تقارير
الاتفاق الحوثي - الأمريكي.. هل أصبحت الملاحة الدولية آمنة في البحر الأحمر؟
قبل يومين، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقف الغارات على مواقع مليشيا الحوثي، بعدما قال إن الجماعة قد استسلمت، وتعهدت بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر.
في المقابل، أنكرت جماعة الحوثي وجود أي اتفاق بين الجانبين، معتبرةً إعلان واشنطن بمثابة هزيمة واضحة لها ونصر كبير للجماعة.
لكن إعلان وزارة الخارجية العُمانية لاحقًا عن التوصّل إلى اتفاق بين الحوثيين وواشنطن لوقف الهجمات الحوثية والغارات الأمريكية أثار الكثير من النقاش.
- الكيان الصهيوني أصبح وحيدًا
يقول القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي: "نحن لم ننكر هذا الاتفاق، لكنه جاء بوساطة عُمانية، وكان ضمن إطار وفدنا الوطني وبحضور المبعوث الأمريكي، ولذلك كان مفاجئًا للجميع".
وأضاف: "الاتفاق هو اتفاق ثنائي بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية، ولا يشمل الكيان الصهيوني"، مؤكدا "عملياتنا العسكرية المساندة لإخواننا في غزة مستمرة، سواء في عمق الكيان الصهيوني أو في البحر الأحمر".
وأوضح: "الاتفاق لم يغيّر أيًّا من قواعد الاشتباك التي فرضناها منذ بداية عملياتنا العسكرية في البحر الأحمر، وإنما اقتصر على وقف الأعمال العسكرية المتبادلة بين اليمن والولايات المتحدة فقط".
وتابع: "نؤكد أن عملياتنا مستمرة حتى وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة ورفع الحصار عن سكانها".
وزاد: "كنا واضحين بأننا نستهدف الكيان الصهيوني فقط، ولا نستهدف غيره، سواء الولايات المتحدة أو بريطانيا، حتى أثناء الاشتباكات المباشرة بيننا وبين أمريكا وبريطانيا، كنت أؤكد أن وقف عدوانهم على اليمن سيقابله وقف من جانبنا".
وأكد: "عملياتنا العسكرية المساندة لإخواننا في غزة تستهدف الكيان الصهيوني، ولكن عندما أقحمت أمريكا نفسها بالعدوان على اليمن، بدأنا في استهداف القطع الحربية الأمريكية وملاحتهم البحرية، وقد تسبب ذلك بخسائر كبيرة لهم".
وأشار إلى أن "أمريكا عندما تراجعت وأوقفت عدوانها على اليمن، أوقفنا عملياتنا العسكرية ضدها؛ لأنها كانت دفاعية وليست ضمن عمليات المساندة لغزة".
واستطرد: "عمليات المساندة مستمرة فقط من أجل فلسطين، راجعوا تصريحاتي وتصريحات (السيد) عبد الملك بدر الدين الحوثي، والأستاذ محمد عبد السلام".
وأردف: "عندما طلبت أمريكا وقف العمليات العسكرية المتبادلة، وافقنا، وهذا الاتفاق أزعج الكيان الصهيوني بشدة؛ لأنه شعر بأنه أصبح وحيدًا في المواجهة، كما أنه سيمكننا من تركيز قوتنا العسكرية لوقف جرائم الإبادة في غزة ورفع الحصار عنها".
وبيّن: "في الغرب، عندما يتحرك شخص أو جماعة دعماً لفلسطين تُوجَّه له تهمة معاداة السامية لتشويه موقفه، وفي العالم العربي يُقال إنه تابع لإيران، حتى المقاومة الفلسطينية يتم ربطها بإيران".
ويرى أن إيران "إذا كانت تدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية فهذا شرف لها، ونحن في اليمن، كدولة عربية، ندعم المقاومة الفلسطينية بكل فخر".
