تقارير
من الحرب إلى إعادة صياغة المجتمع.. تقرير أممي يفضح مشروع السيطرة الناعمة لمليشيا الحوثي
كشف تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات في مجلس الأمن، أن ميليشيا الحوثي انتقلت من مرحلة المواجهة العسكرية إلى مرحلة إعادة هندسة المجتمع اليمني، من خلال السيطرة على مؤسسات الدولة، وتقييد الفضاء المدني والإعلامي بما يؤدي إلى بناء نظام اجتماعي خاضع كلياً لسلطتها.
وقدّم التقرير قراءة لبنية مشروع سياسي حوثي يسعى إلى إعادة إنتاج المجتمع على أسس عقائدية، حيث تتعامل ميليشيا الحوثي، مع التعليم والدين والإدارة كحقول لإعادة الصياغة، بحيث تتفكك الروابط الاجتماعية القديمة (من العائلة إلى القبيلة، ومن الحزب إلى النقابة)، وتحل محلها شبكات ولاء شخصي ومؤسسي تدور حول شخص تخلق له هالة من التقديس.
نشاط متزايد وليس تحولًا
يقول المحلل السياسي الدكتور ثابت الأحمدي، أنا لا أعتبره تحولاً، إنما نشاط متزايد بصورة أكبر عمّا كان عليه الأمر سابقاً، فالحوثيون متواجدون منذ وقت مبكر (على الأقل في صعدة وما حولها) اجتماعياً وثقافياً من خلال الحوزات التي وصل عددها إلى المئات منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.
وأضاف: الحوثيون يعملون لمشروعهم الفكري والسياسي منذ وقت مبكر من خلال الأحزاب السياسية التي توزعوا فيها عمداً ولعبوا فيها أدوارا نضالية وعملوا على التفريق بين الأحزاب الجمهورية، منذ وقت مبكر، ولا يزالون حتى هذه اللحظة متوزعين الأدوار داخل هذه الأحزاب الجمهورية، في المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري والبعث والسلفي وغيرها من الأحزاب.
وتابع: انقلابهم في 2014 كانت الصيحة النهائية، والإعلان الأخير للمشروع السياسي في صيغته النهائية، ولو تتبعنا أدبياتهم السياسية والفكرية من تلك الفترة، كانوا قد أعلنوا الوثيقة الفكرية والثقافية في 2012، والتي أبرزوا فيها مشروعهم الثقافي والفكري بشكل واضح، وتحدث عنه المثقفون والكتاب والسياسيون في ذلك الوقت.
وأردف: بعد ذلك جاءوا بما سميت بوثيقة الشرف القبلية، كمشروع سياسي اجتماعي، وبعدها ما سميت بمدونة السلوك الوظيفي، وعززوا هذا المشروع بالدورات الثقافية التي استهدفت العقال والمشايخ والشخصيات الكبيرة.
وأردف: عمل الحوثيون قبل ذلك على تغيير المناهج المدرسية، وتغيير الخطاب الديني والثقافي والإعلامي، والاستيلاء على مؤسسات الدولة (الإعلام، الثقافة، الجامعات، المدارس، مراكز البحث العلمي).
وزاد: في العام 2015 في صنعاء لم نكن نرى سوى لوناً ثقافياً وإعلامياً واحداً فقط، حيث انعدمت كل الصحف والمجلات ومعظم الخطابات الثقافية والسياسية الني كانت معروفة منذ 1962، وازداد التضييق حتى ظهر الآن بصورة واضحة أكثر.
وأشار إلى أن أول من جلب التعليم الحوزوي والثقافة الإمامية إلى اليمن هو "أحمد بن سليمان" بداية القرن السادس الهجري، حيث أرسل قاضيه من صعدة إلى بلاد الجيل والديلم في إيران لجلب ما عرف آنذاك بكتب الزيدية وتم تدرسيها في بعض أربطتهم في صعدة وصنعاء وبعض المناطق.
وقال: منذ ذلك الوقت لا يزال الاتصال الثقافي والروحي والسياسي بفارس وإيران، وحتى هذه اللحظة، ولا يزال المشروع ماضٍ، ولا يستهدف اليمن فقط ولكن يستهدف المنطقة كاملة.
وأضاف: اليوم لم نعد نرى في مناطق سيطرة الحوثي إلا شعراً حربياً، وفقهاً حربياً، وإعلاماً حربياً، ومنظومة ثقافية متكاملة من الموجهات الحربية التي تجعل المنتمي لهذه الجماعة إما مشروع قاتل أو مشروع قتيل لا أكثر، وهذا ما تنص عليه أدبياتهم الدينية والثقافية منذ وقت مبكر، ومن يقرأ سيَر الأئمة وشعرهم يدرك ذلك بوضوح.
وتابع: الأيديولوجيات المغلقة مثل الهادوية لا تقبل بغيرها أبداً إلا أن يكون تابعاً وذيلاً لها، مثلها مثل النازية والفاشية والقاعدة وداعش، والحوثيون منذ وقت مبكر كانوا يرون أن كل اليمنيين كُفَّار لأنهم لم يندرجوا في إطار مشروعهم، وخطاباتهم حتى اللحظة يرى كل من يناوئهم كافراً أو منافقاً أو ناصبياً، فعندما نزلوا للقتال في تعز وعدن كان شعارهم قتال الدواعش، ولا وجود لداعش في اليمن، بل هم يفوقون داعش والقاعدة إرهاباً وطيشاً وجنوناً.
