تقارير

الكنوز القديمة.. أوهام وخيالات بحثا عن الثراء

24/07/2023, 07:07:41
المصدر : قناة بلقيس - خاص - بشرى الحميدي

انتشرت ظاهرة البحث عن الدفائن في الأطلال المهجورة منذ القدم، وفي أماكن كثيرة حول العالم، وحيث وجدت الحضارات القديمة، وجدت الكنوز والآثار.

وتعد اليمن من أغنى دول العالم حضارياً وتاريخياً، وفيها قامت ممالك ودول متعددة عبر الأزمان، وفي تعز تحديداً، كانت عاصمة الدولة الرسولية والصليحية، وغيرها وتعد منطقة المغربة القريبة من قلعة القاهرة أحد أهم الأطلال الباقية، والمكان الذي كثر فيه البحث عن الدفائن والكنوز، وكذا قرى جبل صبر المختلفة، التي عاش عليها الكثير من الناس عبر التاريخ، فتجدهم بين الخرائب والأطلال يستغلون ظلام الليل كالأشباح يضربون الأرض بمعاولهم في أماكن حددوها سلفا، ولا شيء يمازج هدوء الليل غير أصوات هوام الليل وضربات المعاول؛ ينبشون الأرض وكلهم أمل أن بعد ذلك الجهد سيأتي الفرج، والمكافأة المجزية، كل ذلك من منطلق رؤيا.
 
- أضعاث أحلام

يقول "عبد الله ": "في ذات ليلة شفت أن اثنين رجال لابسين أبيض وباين عليهم الصلاح كانوا يبنوا جدارا بواحد من الأحوال اللي في القرية، صحيت الصباح  تكلمت مع صديق عن الحلم، قال صاحبي هذا دليل أن الجدار تحته كنز؛ لأن الخضر وموسى لما دخلوا قرية شافوا جدار وبنوه عشان يخبوا الكنز اللي تحته".

يضيف: "أنا اقتنعت أن الرؤيا كانت إشارة لي عشان الكنز هذا أكيد رزقي، ورجعت أتخيل وين كان المكان اللي شفته بالحلم، وكل مرة أروح أحفر بالمكان اللي يشبه اللي شفته، لكن للأسف ما لقيت غير صياح الناس ليش خربت الأحوال حقهم".

مراد هو الآخر  يقول إن والده، البالغ من العمر 75 عاماً، قص لهم حلمه الذي راوده ذات ليلة، حيث رأى أنه وجد في بستان عمه صندوقا ممتلئا بعملات حديدية قديمة، ومجموعة من الورق والجلود المكتوب عليها والمختومة بصمغ أحمر.

يقول مراد: "رؤيا جدي لم تغادرني، فكرت كثيرا، حتى إني قررت أن أذهب للحفر، استغليت ظلام الليل، وذهبت للمكان الذي تكلم عنه جدي، جلست أنقب وأحفر، حتى إني لم استقر على مكان واحد، بل حفرت في أماكن متفرقة، وفي كل مرة كنت أبوء بالفشل".
 
- تغيّر وضع

يرجع أستاذ علم الاجتماع المساعد في جامعة تعز، ياسر الصلوي، هذا السلوك إلى "حالة العوز والفقر التي يعاني منها المجتمع، والتي يعتقد أنه من خلالها ممكن أن تتغيّر حالته المادية، فهي حالات نفسيه تجعل الأشخاص يتخيّلون أنه من المُمكن أن تتغيّر حياتهم المادية، ويتجنّبوا البحث عن العمل الجاد والمُنتج، من خلال وسائل وطُرق غير سليمة".



وأضاف: "المجتمع يعاني من الفقر، يُعاني من الفاقة؛ بسبب الأوضاع الحالية، وتردِّي الأوضاع الاقتصادية، وضيق سبل العيش، وغيرها، فيبحث عن اعتقادات وتوهّمات يعتقد أنه يمكنه الحصول على ثروات لتغيير وضعه  الاجتماعي، والانتقال -ما بين عشية وضحاها- من حالة الفقر إلى حالة الغنى، وهي عبارة عن تهيُّؤات ورؤى غير صحيحة وغير صادقة".

