور بقية أذرعها في المنطقة، يبقى مستقبل مليشيا الحوثيين كقوة إقليمية مؤثرة رهينا لتقلبات المشهد الإقليمي أكثر من كونه مسارا مضمونا.

- الدعم السخي بالمال والسلاح

في جولات الصراع السابقة التي كانت تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان حزب الله اللبناني الفاعل الوحيد الذي يتصدر المشهد الإعلامي كمساند للقضية الفلسطينية (أو استغلالها سياسيا)، وكان زعيم الحزب حسن نصر الله، قبل اغتياله من قِبل إسرائيل، بمنزلة القائد الفعلي للمليشيات الطائفية الموالية لإيران وما يسمى محور المقاومة. 

وظل الحزب، على مدى سنوات، يتلقى الدعم السخي من إيران بالمال والسلاح والتكنولوجيا، ويعد من أكثر وكلائها في المنطقة فاعلية وولاء لها، فضلا عن دوره في تدريب المليشيات الأخرى التابعة لإيران، خصوصا مليشيا الحوثيين في اليمن، والإشراف على تجميع وتركيب وتطوير الأسلحة المهربة من إيران لتلك المليشيات.

وبعد إضعاف الحزب واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وانكفاء المليشيات العراقية على نفسها، تصدر الحوثيون المشهد الإعلامي كطرف بديل عن حزب الله في المنطقة يزعم مساندة القضية الفلسطينية، بعد أن كانوا طرفا هامشيا في المحور الإيراني، ولم ينخرطوا ضمن ذلك المحور بشكل عملي ومتزامن إلا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.

كما لوحظ كثافة الدعم الإيراني للحوثيين بالسلاح في السنوات الأخيرة، وإشادات مسؤولين إيرانيين بالحوثيين وبقدراتهم العسكرية، ونفي تهريب السلاح لهم، كما تزعم طهران أنه ليس لها سلطة على قرارهم السياسي والعسكري، وأنهم يتخذون قراراتهم باستقلالية تامة عنها.

هذا النفي لا يلغي حقيقة دعم إيران للحوثيين بالمال والسلاح ووحدة الهدف، والعلاقة التي تترسخ بين الجانبين يوما بعد يوم، خصوصا أن الحوثيين باتوا الطرف الوحيد من بين أتباع إيران الذي خرج رابحا حتى الآن من الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم.

فضلا عن ذلك، برز الحوثيون كأكثر وكلاء طهران تهورا بتهديداتهم للملاحة الدولية وقصف بعض السفن التجارية واختطاف وتدمير سفن أخرى، مما جعل إيران تكثف دعمها لهم، وهو ما يتضح من خلال نوعية الأسلحة التي يستخدمونها في تنفيذ هجمات ضد الكيان الإسرائيلي، وأيضا تنفيذ هجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر.

- سلاح حزب الله في حسابات إيران

سيزداد تركيز الأنظار على مليشيا الحوثيين في حال تم نزع سلاح حزب الله اللبناني تحت وطأة ضغوط إقليمية ودولية، ذلك أن نزع سلاح الحزب يعني خروجه من المعادلة تماما، وهو ما سيؤثر كثيرا على نفوذ إيران في المنطقة، التي كانت قد عاودت تهريب السلاح للحزب رغم تعقيدات الأوضاع الإقليمية، كما أنها ترفض بشدة مشروع نزع سلاح الحزب، لأن سلاحه يعد من أهم وأقوى أدوات محورها في الإقليم.

وبالتالي فإن نزع سلاح حزب الله سيشكل نقطة تحول إستراتيجية في العديد من النواحي، من أهمها التوازن العسكري في لبنان والمنطقة، فحزب الله يمتلك ترسانة صاروخية دقيقة ومتنوعة تمكنه من استهداف العمق الإسرائيلي، وإذا قرر الحزب خوض مواجهة جادة مع إسرائيل، فإن سلاحه سيغير قواعد الاشتباك، ويجعل المواجهة مع إسرائيل أكثر تعقيدا، لكن الضربات الدقيقة والمتسارعة التي نفذتها إسرائيل ضد قيادات الحزب ومخازن أسلحته أفقدته توازنه وأجبرته على التراجع.

