تقارير

السيناريو الأخطر.. ماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي؟

26/04/2025, 07:34:50
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

مع اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي، فإن الوقت حاليا ليس في مصلحة اليمن أو الدول العربية في مواجهة هذا التحدي، فالجميع مطالبون الآن بتحديد موقف استباقي، قبل أن يصبح الوضع أكثر تعقيدا وتصعب معالجته، فإيران ماضية في تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة، وكأنها تسابق الزمن لامتلاك ذلك السلاح الذي سيحصنها ويحصن وكلاءها في المنطقة من التدخل الخارجي، ولا يُستبعد أن تهرب التكنولوجيا النووية لوكلائها لتفرض سيطرتها المطلقة على المنطقة.

وفي هذا السياق، فإن اليمن يقف اليوم على عتبة تحول دراماتيكي في معادلة الصراع الإقليمي، ففي حال امتلاك إيران للسلاح النووي سيشكل ذلك نقطة تحول مفصلية تجعل الحوثيين محصنين ضد أي تدخل خارجي وضد خصومهم في الداخل أيضا، مما يفتح الباب أمام احتمالات جديدة تهدد أمن المنطقة بأكملها.

ومن خلال هذه المعادلة الجديدة، قد تتحول صنعاء إلى قلعة محصنة بإرادة إيرانية، مما يجعل أي تدخل عسكري في اليمن أمرا غير مستساغ بالنسبة للسعودية والإمارات أو القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية.

فإذا كانت السعودية والإمارات لا ترغبان حاليا بالعودة للتدخل العسكري في اليمن خشية من هجمات الحوثيين على أراضيهما بواسطة صواريخ بالستية أو طائرات مسيرة، فكيف سيكون موقفهما عندما تمتلك إيران السلاح النووي وتهددهما به في حال عاودتا التدخل عسكريا ضد الحوثيين.

وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي ما زالت تفضل الحوار والتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، خشية من أن يتسبب العمل العسكري بمواجهة إقليمية شاملة تتعرض فيها المصالح والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة لخطر الاستهداف، وتوقف إمدادات الطاقة، فكيف سيكون موقفها عندما تمتلك طهران السلاح النووي وتهدد به كل من يقترب من حدودها أو يستهدف وكلاءها في المنطقة.

مما لا شك فيه أن الجميع حينها سيتجنبون التصعيد مع طهران، وسيتركون اليمن فريسة لإيران والحوثيين، وهذا يتطلب من اليمنيين المسارعة الآن للقضاء على مليشيا الحوثيين واستعادة الدولة والجمهورية، بعد التنسيق مع حلفاء إقليميين للحصول على الدعم العسكري، قبل أن تُحكِم "الإمامة الجديدة" قبضتها على السلطة إلى الأبد، تحت حماية المظلة النووية الإيرانية، وقد تمتلك الإمامة (الحوثية) السلاح النووي فيما بعد بدعم إيراني، أو على الأقل تدعم إيران وكلاءها بقنابل نووية بدائية أو أسلحة نووية تكتيكية ذات نطاق تدميري ضيق لتحصين حكمهم والقضاء على خصومهم المحليين.

- هل يصبح الحوثيون دولة نووية بالوكالة؟

"الدولة النووية بالوكالة" هو تعبير يُستخدم لوصف دولة لا تمتلك السلاح النووي رسميا أو لا تعلن امتلاكه، لكنها تُستخدم كمنصة أو حليف إستراتيجي لقوة نووية أخرى، بحيث تُستضاف على أراضيها أسلحة نووية أو تُدمج في إستراتيجية الردع النووي لتلك القوة، بمعنى أنها لا تملك قرار استخدام السلاح النووي بيدها، لكنها جزء من منظومة نووية لدولة أقوى، مثل بعض دول حلف الناتو، كألمانيا وإيطاليا وتركيا.