واعتبر أنه "عندما يُتَّهم أي تحرك عربي لدعم المقاومة بأنه تابع لإيران فهذا في حقيقته انتقاص من كرامة العرب، وكأنهم لا يتحركون إلا بأوامر خارجية، وهذا أمر مرفوض".
وزعم أن "شعار 'الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل' جاء كردّ فعل على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وكذلك كردّ فعل على الاحتلال الأمريكي للعراق، وهذا يؤكد أننا نتجاوز القضية المذهبية، وكان ردًّا على شعار بوش الذي أطلقه آنذاك: من ليس معنا فهو ضدنا".
وادَّعى أن ما يقدّمونه من تنازلات للداخل أكثر بكثير مما يقدمونه للخارج.
وللإجابة عن سؤال: ماذا كسبت اليمن من إسناد غزة؟ قال: "كسبنا الكثير؛ أول مكسب هو أننا سلمنا من عذاب الله سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: [إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ]، وهذا العذاب هو في الدنيا والآخرة، لأن الاستبدال لا يكون إلا في الدنيا، كسبنا ديننا، كسبنا كرامتنا، عزتنا، شرفنا، بأننا لم نتخلَّ عن إخواننا في فلسطين".
- حوار بين إيران وأمريكا
بدوره، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع: "من الواضح أن الحوارات الجارية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية قد أفضت إلى هذا الاتفاق، ترامب، الذي أعلن في 2018 نهاية التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي، يعود اليوم لمفاوضتها".
وأضاف: "ترامب هو نفسه من أعلن الحرب على الحوثيين في 15 مارس، قائلاً إن أمريكا ستقاتل الجماعة حتى تستسلم، ثم في 6 مايو أعلن أنهم قد استسلموا ووافقوا على وقف ضرباتهم للملاحة في البحر الأحمر".
واعتبر الشجاع حديث البخيتي عن أن الاتفاق ثنائي ولا يشمل إسرائيل "نوعا من المغالطة"، موضحا: "جماعة الحوثي تتعامل مع الآخرين بعقلية السمك: يُلقى له بالطُّعم ثم يُصطاد، ثم يعود لينسى ما حدث".
وزاد: "الجماعة تقوم على شعار 'الموت لأمريكا قبل الموت لإسرائيل'، وهو شعار أطلقه الإمام الخميني في الثورة الإيرانية؛ هي تغالط نفسها وتغالط الجمهور، متنقلة من معركة لأخرى؛ هروبًا من جوهر شعارها".
واستطرد متسائلا: "الجماعة تدَّعي أن انتصاراتها نصرٌ من الله، فإذا كان الله هو من يمنح هذه الانتصارات، فلماذا تخلوا عن هذا النصر الإلهي، وتركوا أمريكا وشأنها؟"، مؤكدا أن "هذا الاتفاق جاء بتعليمات من إيران".
ويرى أن "ما يسمى بمحور المقاومة تديره إيران بذكاء منقطع النظير لتحقيق أهداف تتعلق ببرنامجها النووي، فقد ضحّت بحزب الله، وبالنظام السوري، وبالعراقيين، والآن تترك ما يسمى المقاومة في يد جماعة الحوثي، وهم في أقصى الأرض".
وتساءل قائلا: "إذا كانت المقاومة حقيقية، فلماذا لا نرى حزب الله، أو السوريين، أو العراقيين إلى جانب الحوثيين؟ هذا يؤكد أن ما يحدث لا علاقة له بالمقاومة".
وتابع: "إيران وإسرائيل تتخادمان مع الولايات المتحدة الأمريكية لضرب ما تبقى من مقوِّمات الأمة العربية".
وأردف: "المسألة ليست مرتبطة بغزة فقط، فشعار الحوثيين 'الموت لأمريكا والموت لإسرائيل' تم إطلاقه قبل الهجوم على غزة، ما يعني أن القضية أيديولوجية أكثر من كونها رد فعل".
