تقارير
المجلس الرئاسي.. وإشكالية علاقة "الشرعية اليمنية" مع التحالف
لم تشهد العلاقة بين السلطة اليمنية الشرعية والتحالف السعودي - الإماراتي أي استقرار منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" وحتى عشية الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل الماضي، حيث ظلت العلاقة طوال سنوات الحرب تشهد حالة من المد والجزر، خصوصا العلاقة مع دولة الإمارات، وكانت تفاعلات الأزمة اليمنية -في بعض الأحيان- مجرد صدى لتوتر العلاقة بين السلطة اليمنية الشرعية وأبو ظبي، في حين تفضل السعودية الاكتفاء بالتواري خلف حليفتها الإمارات، والقيام بدور الوسيط في بعض الأحيان، وغض الطرف عن الكثير من الممارسات التي كان لها آثار سلبية على الحرب ضد انقلاب مليشيا الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن.
- أزمات خارجة عن المألوف
إذا كانت الأزمة اليمنية الحالية هي الأكثر خروجا عن المألوف في تاريخ اليمن المعاصر، فإن طريقة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي تعد الأكثر خروجا عن المألوف في مسار الأزمة الجارية منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015 وحتى اليوم. ولعل المنعطف الأهم بعد تشكيل المجلس الرئاسي أن المرحلة الجديدة هي مرحلة اختبار للجميع، ومرحلة انكشاف للجميع أيضا، وأي تطور أو خطوة يتخذها المجلس الرئاسي أو حكومة المناصفة (المحاصصة) أو أي طرف محلي أو فاعل أجنبي ستكون تحت مجهر الرقابة الشعبية، كون المرحلة الجديدة مرحلة حاسمة في مسار الأزمة، حيث ستتقلص مساحة المناورات السياسية، ولن يجد أي طرف شماعة ليعلق عليها فشله أو أخطاءه، فالجميع شركاء في الحكومة، وشركاء في مجلس القيادة الرئاسي، والنجاح سيُحسب للجميع، والفشل سيتحمل مسؤوليته الجميع، هذا إذا افترضنا استمرار المجلس الرئاسي بتركيبته الحالية سنوات عدة.
أما إذا كان الهدف من تشكيل المجلس الرئاسي ليكون جسر عبور قصير إلى مرحلة أخرى ما زالت ملامحها غامضة، فإننا سنرى انهياره في القريب العاجل، وسيتكشف حينها ما الذي تبقى في جعبة الجيران، أو الفاعلين الأجانب، من مكائد ومؤامرات يتم تمريرها من خلال حرق المراحل والالتفاف على الاتفاقيات والتصريحات التي ظاهرها حسن النوايا وباطنها رسم سيناريوهات أشد سوءا وقتامة مما مضى، لكن الاحتمال الأكثر توقعا هو أن يمضي كل منعطف جديد في مسار الأزمة حتى نهايته، فلكل مرحلة مكاسبها وخسائرها، وما يبدو هو أن السعودية والإمارات ليستا في عجلة من أمرهما، بدليل حرصهما على إطالة أمد الحرب، وعدم وجود مؤشرات للحسم في المديين المتوسط والقريب.
وتبقى التساؤلات الملحة: ماذا في جعبة التحالف بعد تشكيل المجلس الرئاسي؟ وهل ترتيبات إعادة هندسة المشهد اليمني شارفت على نهايتها أم ما زالت في بدايتها؟ وكيف سيدير المجلس الرئاسي علاقة اليمن مع السعودية والإمارات؟ وكيف سيتعامل مع مسألة السيادة؟ وهل سيتحرك من موقع "الندية" أم من موقع "التابع" أو "المتلقي"؟ وماذا بشأن التواجد العسكري السعودي والإماراتي في محافظتي المهرة وسقطرى؟ وهل سيتوافق أعضاء المجلس على أي تنازلات تطلبها منهم السعودية أو الإمارات؟ وماذا لو حدث اغتيال بعض قيادات المجلس والإبقاء على آخرين مستعدين لتقديم تنازلات للرياض وأبو ظبي لم تخطر على بال أحد؟
- أزمة "الشرعية" مع التحالف
من الواضح أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي جاء لحل مشكلة السعودية والإمارات مع السلطة اليمنية الشرعية ولترتيب وتقاسم النفوذ بينهما في اليمن، ولم يكن له علاقة بمشكلة اليمنيين مع الحوثيين أو مع السلطة الشرعية بسبب ضعفها وتفريطها بسيادة البلاد أمام تعنت التحالف وإدارته الفاشلة للمعركة، وعمله على هدم الدولة اليمنية وتقويضها، والتمكين لفئات متمردة من خلال دعمها بالمال والسلاح والدفع بها للمشاركة في السلطة لنخرها من داخلها، وصولا إلى تحويل المليشيات الانقلابية إلى سلطة شرعية، لكن ما يثير الاستغراب هو: لماذا أطاحت السعودية والإمارات بالرئيس عبد ربه منصور هادي من منصبه بذريعة ضعفه وفشله، رغم أن ضعفه وفشله هما ما يغريان أي طرف أجنبي للإبقاء عليه رئيسا لليمن لتمرير المزيد من الأجندة التخريبية في البلاد؟
تبدو الإطاحة بالرئيس عبد ربه هادي من منصبه مطلبا إماراتيا بامتياز، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، من أهمها أنه مع بداية المرحلة الانتقالية وتسلم عبد ربه هادي رئاسة البلاد، أُلغيت اتفاقية تأجير ميناء عدن لصالح شركة موانئ دبي الموقعة في العام 2008 لمدة 25 عاما قابلة للتمديد لمدة عشر سنوات، وتم إلغاء الاتفاقية تحت ضغط مطالب شباب ثورة 11 فبراير 2011، الذين اتهموا حينها علي عبد الله صالح بالتنازل عن ميناء عدن ليفقد نشاطه وتعطيله لصالح ميناء جبل علي في الإمارات، وكان نشاط الميناء قد تراجع بالفعل بعد التوقيع على اتفاقية تأجيره، حيث تراجع عدد الحاويات المسجلة في عام 2008 من 492 ألف حاوية إلى 146 ألف حاوية فقط في العام 2011.