فهذه الدول تستضيف أسلحة نووية أمريكية على أراضيها في إطار ما يعرف بـ"الشبكة النووية" لحلف الناتو، لكنها لا تملك القرار النهائي في استخدامها، ويُنظر إليها على أنها دول نووية "بالتبعية" أو "بالتفويض غير المباشر"، وفكرة "بالوكالة" هنا تشبه فكرة الحرب بالوكالة: الدولة لا تملك السلاح مباشرة، لكنها تؤدي دورا في إستراتيجية الدولة النووية الكبرى.

صحيح أن مليشيا الحوثيين ليست الآن "دولة"، حتى وإن كانت تسيطر على معظم محافظات شمال اليمن، لكن في حال امتلاك إيران السلاح النووي فإنها ستكثف دعمها لمليشيا الحوثيين بالسلاح والمقاتلين من دول أخرى، مما يمكنهم من السيطرة على جميع الأراضي اليمنية، وحينها فإن أي دولة تحاول التدخل العسكري ضد الحوثيين ستهددها طهران بالسلاح النووي، وقد تدفع بأعداد هائلة من الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن لمساندة الحوثيين، وحينها سيصبح اليمن، تحت سيطرة الحوثيين، دولة نووية بالوكالة، تستضيف أسلحة نووية إيرانية لتهديد الدول العربية، وإخضاع اليمن والخليج للهيمنة الإيرانية.

لقد صارت السيطرة على اليمن تغري إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى، ليس لأن مليشيا الحوثيين هي الرابح الوحيد من التصعيد الإقليمي حتى الآن، أو الحليف الوحيد لإيران الناجي من الانهيار، ولكن لأن اليمن أضحى ساحة للتنافس الإقليمي والدولي، حيث تحولت صنعاء إلى أحد أبرز مواقع المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها.

ومع التقدم الذي تحرزه إيران في برنامجها النووي، وارتفاع المخاوف الإقليمية والدولية من امتلاكها لذلك السلاح، يكون هذا التحول بمنزلة نقطة مفصلية في مستقبل اليمن، فإذا امتلكت إيران السلاح النووي سيتشكل توازن جديد لصالح الحوثيين، الذين أصبحوا بالفعل أهم أذرع إيران العسكرية في المنطقة، وسيصبحون "دولة نووية بالوكالة" تحميها طهران من أي تدخل خارجي، وقد يصل الأمر، في وقت لاحق، إلى منح الحوثيين التكنولوجيا النووية، ونقل علماء نوويين إيرانيين إلى اليمن لتأسيس برنامج نووي خاص بالحوثيين.

هذا السيناريو متوقع لأن العلاقة بين إيران ومليشيا الحوثيين لم تعد مجرد تحالف تكتيكي، بل تحولت إلى شراكة إستراتيجية تعتمد على الدعم المستمر من إيران، من خلال تزويد الحوثيين بالأسلحة والتدريب العسكري، وصولا إلى الدعم السياسي الذي يعزز وجودهم على الساحة الدولية، وتسويقهم لدى حلفاء إيران الكبار، مثل روسيا والصين.

وبما أن الحوثيين أصبحوا جزءا من المشروع الإيراني الأوسع في المنطقة، ونجحت طهران في تحويلهم إلى قوة ميدانية غير قابلة للتحدي من جانب أبرز أعداء إيران التقليديين، كالسعودية، فإن إيران ستستخدمهم لتقويض بعض الأنظمة العربية المدعومة من الغرب، أو توجيههم لخوض معارك بالوكالة عنها، مع الإبقاء على المظلة النووية نشطة والتهديد الدائم بالسلاح النووي.

إن معادلة الصراع في المنطقة ستتغير جذريا في حال امتلاك إيران السلاح النووي، ليس فقط من حيث التوازن العسكري، ولكن أيضا من حيث القدرة على فرض السياسات الإقليمية، وهو ما تثبته التجارب الماضية، فإيران أظهرت قدرتها على تنفيذ إستراتيجيات معقدة في المنطقة عبر دعم الوكلاء مثل حزب الله في لبنان، ومليشيا الحشد الشعبي في العراق، ومليشيا الحوثيين في اليمن.

