تقارير
وكر اللصوص.. من يقطع طريق الرويك الصحراوي ويقتل العابرين؟
عبور إجباري فرضته وغيّبت مشكلته الحرب، تحوّل إلى مثلث الموت أو النجاة بنصف حياة للعابرين على طريق الرويك إجبارا، كونه الشريان الوحيد الذي يربط شرق اليمن بغربها وجنوبها بشمالها، ليكون فيه معركة البقاء للمدنيين، ووكر قطاع الطرق، وساحة معركة الفرقاء في آنٍ معا في بلد يعيش حربا، وحروبا أخرى كثيرة يعيشها المدنيون.
مطلع العام 2020، أغلقت المواجهات العسكرية في منطقة فرضة نهم ومفرق الجوف، شرق العاصمة صنعاء، آخر ممر كان متاحا أمام المسافرين وشاحنات نقل الغذاء والتجارة عبر صنعاء - مأرب - الرويك (252 كم)، لتتحوّل طريقهم من إسفلتية إلى رملية صحراوية عبر طريق يخترق الصحراء من أول خطوة في منطقة غويربان بالرويك حتى الحزم في الجوف بمسافة 190 كم استحدثته شاحنات النقل والعابرون كطريق بديل وحيد ليربط شرق البلاد بغربها وجنوبها بشمالها، عبور ليس بالسهل المرور عليه بل تنتظر العابرين مفاجآت وأحزان ومفزعات دون نجاة أو نجاة بنصف حياة، ودون منقذين.
قتل وتقطّعات ونهب وسلب وابتزاز وإتاوات إجبارية وتعثر بالرّمال؛ كلها تنتظر المارّة على طريق الصحراء الرملية التي تنقسم جغرافيتها بين محافظتي مأرب والجوف، وتنقسم السيطرة العسكرية عليها بين الحوثيين والجيش الوطني الشرعي بالتناصف.
يلزم القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف الأربع) أطراف النزاع بحماية المدنيين وحماية الطرق والأعيان المدنية الأخرى أثناء النزاعات، وهو القانون الذي صادقت ووقعت عليه اليمن والتزمت بتطبيقه، فيما يعتبر القانون الجرائم والعقوبات اليمني تقطّعات الطرق جرائم حرابة، وضمن الجرائم الجسيمة التي تصل عقوبتها إلى القصاص.
يكشف هذا التحقيق ما يتعرّض له المارّة في طريق صحراوي قصير بمساحته، كبير بحجم المعاناة التي أثرت على كل يمني خلال سنوات الحرب، ومن يقف وراء تلك الأحداث والتقطعات، وكيف استغلت الطريق للابتزاز والارتزاق، وأين وقعت التقطعات، وتحت سيطرة أي من أطراف الحرب، من خلال البحث والتقصي، مستندا على المصادر المفتوحة والمغلقة.
- الموت أو النجاة بنصف حياة
في منتصف ليلة 27 أكتوبر 2020، قتل ضافر الجرموزي (30 عاما) من أبناء مديرية بني الحارث من محافظة عمران في منطقة العريق الصحراوية في منطقة حويشيان شرق الحزم عاصمة بمحافظة الجوف أثناء عبوره بشاحنة تحمل مواد غذائية تجارية قادما من منفذ شحن البري (على حدود عُمان)، حينها كانت مليشيا الحوثي قد سيطرت على منطقة حويشيان قبل أشهر من وقوع حادثة القتل، ثم نفذ قتلة ضافر عملية نهب ما بحوزته وما بداخل شاحنته.
ضافر واحد من ثمانية سائقين ومسافرين آخرين قتلوا برصاص قطاع الطرق، فيما أصيب ثلاثة سائقين وثلاثة من قطاع الطرق في الطريق الصحراوي بين مأرب والجوف.
وبحسب التحقق عبر المصادر المفتوحة، وجد معد التحقيق أن ستة من القتلى سقطوا في الجزء الصحراوي، الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي، أحدهم قتل برصاص أحد مسلحي مليشيا الحوثي في نقطة حويشيان، فيما قتل سائقا شاحنتين في الجزء الصحراوي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني.