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي عبد الحميد المساجدي: "في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة للغاية، وتدني مستوى الوعي، يلجأ المواطنون إلى الهروب من الواقع الذي هم فيه، والاعتماد على خرافات مثل البحث عن الكنوز، والمدفونات في مختلف مناطق اليمن".

وأكد: "ما نشهده حالياً من نشاط ملحوظ لبعض المواطنين في الحفر والبحث عن الكنوز مؤشر واضح على انعدام فرص العمل، سواء الوظيفية أو حتى في المهن الحُرة؛ في ظل الحرب، رافقها تدني مستوى الوعي، الذي جعل هؤلاء يؤمنون بالخرافات والأساطير عن وجود كنوز مدفونة، يتناقلونها لتبرير أعمالهم".

- تنقيب عشوائي

يقول  مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف في تعز، محبوب الجرادي، إن أغلب الناس، الذين يبحثون عن الكنوز والدفائن القديمة، مصابون بالحالات النفسية، وهذا يؤثر سلباً على المواقع الأثرية والإرث التاريخي، الذي تملكه بلادنا، ويزيد من عملية الاتجار بالآثار الذي لا نستطيع بمقدورنا التعرُّف على تلك القطع؛ لأنها ليست موثقة بالسجلات الرسمية للهيئة العامة للآثار والمتاحف".

وأوضح الجرادي:  "تزداد هذه الحفريات عندما تكون الصراعات المسلحة قائمة والجهات الأمنية مشغولة بأمور الحروب، ومع تزايد ظهور الأجهزة الحديثة الخاصة بنزع الألغام، حيث يقوم بعض الأشخاص باستخدامها للبحث عن ما في باطن الأرض؛ غير مدركين المخاطر التي من الممكن أن تلحق بهم".

وبيّن الجرادي: "يستخدم الباحثون أدوات حفر بدائية (مجرفة ومعول)، ما يؤدي إلى ضياع معالم أثرية، لا سيما عند الحفر بجوار الأساسات، وسقوط جدران، وحدوث اختلاط، وضياع شواهد معمارية، وعناصر زخرفية قديمة، كما يمكن حدوث مخاطر على حياة الباحث، خاصة في التلال الأثرية، التي تشهد انزياحات للتربة، فضلاً عن اعتراضه أنفاق وجدران معرّضة للهدم؛ ما يشكِّل خطراً على حياته".

- بحث عن وهْم

عميد مركز الإرشاد والبحوث النفسية في جامعة تعز، جمهور الحميدي، يعتبر أن التغنّي بموضوع الكنوز والآثار، واعتبارها مصدرا للثراء، له دلالات نفسية واجتماعية، مشيرا إلى أن ذلك يعد أحيانا نوعا من أحلام اليقظة، وأحياناً هروبا من الالتزامات، وفي حين آخر يعد ذلك تفريغا للإحباط الذي يتعرض له هؤلاء الأفراد، ومن جانب آخر بعض الاعتقادات الاجتماعية لها دور في انتشار هذه الثقافة (ثقافة البحث عن كنوز)، فالمجتمعات غير الإنتاجية تلجأ إلى نشر واستخدام هذه الثقافة".

ويلخص الشيخ علي القاضي هذا الأمر  قائلاً: "خلاصة الرؤية الشرعية أن الأحلام لا يثبت بها أحكام شرعية، ولا اكتشافات مادية، وبالغالب تكون انعكاسات لرغبات الشخص، وحديث نفس؛ بسبب الفقر الذي يعانيه كثير من الناس، ويجب تحذير الشباب من هذا المسلك الذي نهايته اضطربات نفسية، والوهْم والخيالات".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.