وقال: "من يدعي أن إسرائيل وأمريكا ليس بينهما تلازم، فهو يغالط نفسه، أمريكا دعمت إسرائيل منذ عام 1948 بما يقارب 310 مليارات دولار، إضافة إلى السلاح والدعم السياسي، بل إنها دعمتها علنًا في حربها على غزة الأخيرة".
وأضاف: "إيران اختطفت المقاومة الإسلامية والعربية منذ 1982، حين تم طرد ياسر عرفات والمقاومة من جنوب لبنان، وتم تأسيس حزب الله ليكون ذراعا لها في المنطقة".
وتابع: "نحن لا نختلف حول مواجهة الاحتلال الصهيوني، بل نختلف حول العلاقة بين إيران والصهيونية العالمية".
وتساءل متعجبا: "إذا حيّدنا أمريكا وقلنا إن الحوثيين يقاتلون إسرائيل فقط، فكيف سيميّزون بين الطائرات الأمريكية والإسرائيلية إذا قصفتهم؟ هل ستُرفَع أعلام على الصواريخ؟".
ويرى أن "ما يفعله الحوثيون هو محاولة تبرير موقفهم المحرج"، مؤكدا: "التحرك الحوثي الأخير غطّى على ما يجري من تهجير للفلسطينيين".
وكشف أنه "خلال الأسابيع الماضية تم تهجير أكثر من 5,000 فلسطيني من غزة إلى كندا وأيرلندا فيما يُعرف بالتهجير الطوعي، وقد أنشأت الحكومة الإسرائيلية مكتبًا لتنسيق هذا التهجير بشكل رسمي".
وقال: "لو كانت إيران في مقدمة المعركة، لكنا جميعًا معها"، موضحًا أن "ما تقوم به جماعة الحوثي، لو كان فعلًا مقاومة حقيقية بعيدًا عن القرار الإيراني الذي يتحكم بها، لقلنا لها: أعيديها ألف مرة، وليس مرة واحدة فقط"، مشيرا إلى أن "هذه الصواريخ تُطلق باتفاق، وإسرائيل بحاجة إلى هذه الزوبعة".
وأضاف: "علينا في نهاية الأمر أن نقيس حجم الأضرار التي أحدثتها المواجهة بين الحوثي وإسرائيل، ما الذي خسرته إسرائيل؟ وما الذي خسرته اليمن؟".
وبيّن: "اليمن أصبحت بلا مصانع إسمنت، بلا كهرباء، بلا ميناء، وبلا مطار، أما إسرائيل، فما الذي خسرته؟ توقف مطارها لمدة ساعة ثم عاد للعمل كأن شيئًا لم يكن".
ولفت إلى أن "إسرائيل كسبت من هذه المواجهة؛ لأنها تحتاج إلى تضخيم هذا العدو البعيد أمام العالم، لتبرر بأنها تواجه خطرًا حقيقيًا، ومن حقها أن تدافع عن نفسها".
وقال: "جماعة الحوثي انقلبت على الحوار الوطني في موفمبيك، مما استدعى تدخل التحالف، الذي كان بدوره جزءًا من مؤامرة دولية على اليمن".
وأوضح: "أمريكا وإيران كانتا توقعان الاتفاق النووي بالتزامن مع بدء التحالف قصف اليمن في مارس 2015، ما يكشف أن الحرب كانت بتحريك أمريكي ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يقوم في الأساس على ثلاث دول هي إسرائيل، إيران، وتركيا".
وأكد أن "إيران تستخدم العرب كوقود لمعاركها، ولم ترسل جنديًا واحدًا لمحاربة إسرائيل، وأن فيلق القدس لم يذهب إلى القدس، بل إلى عواصم عربية".
واتهم الشجاع إيران "بالتكامل مع المشروع الصهيوني في استنزاف العرب سياسيًا واقتصاديًا، مما أدى إلى انقسامهم قسم مع التطبيع خوفا من إيران، وقسم ذهب مع إيران لمواجهة دول التطبيع، مما أدى ذلك إلى ضياع القضية الفلسطينية".