وعن طريق البحث في الانترنت، والاتصال المباشر بالضحايا وأسرهم، تحقق معد التحقيق من 48 حالة تقطع ونهب حدثت في مناطق سيطرة طرفي الحرب من تلك الصحراء خلال عامي 2020-2021م، (رغم أن الأعداد أكثر بكثير من ذلك)، تعرّض لها سائقو شاحنات النقل، وبسبب عدم وجود أي إحصائيات رسمية أو حقوقية من قِبل منظمات راصدة، تتغيّر الأرقام الحقيقية لعمليات الانتهاكات التي تحدث في طريق الصحراء بين الرويك وحزم الجوف.
- المال مقابل الحياة
يقول سائق شاحنة نقل (أحمد. ج. ع) -فضّل عدم كشف هويته- إنه قدما من محافظة الحديدة عبر صنعاء إلى الجوف ومنها عبر طريق الصحراء إلى مأرب، حاملا مواد غذائية من ميناء الصليف.
"حملت هذه الحمولة قبل ستة عشر يوما، طوال هذه الأيام ونحن بالطريق، قضينا ستة أيام كاملة منها في طريق الرملة (الصحراء) من الجوف إلى مأرب".
ويضيف أحمد أنه انتظر يومين كاملين قبل دخول الصحراء، بانتظار مهرب كي يسير برفقته بمبلغ مالي كبير (200) ريال سعودي (27000 ألف ريال يمني)، كي يوصله مسافة أقل من (20 كم) من أطراف مديرية الحزم عاصمة محافظة الجوف إلى منطقة العلم التي تنتهي عندها سيطرة الحوثيين، وتبدأ سيطرة قوات الجيش الوطني.
انتظر أحمد يومين حتى أوجد له مهرب "لأنه إذا ما دخلنا الصحراء بدون مهرب سيلتقينا قطاع الطرق من المهربين أنفسهم، وقد نقتل على أيديهم، أو يقومون بنهبنا، وإطلاق النار علينا وعلى الشاحنة".
يحمل أحمد في هاتفه قائمة كبيرة من أرقام المهربين التي أخذها من سائقي الشاحنات الآخرين، أو من قِبل مسلحين يتبعون مليشيا الحوثي في منطقة على أطراف الحزم في الجوف، بعد أن تعرّض أحمد للتقطع لثلاث مرات في طريق الصحراء بين منطقة حويشيان ومنطقة اللبنات، وكلها مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، بحسب وصفه.
يقول أحمد، وعلى وجهه الحزن: "نضطر أن ندي لهم فلوس لأجل يمشونا، لكن لو كان في طريق رسمي ما نتعرّض لأي إهانات، ولا أعطي قطاع طريق إيجاري الذي أعمل من أجله لأشبع أولادي".
- المهربون هم قطاع الطرق
أحمد تعرض لعملية تقطع من قِبل المهربين أنفسهم، حيث يقول: "أخذت مهرب، وركب بجانبي في الشاحنة، وفي منتصف الطريق كان مهرب آخر في الصحراء، ولا يعرف أن معي مهرب، حاول أن يقطع طريقنا، فيما نزل المهرب الذي معنا وتفاهم مع المتقطع، وقال له بصوت عالٍ أن قدنا تبعه، وواصلنا طريقنا برفقة المهرب".
على الجهة المقابلة، وعلى مقربة من نقطة "التحالف"، في المدخل الشمالي لمحافظة مأرب الخاضعة لسيطرة الشرعية المعترف بها، يقول "سلمان. أ. ع" - سائق شاحنة نقل مواد مختلفة من منفذ شحن على حدود عُمان- إنه بعد نقطة التحالف من جهة مأرب يجد المهربون على الخط، ويساومون سائقي الشاحنات أمام الجميع، ودون أي تحرك من قِبل قوات الأمن والجيش هناك، حد قوله.
سلمان يقول إنه تعرّض للنهب من قِبل المهرب الذي أخذه لينجيه: "وصلني المهرب إلى نصف الطريق، ويقول إن حدّه هنا، حاسبني، وسلّم كل ما معك".
ونهب من سلمان مسدسا ومبلغ مليوني ريال يمني، فيما يقول إنه سمع أن سائقين آخرين تعرّضوا للتقطع والنهب من قِبل المهرّبين أنفسهم الذين يتحولون إلى قطاع طرق: "إما أن تدفع لهم أو يتقطعوا لك".
قدم سلمان وثلاثة آخرين من سائقي الشاحنات شكاوى إلى جهتي السيطرة على الصحراء (الحوثيين والشرعية) بما تعرّضوا له من نهب ومواصفات المتقطعين، لكن لم تتحرك أي من الجهات لفعل ما يمكن فعله من ملاحقة قطاع الطرق، رغم سهولة الإمساك بهم، ومنعهم من تكرار ما يقومون به، إذا ما وجدت النوايا لدى الشرعية والحوثيين، بحسب الناشط الحقوقي في محافظة الجوف عبد الرب راكان.