وإذا حصلت إيران على السلاح النووي، فإن هؤلاء الوكلاء سيستفيدون من الحماية النووية الإيرانية التي قد تجعل أي تدخل خارجي ضدهم بلا جدوى، فالسلاح النووي لن يحصن إيران وحدها، بل سيحصن جميع أذرعها في المنطقة.

وفي هذا السياق، لنتخيل كيف ستصبح معادلة الصراع في اليمن إذا أصبح الحوثيون، الذين تحميهم إيران، محصنين بمظلة نووية، إذ قد يتحول التدخل العسكري ضدهم إلى مسألة محفوفة بالمخاطر، حيث ستجد القوى الإقليمية والدولية نفسها في موقف صعب، إما المواجهة مع إيران النووية أو التغاضي عن التمدد الحوثي في اليمن.

والتساؤل الذي يطرحه هذا السيناريو هو: هل يتحول الحوثيون بالفعل إلى "دولة نووية بالوكالة" تحميها إيران؟ بمعنى آخر: هل يمكن أن يصبح اليمن تحت حكم الحوثيين، الذين يتمتعون بحماية طهران النووية، كيانا شبه مستقل لا يمكن المساس به من جانب القوى الإقليمية والدولية؟ من المؤكد أن خطر الحوثيين لم يعد محصورا على الداخل اليمني، بل أصبحوا يشكلون تهديدا إقليميا يتطلب إستراتيجية دولية فعالة وحاسمة للتعامل معهم.

- التبعات الإقليمية والدولية

إذا امتلكت السلاح النووي، فإنها قد تقرر استخدام الحوثيين كأداة لفرض واقع سياسي جديد في المنطقة، ولذا يمكن أن يشهد الشرق الأوسط سلسلة من التغيرات المتسارعة والنوعية، خصوصا في العلاقات بين السعودية ودول الخليج الأخرى من جهة وإيران من جهة أخرى، وقد تُجبَر الدول العربية على تغيير إستراتيجياتها العسكرية والدبلوماسية، إذا أصبحت اليمن، تحت سيطرة الحوثيين، "دولة نووية بالوكالة" تحت حماية إيران.

ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تعيد القوى الكبرى حساباتها في ما يتعلق بمليشيا الحوثيين. فمثلا، الولايات المتحدة التي دعمت التحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثيين في بداية عملية "عاصفة الحزم"، وتواصل تنفيذ هجمات نوعية ومكثفة ضدهم منذ منتصف مارس الماضي، قد تجد نفسها أمام وضع أكثر تعقيدا مع وجود تهديد نووي إيراني في المنطقة، وبالتالي سيصبح الحفاظ على الاستقرار في اليمن أمرا بالغ الصعوبة، خصوصا إذا كانت إيران تمتلك القدرة على الردع النووي.

وقد تجد إيران في هذا السيناريو فائدة كبيرة، إذ يمكن أن تستخدم الحوثيين كوسيلة لتمرير أجندتها الإقليمية دون التدخل المباشر، فمن خلال دعم الحوثيين بالسلاح النووي، ستعزز طهران نفوذها في اليمن، وستصبح أي محاولة للإطاحة بسلطة الحوثيين أكثر تعقيدا، وبالتالي ستصبح صنعاء بمنزلة نقطة انطلاق لتحقيق هيمنة إيران في المنطقة على المدى الطويل.

وعطفا على ما سبق، يجب أن تعيد القوى الإقليمية والدولية النظر في كيفية التعامل مع الصراع في اليمن، وأن تدرس سياسات جديدة لتقويض النفوذ الإيراني، والإطاحة بسلطة الحوثيين بشكل عاجل، قبل أن تتمكن إيران من امتلاك السلاح النووي.

كما يجب عدم الرهان على المفاوضات كوسيلة لإبطاء تقدم البرنامج النووي الإيراني أو تفكيكه، بل فحتى تدميره بعملية عسكرية قد لا يكون مجديا، ففي ظل كل التحديات ستتخذ طهران إجراءات احترازية مثل نقل البنية التحتية النووية إلى مواقع سرية محصنة بدلا من المواقع المعروفة التي قد تتعرض للقصف والتدمير، ولا يمكن تدمير المواقع السرية إلا إذا كانت المخابرات الأمريكية على معرفة بها جميعا.

