تقارير
المطاعم الخيرية.. جبر خاطر البسطاء بما تيسّر من الطعام في تعز
تتردد فخرية مهدي (52 عاماً) ظهيرة كل يوم على أحد المطاعم الخيريّة في مدينة تعز، وتقف عند بابه مع العديد من النساء والرجال لوقت قد يطول، وقد يقصر أحياناً، لكن ذلك لا يهمها بقدر الحصول على وجبة غداء مجانية ولو متواضعة، لسد رمقها مع أطفالها الخمسة اليتامى، الذين ينتظرون عودتها إلى المنزل في الوقت المناسب.
تغمرها الفرحة وهي تعود حاملة معها أصنافا غذائية قد تختلف أنواعها، وتتفاوت كمياتها من يوم إلى آخر، كما تشعر بالامتنان للقائمين على المطعم الذي تتلقّى منه كيسا بلاستيكيا صغيرا من الأرز وعددا من أقراص الرغيف ونصف دجاجة مشوية أو مشكل خضروات أو غيرها.
تقول فخرية لموقع بلقيس: "إن صاحب المطعم يجبر بخاطري بالوجبات المجانية الجاهزة التي يعطيها لي، ويعفيني من مد يدي للآخرين لطلب المال اللازم لشرائها، كما يخفف عني عناء شراء بعض المواد الغذائية وطبخ الطعام في البيت، ويسد الفجوة التي تخلفها ندرة الغاز المنزلي، وغلاء أسعاره".
وتضيف: "ما يدفعني نحو الذهاب إلى تلك المطاعم والمخابز الخيريّة والعودة منها، وذلك سيراً على الأقدام وتحت أشعة الشمس الحارقة، هو قسوة الظروف المعيشية، ووفاة زوجي العائل الوحيد لنا، وغياب السند والمعين، ومصادر الدخل، والافتقار للمال، وغلاء الأسعار الجنوني".
وتقل الوجبات المجانية التي تتلقاها حالياً عن تلك التي كانت تحصل عليها في أيام شهر رمضان من بعض المطاعم أو المطابخ الخيرية، التي كانت ترتادها، وتعود منها بأصناف متعددة وكميات كافية حسب فخرية، التي تلفت إلى أن الأصناف التي تتلقاها هذه الأيام قليلة، والكميات شحيحة لا تكفيها مع أولادها وبناتها.
وفيما تتحدث تقارير أممية عن عجز ملايين اليمنيين عن تأمين وجباتهم اليومية، يقود الآلاف من سكان مدينة تعز المحاصرة، للعام الثامن على التوالي، كفاحاً مريراً وبحثاً متواصلاً عن تلك الوجبات، التي يؤمّن البعض الحد الأدنى منها بشق الأنفس، فيما يصعب على الآخرين توفيرها، ويدفعهم نحو استجداء أصحاب المطاعم التجارية، وتقليص عدد وجباتهم اليومية إلى وجبة أو اثنتين.
-حاجة ماسّة
وتشتد حاجتهم إلى المطاعم والمخابز والمطابخ الخيريّة، واستمرار نشاطها طوال العام، وعدم اقتصار عملها على شهر رمضان، الذي ما إن ينتهي إلا وتغلق معظمها أبوابها في حين يواصل القليل منها أنشطته على مدار السنة أو عدة أشهر، وذلك في مدينة تكتظ بالفقراء والمحتاجين.
محمد فرحان (22 عاماً) -طالب جامعي قدِم قبل ثلاثة أعوام مع عدد من رفاقه من أحد الأرياف، وأقاموا في دكان صغير بحي المغتربين وسط مدينة تعز، وهم اليوم يواجهون صعوبة في تأمين طعامهم، فالمطعم الخيري الذي كان يقدمها لهم خلال العام الماضي لم يعد يفعل ذلك.
يقول فرحان لموقع بلقيس: "كنا نتلقى في الصباح فاصوليا وروتي، وفي الظهر أرز ومشكل خضروات، وأحيانا دجاجة مشوية، أما في العشاء نحصل على روتي وحلوى طحينية مع الجبن، وهي وجبات كانت تغطي جزءا لا بأس به من حاجتنا، أما الجزء الآخر فنضطر أنا وزملائي لجمع المال وشرائه".
ويتزايد يوماً بعد آخر عدد المحتاجين إلى الوجبات المجانية في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها مدينة تعز، وما رافقها من تدهور مهول في أوضاع الأهالي المادية والمعيشية والإنسانية والإقتصادية، فضلاً عن غلاء المعيشة، وانقطاع الرواتب، وفقدان الأعمال، وانهيار العملة المحلية، وأزمات الغاز المنزلي المتواترة.
وظهرت المطاعم الخيرية في المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد خلال سنوات الحرب، التي لعبت منذ اندلاعها في العام 2015 دوراً ملحوظاً في مدينة تعز، إذ استهدفت الأسر الفقيرة والنازحين والمشردين في الشوارع، والمرضى في المستشفيات، والطلبة الجامعيين وغيرهم، يقول مسؤول محلي رفيع لموقع "بلقيس".
وتتباين آراء المواطنين حولها، والدور الذي تلعبه، حيث يبدي المواطن والموظف الذي انقطع راتبه منذ العام 2016، عبد الإله الزبيدي، امتعاضه منها، ويؤكد لموقع "بلقيس"، على أنه لم يتلقَّ أي شيء من تلك المطاعم، التي لا تلتفت إلى الفقراء والمحتاجين، بل وتستهدف المتنفذين والأسر الميسورة.