علاوة على ذلك، يُعد حزب الله ذراعا إيرانيا فعالا في عدة جبهات، خصوصا في العراق واليمن وسوريا (قبل سقوط الأسد)، مما يعزز نفوذ إيران الإقليمي، ويزيد من تعقيد التحالفات والمصالح الدولية في الشرق الأوسط، ويجبر الفاعلين الإقليميين والدوليين على إعادة حساباتهم. كما يعكس سلاح الحزب التحول من الحروب التقليدية إلى حروب غير متكافئة وحروب بالوكالة، مما يصعب من السيطرة عليها أو محاولات إنهائها.

- الحوثيون.. مشروع محلي بواجهة إقليمية

وعطفا على ذلك، هل بإمكان الحوثيين ملء الفراغ الذي خلفه تراجع حزب الله على الأقل من منظور الحسابات الإيرانية؟ في بدء عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، كانت السعودية تؤكد أنها لن تسمح بقيام حزب الله جديد في خاصرتها الجنوبية، في إطار مواجهتها حينها للنفوذ الإيراني، غير أن المقارنة تكشف عن اختلافات جوهرية في النشأة والعلاقة مع طهران، رغم أوجه التشابه في الخطاب والتحالفات.

لقد نشأ حزب الله في سياق الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، وتحول بمرور الوقت إلى قوة سياسية وعسكرية تابعة لإيران وتنفذ أجندتها في المنطقة، بينما مليشيا الحوثيين ظهرت كجماعة إحيائية للإمامة الزيدية التي كانت قد طويت صفحتها بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وتظل دوافعها محلية حول مشروع احتكار حكم اليمن بذرائع ومسوغات عقائدية، وتوظف القضية الفلسطينية وعلاقتها مع إيران لخدمة مشروعها المحلي، على العكس من حزب الله الذي تأسس منذ البداية كأداة إيرانية إقليمية.

وفي كل الأحوال، سيتحول الحوثيون إلى نسخة من حزب الله اللبناني في حال أصبحوا قوة سياسية حاكمة في اليمن، خصوصا في حال استمرت الحرب أو التصعيد الإقليمي، وواصلت إيران دعمهم حتى يتحولوا من فاعل عسكري إلى لاعب سياسي معترف به دوليا، لكن هذا مستحيل. فاليمنيون، رغم التشتت والانقسام وخذلان التحالف السعودي الإماراتي لهم، لن يسمحوا بعودة نظام الإمامة حتى وإن كان برداء جمهوري، فمعركة الحسم المؤجلة ستندلع شرارتها عندما تتهيأ الظروف المناسبة بعيدا عن الإملاءات والحسابات الخارجية.

أما عن دور الحوثيين الإقليمي حاليا، فهم يراهنون على فتور الموقف الأمريكي والسعودي والإماراتي منهم، كما استفادوا من بعدهم الجغرافي عن الكيان الإسرائيلي (أكثر من 2000 كيلومتر)، ومن محدودية معرفة إسرائيل بتفاصيلهم مقارنة بحزب الله اللبناني، وكذلك التضاريس الصعبة التي تمنحهم القدرة على إدارة الإمدادات وتجميع الأسلحة وإخفائها في الجبال والأنفاق، مما يقلل فاعلية الضربات الجوية ويجعل أي غزو بري مكلفا.

- هل يرث الحوثيون حزب الله؟

وجدت إيران نفسها أمام فراغ في شبكة وكلائها الإقليميين، بعد اغتيال حسن نصر الله، وتراجع حزب الله تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، وسقوط نظام بشار الأسد، وتراجع دور المليشيات العراقية. 

وفي هذا الفراغ، برزت مليشيا الحوثيين كمرشح وحيد لوراثة دور حزب الله اللبناني، بل وسترث الدعم الذي كانت تقدمه إيران للحزب، ليس لأن مليشيا الحوثيين تمتلك نفس البنية والخبرة، وإنما لأنها أثبتت في السنوات الأخيرة استعدادها للذهاب بعيدا في خدمة الأجندة الإيرانية، دون حسابات سياسية معقدة.