وإذا حدث ذلك، ستكون مكاسب الهجوم تأخير وليس إنهاء النووي الإيراني، لأنه سيعاد بناء المنشآت النووية في أماكن سرية، ولا يمكن القضاء تماما على البرنامج النووي الإيراني إلا بتدمير شامل للمنشآت المعروفة والسرية، والإطاحة بحكم الملالي، ودعم قيام نظام حكم جديد متصالح مع الجوار الإقليمي لإيران ومع العالم.

أما إذا تمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي، فإنها لن تكون تلك الدولة الباحثة عن التوازن أو الردع، بل ستتحول إلى قوة أكثر توحشا وعدوانية، مدفوعة برغبة انتقامية عميقة مما تعرضت له من إذلال وتهديدات وضغوط دولية، وقصف لأراضيها، وانهيار بعض أذرعها في المنطقة.

وبالتالي فإن السلاح النووي لن يكون وسيلة للردع، بل أداة تهديد دائم، وستتحول التوترات العابرة إلى حالة مزمنة، وسيصبح التصعيد واقعا يوميا، في ظل اختلال ميزان الردع، وتبدل معادلات القوة، وسيصبح الأمن الإقليمي رهينة لحسابات التهديد النووي لا لحسابات السياسة والعقل.

- النووي كدرع لوكلاء إيران

من شأن امتلاك إيران للسلاح النووي أن يعيد رسم ملامح التوازنات في الشرق الأوسط، ويمنح طهران أوراقا إستراتيجية جديدة لتوسيع نفوذها، خصوصا عبر وكلائها في المنطقة، وفي طليعتهم مليشيا الحوثيين، التي ستجد في المظلة النووية الإيرانية عنصر حماية استثنائيا، يعزز من صلابتها في مواجهة الضغوط العسكرية والسياسية الخارجية.

كما أن مثل هذا التحول سيمنح الحوثيين هامشا واسعا للتحرك على الأرض، دون القلق من تبعات التدخل الخارجي، وهذا التطور المحتمل يفرض مراجعة جذرية لإستراتيجية المجتمع الدولي تجاه الصراع في اليمن.

وفي ضوء ما سبق، فإن التعجيل بالحسم العسكري ضد مليشيا الحوثيين يعد ضرورة وجودية تفرضها مآلات الملف النووي الإيراني، الذي سيجعل من الحوثيين ذراعا نووية في الخاصرة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية.

وإذا كانت السعودية تلوح بأنها ستسعى للحصول على السلاح النووي إذا امتلكت إيران ذلك السلاح، فإن سباق التسلح هذا، إن بدأ، لن يغير شيئا في الواقع الجديد الذي سيتكرس في اليمن، حيث ستكون طهران قد زرعت أول "دولة نووية بالوكالة" في خاصرة العرب، ولذا فإن كسر المشروع الحوثي الآن، قبل أن يُكسب بعدا نوويا، هو المعركة الفاصلة لتثبيت استقرار اليمن، وحماية المنطقة من ابتزاز طويل الأمد.

تقارير

حرية التعبير لا تزال تهمة في اليمن والحوثيون في صدارة المنتهكين

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام، يحتفي العالم بحرية الكلمة، بينما لا تزال الصحافة في اليمن ترزح تحت وطأة القمع والانتهاكات. فالمهنة هناك تحوّلت إلى خطر، والصحفيون إلى أهداف خلف القضبان وفي المنافي.

تقارير

هل تُنهي التغييرات الحكومية أزمة انهيار العملة في اليمن؟

بالتزامن مع استمرار تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ناقش المجلس الرئاسي اليمني في اجتماع له بالعاصمة السعودية الرياض، مستجدات الأوضاع الاقتصادية والخدمية، دون الإعلان عن اتخاذ إجراءات للحد من التدهور المتسارع للعملة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.