-نشاط موسمي
ويقتصر تواجد المطاعم والمطابخ والمخابز الخيرية على بعض المناطق، فيما تغيب عن الأخرى، بما فيها الحي الذي يسكن فيه الزبيدي، الذي يقيم مع أسرته في دكان ضيّق، وعديم التهوية، ويعيش ظروفاً بالغة السُّوء والتعقيد.
وينشط بعضها بشكل موسمي، في حين يواصل البعض الآخر أعماله طوال العام، ومع ذلك يتسم نشاطها بالعشوائية، ويفتقر إلى الدقة في تحديد واختيار المستفيدين، وهو ما يظهر من خلال توزيع الوجبات التي يتلقاها البعض، في حين يُحرم منها آخرون، وذلك بالرغم من شدة حاجتهم وعوزهم، كما يذكر مواطنون وناشطون لموقع "بلقيس".
من جهته، يقول نائب المدير العام ومدير إدارة الجمعيات في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمحافظة تعز، فؤاد المخلافي، لموقع "بلقيس": "تفتح أغلب المطاعم الخيرية أبوابها خلال شهر رمضان، وتقدم للأسر الفقيرة والنازحة وجبات افطار تحوي حبة دجاج، وأرز، وخبز، وعلبة زبادي، وتفاح، وموز، شريطة أن تتكون الأسرة الواحدة من خمسة أفراد أو أكثر".
ويبلغ عدد الأسر المستفيدة من المطاعم الخيرية قرابة 4 آلاف أسرة، وقد يزيد هذا العدد أو ينقص أحياناً في ظل تفاوت المدة الزمنية لنشاط بعض تلك المطاعم، التي يتزايد الإقبال عليها، كما تعتمد عليها مئات الأسر والأشخاص في توفير جميع الوجبات الغذائية أو جزء منها، حسب روايات عاملين في تلك المطاعم.
وتتباين طريقة عملها، والفئات المستهدفة، والجهات الداعمة لها، إذ يتلقّى بعضها دعماً من منظمات وجمعيات ورجال أعمال وفاعلي خير، والبعض يعمل بجهود ذاتية، طبقاً لروايات متطابقة.
يُعرف المطعم الخيري، التابع لمؤسسة "وقف الواقفين" العالمية، بمركز التغذية رقم 1، وقد بدأ العمل في فبراير من العام 2020، واستمر حتى اليوم طبقاً لمدير المركز حسام الأديمي، الذي أشار إلى أن المطعم يعمل منذ افتتاحه، ويقدم وجبات غداء مجانية للمستفيدين.
-صعوبات
جاءت فكرة إنشاء المطعم من واقع السكان المعاش، الذين كانوا يتلقون سللاً غذائية، لكنهم يعجزون عن إعداد وجباتهم الغذائية بفعل ندرة الغاز المنزلي، وغلاء أسعاره، وصعوبة توفير المكونات الأخرى للوجبات، وهو ما دفع "وقف الواقفين" لإنشاء مركز أو مطعم خيري لتوفير وجبات جاهزة للمحتاجين، وأهل الاستحقاق، وفقاً للأديمي.
ويملك قائمة متنوّعة من الوجبات، حيث يقدّم -خلال أيام الأسبوع- أرز وسمكا أو أرز ودجاجا أو أرز ومشكل خضار، أو مشكل فرن، أو معكرونة بالباشميل، أو بالدجاج، ويتم اعتماد القائمة، وتحديث المأكولات، بناء على آراء المستفيدين الواردة في الاستبيانات الدورية التي يعرضها عليهم القائمون على المطعم.
يصل العدد اليومي للمستفيدين حالياً إلى 1500 فرد، وذلك خلافاً لشهر رمضان، الذي رفع فيه المطعم معدل الإنتاج وعدد المستهدفين، الذين بلغوا 5 آلاف مستفيد يومياً، وهو عدد يجري الآن تدارسه من قِبل إدارة المطعم، التي تتطلع نحو اعتماده بشكل دائم، وعلى مدار السنة.
يتم اختيار المستفيدين من خلال قوائم المحتاجين المتوفرة لدى الوحدات التنفيذية والمجالس المحلية، ومن خلال الزيارات الميدانية التي ينفذها القائمون على المطعم للعديد من المناطق.
يستهدف حالياً سكن الطالبات في جامعة تعز، والأمن الجامعي، ومستشفى الأمراض النفسية، ومركز الجذام، وتجمّع النازحين في مدرسة علي بن أبي طالب في البعرارة، ومدينة النور، وذلك خلافاً لشهر رمضان الذي تم توسيع الإنتاج فيه، واستهداف المرضى في المستشفى الجمهوري، ومركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية، والمستشفى السويدي، كما تم استحداث مراكز توزيع في كل من منطقة الدحي والضربة والحمرة.
ومن الصعوبات، التي يواجهها، تذبذب أسعار المواد الغذائية، واضطراب الوضع المصرفي، وندرة وغلاء الغاز المنزلي، وغياب الدعم والتعاون الرسمي، خصوصاً من قِبل السلطات المحلية، وهو ما أجبر بعض المطاعم على إيقاف أنشطتها، أو تعليق أعمالها، وهو ما حدث في 20 ديسمبر من العام 2021، الذي تظاهر فيه ملاكها، ونددوا -في وقفة احتجاجية- بوقف حصتهم من الغاز، وتوعّدوا بالإضراب الشامل.