لا شك أن الإمارات غضبت بسبب إلغاء اتفاقية تأجيرها ميناء عدن واتهامها بتعطيله، وازدادت مخاوفها من تطوير ميناء عدن بعد توقيع اتفاقية بين اليمن والصين، في نوفمبر 2013، لتطوير وتشغيل الميناء. ودعا الرئيس هادي، في مارس 2015، جمهورية الصين إلى تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين البلدين في العام 2013، ووقعها الجانبان أثناء زيارة الرئيس هادي إلى بكين، وخلال الزيارة أسهب الرئيس هادي في الحديث عن الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي لليمن والموانئ اليمنية، وتبع ذلك توقيع اتفاقية بتكلفة نصف مليار دولار لتوسعة وتطوير ميناء عدن.
غير أنه بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" عملت الإمارات على تعطيل ميناء عدن بالقوة، وتحولت مخاوفها من تطوير الميناء إلى أطماع، وتحاول ترسيخ نفوذها في ميناء عدن من خلال دعم مطالب الانفصال، وازدادت أطماعها بميناء عدن بعد إقدام جيبوتي على إلغاء عقد الامتياز الممنوح لمجموعة موانئ دبي، واستعادة إدارة ميناء دورال، وأيضا إقدام سلطات أرض الصومال على وقف أعمال بناء مطار القاعدة العسكرية الإماراتية في مدينة بربرة التي يوجد فيها ميناء بربرة الإستراتيجي.
كما ازداد غضب الإمارات من الرئيس عبد ربه هادي عندما أصدر قرارا، في مطلع أبريل 2016، قضى بإقالة رئيس الحكومة حينها خالد بحاح، المعروف بعلاقته الوثيقة مع حكام أبو ظبي، وفهمت الإمارات إقالة بحاح من منصبه بأنها رسالة موجهة لها من الرئيس هادي لتقليص نفوذها في اليمن، وظلت الإمارات تحاول إعادة بحاح لرئاسة الحكومة أو أي منصب سيادي آخر، لكنها لم تنجح، ومن المحتمل أن يتولى بحاح رئاسة الحكومة -بضغط من الإمارات- في حال تم إجراء تغييرات في حكومة المناصفة بواسطة مجلس القيادة الرئاسي.
وبعد أن تمكنت الإمارات من ترسيخ نفوذها في بعض مدن جنوبي البلاد، ظلت تحرض ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي على عدم الانصياع لقرارات الرئيس عبد ربه هادي، ومنع عودته إلى مدينة عدن، كما دفعت بالمجلس الانتقالي ومليشياته إلى السيطرة على المطارات والموانئ، وتتبنى مطالب انفصال جنوب اليمن من خلال الدعم الإعلامي والدبلوماسي، لاعتقادها بأن انفصال جنوب اليمن سيكون مفتاحا لتمدد نفوذها والسيطرة على ميناء عدن وغيره من موانئ ومطارات جنوبي البلاد، وتدخلت عسكريا مرات عدة لصالح مشروع الانفصال، مثل التمكين للمجلس الانتقالي من السيطرة على مدينة عدن، وقصف وحدات من الجيش اليمني لمنعها من استعادة السيطرة عليها، عقب أحداث أغسطس 2019.
- جوار صعب وملفات معقدة
في الحقيقة، لم تكن علاقة اليمن بالسعودية والإمارات جيدة على الدوام منذ عقود، ثم إن الدولتين تدخلتا عسكريا في البلاد وهما مثقلتان بإرث ثقيل ومتراكم من العلاقات المضطربة والعداوات والقلق من أي تأثير على وضعهما الداخلي قادم من اليمن بسبب اختلاف نظامه السياسي، وزاد من سوء ذلك أن التدخل العسكري جاء في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي، وبدا أن اليمن مقبل على مرحلة جديدة من التوافق الوطني والحكم الفيدرالي، ليصنع بذلك نموذجا جذابا تفاعل معه كثيرون ودعوا إلى تطبيقه في بلدان الربيع العربي التي نشبت فيها صراعات بين الأنظمة التقليدية والفئات والمكونات الثورية.
ومن هنا ازدادت مخاوف الرياض وأبو ظبي من أن ينجح التغيير في اليمن، وبالتالي وصول عدوى التغيير إلى شعوبهما، فتعددت أهداف التدخل العسكري، وتغيرت الأولويات، وكان دور التحالف في اليمن كارثيا ومدمرا، ورغم فشله في القضاء على قوى ثورة 11 فبراير 2011، لكنه نجح في تقويض الدولة اليمنية وإضعاف السلطة الشرعية حتى الإجهاز عليها، ثم تشكيل مجلس قيادة رئاسي ضم توليفة متناقضة، لكن من الصعب أن ينجح مجلس القيادة الرئاسي في حل الإشكاليات المتراكمة والمعقدة بخصوص علاقة اليمن مع السعودية والإمارات، وبالذات فيما يتعلق بموقفهما من الوحدة اليمنية وسيادة البلاد وتطوير النظام السياسي ونجاح التحول الديمقراطي وغير ذلك.