وأوضح أن قطاع الطرق وجدوا الباب مفتوحا لممارسة ما ورثوه عن آبائهم، وما علمتهم به الطبيعة، فمارسوا ما يحلو لهم دون رادع، وأن قطاع الطرق يعيشون في الصحراء نفسها التي يتقطعون فيها، ومن السهل الإمساك بهم وتأديبهم، وحماية المدنيين من هذا العبث، بحسب وصفه.
من جهته، مصدر مسؤول في سلطة محافظة الجوف - فضّل عدم ذكر اسمه- قال إن من يعملون في قطع طريق الرويك، ونهب المارّة هم مسلحون قبليون أغلبهم من أبناء محافظة الجوف، يسكنون الصحراء، ومنهم من يسكن حاليا في المحافظة، تحت سيطرة الحوثيين.
ويشير إلى أن سلطة الجوف تعرف قطاع الطرق بالاسم، ولكن لا نوايا لحماية الطريق، لأن لهم مصالح شخصية في استمرار المشكلة وقطع الطريق، فيما هناك عدد قليل من قطاع الطرق من أبناء قبائل محافظة مأرب، الذين يعيشون على مقربة من الطريق الصحراوي، وأيضا تعرفهم القبائل بأسمائهم وصفاتهم وأماكن سكنهم، لكن مسكوت عنهم أيضا، حد وصفه.
- جرائم عقوبتها القصاص
المحامي والخبير في القانون الدولي، توفيق الشعبي، يقول في حديثه لـ"بلقيس": "إن ما يحدث في طريق صحراء الرويك من تقطعات وقتل تعد جرائم جسيمة، وأن الجهات التي تسيطر على كل جزء من الطريق تتحمل مسؤولية تأمين المدنيين فيها".
وأوضح الشعبي أن "على كل من يتعرض للانتهاك في الصحراء تقديم شكاوى للجهات الأمنية أو العسكرية، التي تسيطر على المنطقة التي حدثت فيها الجريمة، كي تتحمل مسؤولية قانونية في ملاحقة المجرمين"، مشيرا إلى أن "القانون الدولي الإنساني يلزم جميع أطراف الحرب بتطبيق بنوده، وتحمّل مسؤولية تجاه مخالفتها.
- النيابة: لا شكاوى ولا متهمين
رئيس النيابة العامة في مأرب، القاضي عارف المخلافي، أكد أن النيابة لم تتسلم أي ملفات شكاوى خاصة بشأن التقطعات والنهب الحاصلة في طريق الرويك الصحراوي، وأنه لا يوجد أي متهم بهذا الجانب في سجون مأرب.
وقال المخلافي إن "الطريقة القانونية أثناء حدوث إشكالات كهذه أن يتقدم المجني عليه بشكوى إلى أقرب قسم شرطة، أو إلى النيابة، ويبلّغ بما تعرّض له، مع طرح ما يمكن من الأدلة والإثباتات والشهود، لتقوم النيابة بتوجيه الجهات الأمنية بمتابعة مهامها القانونية تجاه الجناة".
يقول سلمان - سائق شاحنة نقل من شَحِن إلى صنعاء- إنه "ما أن يتجه نحو طريق الرويك الصحراوي حتى يبدأ بنقاط تفرض على الشاحنات مبالغ تحت مسمى التحسين، تصل إلى 300 ألف ريال على كل شاحنة، وعلى كل مرور، وهي نقطة تابعة للشرعية، ومن بعدها يدفع لكل نقطة من 10 آلاف ريال على الأقل حتى يصل العلم، وتختفي تلك النقاط العسكرية، ويبدأ المتقطعون، ومن ثم نقطة جمارك تابعة للحوثيين، وتفرض 200 ألف ريال على كل شاحنة تمر، بالإضافة إلى دفع حق تفتيش 50 ألف ريال.
أيضا، خط صحراء الرويك تحول إلى وكر لقُطاع الطرق واللصوص ليلا، وهناك قطاع طرق رسميون، ولصوص في النهار يسلبون وينهبون سائقي الشاحنات بصفات غير قانونية، حوّلوا الطريق البديل في صحراء الرويك إلى وكر للاسترزاق من جيوب المارّة وعرقهم".