وأردف: الحوثيون اليوم يركزون على الأجيال الناشئة بصورة دقيقة جداً، لأن الجيل القديم (في سننا) تربى على أفكار جمهورية وعقيدة سليمة، وعلى فكر وطني، لذا التركيز الأكبر على الطلبة والناشئة الجدد من خلال المدارس والخطاب الديني في المساجد والدورات الصيفية والتدريبية، وكان لها تأثيرها السلبي الكبير، حيث رأينا شباباً عادوا من هذه الدورات وقتلوا أقاربهم (من قتل أباه أو أمه أو أخاه أو صديقه)، وهذا يدل على أن هذه الجماعة لا يمكن أن تأتي بفكر ثقافي أو أدبي، وإنما هي ثقافة حربية فقط وثقافة للموت.
وزاد: مع هذا، أكاد أجزم أنها انتفاشة، ولن تنطلي هذه السياسة، وهذا الفكر المتخلف مرفوض عند اليمنيين من قرون طويلة، واليوم هو أكثر رفضاً له، خاصة مع نموذج عبد الملك الحوثي السيئ.
وقال: اليوم لم يبق أمام اليمنيين إلا الثورة على هذه الجماعة، وليس هناك من حل إلا قمعها عسكرياً ومن ثم استعادة الدولة، ومن يراهن على الحوار فهو واهم، فقد جربنا معها أكثر من 80 اتفاقية منذ 2004، ونكثت بها كلها، بما فيها وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل ووثيقة السلم والشراكة، لأن الحكم في نظرها حق من السماء منزل، وترى اليمنيين الآخرين "أولاد سوق" ولا يستحقون أن يحكموا أنفسهم.
العمل لضمان البقاء مستقبلا
يقول الصحفي سلمان المقرمي، إن ميليشيا الحوثي تعمل على تثبيت سيطرتها بشكل دائم منذ زمن بعيد، وازدادت مؤخراً بعد الهدنة وخلال سنتين من طوفان الأقصى.
وأضاف: الفارق بين ميليشيا الحوثي وبين القوى المقاومة المناهضة لها أن ميليشيا الحوثي تعمل بشكل منظم وبآلية استراتيجية لضمان مقومات بقائها مع الأجيال الناشئة.
وتابع: قرابة 45% من سكان الشعب اليمني هم تحت سن 15 سنة، مما يجعل ميليشيا الحوثي تبذل كل جهودها على إعادة تشكيل المجتمع وصياغته بما يضمن بقاء هذه السلطة الإجرامية، لذا تعمل على مستويات التعليم والثقافة والدورات الصيفية وتغيير المناهج والسيطرة على القطاع الخاص والاقتصاد.
وأردف: عندما تمتلك ميليشيا الحوثي الإدارة الثقافية مع الإدارة المالية والقدرات المالية، والمؤسسات العامة، هي تستطيع أن تضمن أن يكون لها الآف من المقاتلين، ورأينا ذلك في دورات التعبئة العامة التي أعلنت عنها، ودورات طوفان الأقصى والدورات المسلحة ودورات النفير، وما أعلن عنه زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، بأنهم جندوا مليون.
وزاد: لا يمكن لأحد عاقل أن يقلل أو يهوّن من الأرقام التي أعلن عنها عبدالملك الحوثي، عن عدد المجندين، خصوصا في صفوف الجيل الجديد.
وقال: ميليشيا الحوثي تعمل على الجانب النفسي والثقافي، ويمكن القول إنها فهمت البنية الاجتماعية للشعب اليمني أكثر مما فهمها خصومها بكثير، فمثلاً في حالة وثيقة الشرف القبلي، جندت الميليشيا آلاف الناس من دون جهد يذكر من جانبها.
وأضاف: سيطرة ميليشيا الحوثي على وسائل الإعلام والثقافة ليست سيطرة ناعمة، بل هي سيطرة خشنة تعيد إنتاجها وتوظيفها بشكل ناعم، حيث لديها أكثر من 20 إذاعة وحوالي أكثر من 15 قناة تلفزيونية، أي أكثر مما يمتلكه كل خصومها، وهذه الأدوات فاعلة لأنها لا تتعالى على المجتمع ولا تظهر نظرتها العنصرية والطبقية من خلالها، فقط تعمل على إذكاء روح القتال لدى الناس بما يخدم مشروعها، رغم أنها ميليشيا عنصرية وطبقية.
وتابع: المجتمع المدني حتى الآن فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة ميليشيا الحوثي وفي تأسيس نفسه، والمقاومة تأتي من القوى الثقافية والطلبة (مثل خروج الطلبة في احتفالات سبتمبر)، لجوء الحوثيين إلى تعطيل التعليم عبر قطع المرتبات وإنشاء الدورات الصيفية يدل على أن تغيير المناهج لم يحول المدارس العامة إلى مؤسسات إنتاج حوثية.
وأردف: ثمن المقاومة أقل بكثير من ثمن الاستسلام أو اللامبالاة، وطبيعة بنية الجماعة المغلقة تصل إلى مرحلة تشك في أعضائها (مثل اعتقال من وكلتهم للعمل مع المنظمات الدولية)، وهناك نقاط إيجابية، مثل أن الفنانين الموالين للحوثي بدأوا يتكلمون ويصدرون المواقف حول مستويات المعيشة.