ومنذ انخراطهم العملي في ما يسمى "محور المقاومة"، كثف الحوثيون خطابهم المعادي لإسرائيل، ونفذوا ضدها هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ووسعوا نشاطهم ليشمل تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهذه الجرأة جعلت إيران تزيد من وتيرة دعمها لهم بالسلاح والتكنولوجيا، على غرار ما فعلته مع حزب الله اللبناني.

غير أن الفرق الجوهري يكمن في أن حزب الله اللبناني بنى قوته ضمن دولة مفككة لكن لها مؤسسات، وحافظ على غطاء سياسي وشعبي في لبنان، بينما يتحرك الحوثيون في بيئة حرب أهلية مفتوحة، معزولين طائفيا وسياسيا في الداخل وعن معظم محيطهم الإقليمي، وهذا يجعلهم أكثر قابلية للاستخدام كورقة ضغط عسكرية، وأقل قدرة على التحول إلى كيان سياسي منظم بحجم حزب الله.

لقد كان حزب الله اللبناني مشروعا إيرانيا مكتمل الأركان، صُمم بعناية ليكون رأس حربة "تصدير الثورة الخمينية" في المشرق العربي، وتدفقت عليه الأموال والسلاح من إيران دون انقطاع، حتى اعترف حسن نصر الله صراحة بأن كل ما يمتلكه الحزب، من رواتب المقاتلين إلى الصواريخ الدقيقة، يأتي من إيران. 

- حزب متعدد المهام

ومع مرور الوقت، تحول الحزب إلى ذراع متعددة المهام لطهران: مقاتل في لبنان، ومدرب للمليشيات الطائفية في العراق واليمن، وعمود فقري للتدخل العسكري في سوريا لحماية نظام بشار الأسد منذ عام 2011 وحتى سقوطه أواخر العام الماضي.

وهذه المهام كانت بفضل تأسيس الحزب مباشرة من الحرس الثوري الإيراني، ودعمه المستمر بالمال والسلاح، وتحولاته الداخلية من مليشيا إلى قوة سياسية ذات بنية شبه دولة، مما جعله الركيزة الأهم في شبكة وكلاء إيران في المنطقة، وهو ما لا يتوفر في مليشيا الحوثيين.

ومع أن مليشيا الحوثيين تمثل اليوم الواجهة التهديدية الأبرز لطهران بعد التصدعات العميقة التي أصابت شبكتها التقليدية من الوكلاء، فإن هذا الصعود يظل في جوهره ظرفيا، ناتجا عن فراغ إقليمي أكثر منه تحول نوعي في بنية الحوثيين أو قدراتهم، فمكانتهم الحالية مرتبطة بغياب منافسين إقليميين أقوياء ضمن المحور الإيراني، وباستعدادهم للقيام بأدوار تصعيدية دون حسابات سياسية معقدة.

غير أن هذه المكانة قابلة للتراجع سريعا متى ما تبدلت موازين القوى، أو برز فاعل آخر يمتلك بنية تنظيمية متينة وحاضنة سياسية واسعة، وقدرة أكبر على خدمة الأجندة الإيرانية بفاعلية واستمرارية.

تقارير

الهجرة العكسية في اليمن.. مغتربون يعودون رغم الحرب وغياب الاستقرار

غادر آدم محمد ، البالغ من العمر 32 عاماً، صنعاء عام 2016 متجهاً إلى السعودية على أمل تحسين وضعه المالي ودعم أسرته، غير أن فرض رسوم الإقامة الجديدة وارتفاع تكاليف المعيشة قلّصا دخله تدريجياً حتى أصبح راتبه بالكاد يغطي نفقات الإقامة. وبعد ست سنوات من الغربة، عاد في مطلع 2025 ليجد غرفته العائلية مؤجرة والأسواق المحلية مثقلة بارتفاع الأسعار.

تقارير

تقرير دولي: الحوثيون قادوا موجة انتهاكات غير مسبوقة ضد القطاع الصحي في اليمن خلال العام الماضي

كشف تحالف دولي معني بحماية قطاع الصحة في مناطق النزاع عن ارتفاع مقلق في حوادث العنف والعرقلة التي طالت العاملين في المجال الصحي والمنشآت الطبية باليمن خلال عام 2024، محمّلًا جماعة الحوثي مسؤولية أغلب هذه الانتهاكات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.